مركز قطر للمال يملأ فجوة المصداقية ويعبد طريق الريادة 

مركز دبي يخلى مواقعه ويقع ضحية تلاعب السياسيين

الدوحة تحفر قنوات اتصال وتواصل على خلفية الوعي العميق

الثقة بمركز الدوحة المالي مدعمة بمستندات الوقائع اليومية

 

بزنس كلاس – سليم حسن

سطرت الأزمة الخليجية وما تلاها ويليها حتى الآن من تداعيات،  ملامح جديدة للمنطقة برمتها خصوصاً الجانب الاقتصادي في طبيعة العلاقات الخليجية – الخليجية والخليجية مع العالم. ولعل أبرز أوجه هذا التبدل يتجلى في حركة المراكز المالية في المنطقة لا سيما المركزان البارزان، مركز دبي للمال ونظيره القطري، مركز قطر للمال، حيث يتعرض الأول لضغوط متزايدة نتيجة عمليات التلاعب والممارسات السياسية الخاطئة لأبو ظبي التي تدمر سمعة المركز المذكور وبنفس الوقت تمهد الطريق لبزوغ نجم مركز قطر للمال كبديل دولي آمن وشفاف والأهم بديل قوي جداً له.

منذ ما قبل الأزمة

قبل الأزمة كان مركز دبي للمال يتابع التقدم كأفضل مركز مالي في المنطقة بنواحي عديدة لكنه كان حتى قبل الأزمة قد بدأ يفقد بعض بريقه نتيجة أسباب كثيرة لعل أبرزها أخطاء أبوظبي السياسية العميقة التي لا تضع في حساباتها ما قد يؤدي ذلك لإلحاق ضرر بالغ بمركز المال لأهم شركاءها في الاتحاد الإماراتي، إمارة دبي. فقد أظهرت بيانات تومسون رويترز أن عائدات مركز دبي للمال من الرسوم التي تتقاضاها البنوك الاستثمارية من أنشطة الاندماج وجمع تمويلات للشركات بلغت 492 مليون دولار في النصف الأول من العام الحالي. ويقل ذلك 13.3% عن الفترة المماثلة من العام الماضي. ويعتبر مركز دبي المالي العالمي، مركز مالي لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا يقع في دبي. ويعد ثاني أكبر مركز مالي بعد مركز الملك عبدالله المالي في وقد تأسس في العام 2002.

عدوان صريح وإفلاس

لكن رحلة معاناة مركز دبي للمال بدأت منذ اندلاع الأزمة الخليجية وانطلاق أبوظبي في عدوان غير مسبوق ضد قطر لتهاجم مؤسساتها المالية والريال. فقامت أبوظبي بعمليات مالية غير شرعية، كما فعلت بمحاولة ضرب سعر صرف الريال القطري ووقف تزويد بعض المصارف البريطانية به لإظهار أن بنوك بريطانيا لم تعد تثق بالعملة القطرية وتوقف تعاملها به ما يؤدي لانهيار النظام المالي القطري على المدى المتوسط لانعدام الثقة به.  كما أصدرت أبوظبي ، ممثلة بمصرفها المركزي قرارات كان من شأنها إلحاق ضرر بالغ أو كما يقال باللغة الانكليزية “irreversible” “غير قابل للإصلاح” بمركز دبي للمال، عندما أبلغ مسؤولون في أبوظبي، مصارف غربية من بينها مصرف “كريدي سويس” السويسري ومصرف باركليز البريطاني ومصرف “دويتشه بانك” الألماني، أنها محظورة من الحصول على تنفيذ عمليات مالية والحصول على عقود ، لأن بها مساهمين قطريين”.

خارج دائرة الثقة

طبعاً رافق تلك الخطايا الاقتصادية على المستوى الدولي، أخطاء وفبركات سياسية كثيرة قوضت بشكل كبير الثقة بالإمارات بشكل عام وأي معلومات صادرة عن قطاعها المالي. لكن بوادر خروج الإمارات من دائرة الثقة، الأمر الأساسي في التعامل المالي، تجلت عندما نقلت وكالة بلومبرغ عن مصادر قولها إن بعض البنوك العالمية أصبحت تقدم خدماتها إلى قطر من خلال مراكزها في لندن ونيويورك بدلا من دبي بسبب “الصعوبات التي فرضتها الأزمة الخليجية”. وذكرت المصادر حينها أن بنوكا -كانت تدير معاملاتها مع جهاز قطر للاستثمار ومؤسسات قطرية أخرى من خلال مركز دبي المالي العالمي- قد لجأت إلى مراكز مالية أخرى تجنبا لتأثر علاقاتها بـ الإمارات والسعودية سلبا. ونقلت بلومبيرغ أن بعض العملاء القطريين باتوا يفضلون التعامل مع بنوك خارج منطقة الخليج على التعامل مع بنوك تعمل في مركز دبي المالي العالمي.

ارتدادات وتوابع

وقال محلل استراتيجي وخبير اقتصادي من بنك ستاندرد تشارترد في لندن إنه “لا جدال في أن كل ضربة سياسية أو اقتصادية لـ دول الخليج سيكون لها ارتدادات على دبي كمركز إقليمي”. وأضاف فيليب دوبا بانتاناس أن الأزمة الحالية “فرضت إعادة ترسيم لقنوات التجارة التقليدية، إن كان ما يتعلق بالبضائع التي لم تعد تمر عبر جبل علي أو المصرفيين الذين أصبحوا يخدمون قطر من خارج المنطقة”. ورأى أنه كلما طال أمد الأزمة ستترسخ هذه الاتجاهات الجديدة.

وأصبحت دبي المركز المصرفي الرئيس لمنطقة الخليج بعد افتتاح مركز دبي المالي العالمي في عام 2004 لجذب البنوك الدولية ومديري الأصول وشركات التأمين، مع وعدها بعدم جني أي ضرائب لمدة 50 عاماً. ويقوم العديد من المصرفيين بالتنقل يومياً أو أسبوعياً بين الإمارات ودول الخليج المجاورة، مثل قطر والمملكة العربية السعودية، للقيام بأعمالٍ تجارية مع العملاء المحليين.  كما ذكر عددٌ من العملاء القطريين أنَّهم يفضلون العمل مع المصرفيين من خارج منطقة الخليج بدلاً من المصرفيين الموجودين في مركز دبي المالي العالمي.

إخلاء المكان طوعاً

من جانبه، بات مركز قطر للمال بوضع مريح، على عكس ما ذهبت إليه رياح أبوظبي، بل أصبح أيضاً يملك فرصة قوية ليحل مكان مركز دبي للمال، كبديل آمن وشفاف. فكل مرة كان يثبت فيها كذب وفبركات أبوظبي، كان مركز دبي يخسر وقطر بشكل عام تربح لأن الفبركات تتهمها لتعود وتثبت أنها بالصدق وحده تتجاوز بحر أكاذيب دول الحصار.

لكن المهم في الموقف القطري ليس النتائج العكسية لإجراءات دول الحصار التي تؤتي ثمارها خيراً للدوحة، بل ما تقوم به قطر فعلاً لكسب معركة الثقة مع العالم والتي ربحتها الدوحة بجدارة.

مؤشر بازل

احتلت قطر المركز الأول في  منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب تصنيف مؤشر “بازل” منذ أيام كأفضل مركز لمكافحة غسل الأموال. وأنصف تقرير مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب للعام 2017 دولة قطر , ضد  دول الحصار “مصر – السعودية – الإمارات -البحرين” , حيث أسقط جميع افتراءات ومزاعم دول الحصار الأربع , حسبما أفاد خبراء ومحللون. الملفت بنتائج مؤشر بازل الحالية أن قطر ، التي اتهمتها الإمارات بدعم وتمويل الإرهاب، جاءت بالمركز الأول ، فيما جاءت الإمارات نفسها في المركز الأخير خليجيا، وحلت السعودية في المركز الثاني، والكويت ثالثا، والبحرين رابعا.

توافق الروايات

وبحسب المؤشر، فإن الدوحة تفوقت على جميع الدول الخليجية في الإجراءات المصرفية والتشريعية الخاصة بالحفاظ على نظافة أموالها. ونتائج مؤشر بازل لم تكن فقط داعمة للموقف القطري، بل أيضا جاءت لتتوافق مع تقارير دولية كثيرة اتهمت دولة الإمارات العربية المتحدة بتبني سياسات مالية تساعد على تهريب وغسيل الأموال واستخدامها في دعم عمليات إرهابية لمساندة الثورات المضادة في دول الربيع العربي.

ويتكون مؤشر بازل الذي يصدره معهد بازل للحوكمة في سويسرا ويشمل 149 دولة- من عشر درجات، حيث يمثل الصفر الأقل خطرا والدرجة العاشرة الأكثر خطورة. وأكد محافظ المصرف المركزي في قطر، في تصريحات صحفية الشهر الماضي، تنامي قدرات القطاع المصرفي في مكافحة تمويل الإرهاب عبر التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، مشيرا إلى أن قطر لديها نظام جيد وفريد وقوانين ضد كل أشكال الإرهاب.

سوابق خطيرة

وعن احتلال الإمارات المركز الأخير خليجيا في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قال المحلل المالي، عمرو السيد، إن هذا ليس التقرير الدولي الأول الذي يفضح السياسات المالية التي تتبعها الإمارات وتساعد بشكل كبير على تهريب وغسيل الأموال، فقد سبقه عدة تقارير من مؤسسات دولية متخصصة تحذر الإمارات من التمادي في مثل هذه السياسات المشبوهة. وأكد المحلل المالي ، أن الإمارات أصبحت مركزا إقليميا لعمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في المنطقة، لافتا إلى أن الدولة الخليجية الصغيرة كانت الملاذ الآمن للحكام والمسئولين العرب الذين ثارت عليهم شعوبهم، وقامت بأكبر عملية غسيل للأموال التي نهبها هؤلاء من شعوبهم، وتم استخدامها في تمويل الثورات المضادة بهذه الدول.

الدوحة سباقة

من جانب آخر، كانت الدوحة أول دولة خليجية توقع اتفاقية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية.  حيث أعلنت دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية عن توقيع مذكرة تفاهم بينهما في 11 يوليو / تموز الماضي لمكافحة تمويل الإرهاب.

وقال سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأمريكي سعادة السيد ريكس تيلرسون إن دولة قطر التي طالما اتهمت بتمويل الإرهاب أصبحت الآن أول دولة توقع مع الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه الاتفاقية الهادفة إلى مكافحة تمويل الإرهاب. وأضاف سعادته إن مذكرة التفاهم تأتي في إطار التعاون الثنائي المستمرّ بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة للعمل المشترك بين الجانبين وتبادل الخبرات والمعلومات وتطوير هذه الآليّة وكذا تطوير المؤسسات بين الدول. ودعا سعادة وزير الخارجية الدول التي تحاصر دولة قطر إلى أن تحذو مثل هذا النهج «تنضم لنا في المستقبل» والتوقيع على اتفاقية لمكافحة تمويل الإرهاب.

اتفاقية منفصلة

وأكد سعادته أن مذكرة التفاهم تعتبر اتفاقية ثنائيّة منفصلة بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية وقد خضعت للنقاش بين الجانبين على مدى أربعة أسابيع وليس لها علاقة مباشرة أو بشكل غير مباشر بالأزمة الخليجية أو بحصار دولة قطر.

اتفاقية مكافحة غسل الأموال مع “FIN

في ترجمة عملية للاتفاقية الأمريكية – القطرية المذكورة أعلاه، جاء توقيع اللجنة الوطنية  لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في قطر، اتفاقية شراكة مع شركة “Financial Integrity Network” الأمريكية التي يقع مركزها في واشنطن، لتكون المستشار الاستراتيجي الرئيسي الخاص باللجنة.

دور قطري مميز

وقال نائب محافظ مصرف قطر المركزي ورئيس اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الشيخ فهد بن فيصل آل ثاني: “لطالما كان لدولة قطر شراكات متينة ومفتوحة ومثمرة مع المجتمع الدولي في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويسرنا التعاون مع شركة FIN لتعزيز ما حققناه حتى اليوم من نجاحات وضمان أن يكون نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في قطر باستمرار على مستوى عالمي.”

من جانبها، قالت الشركة في بيان إنه ضمن هذه الشراكة ستتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في “مراجعة تنفيذ وفعالية الإطار القانوني في قطر لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتزاماتها الدولية، وضمان مواءمتها مع المعايير العالمية، بما في ذلك تلك التي وضعتها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية “Financial Action Task Force”.

كلما تقدم من جانب، إضافة لخطايا أبوظبي وسير الرياض بركبها من جانب آخر، جعل الطريق ممهدة أمام مركز قطر للمال كي يزيح مكرز دبي للمال وأن يتولى زمام المبادرة وينطلق بثقة وعلى أساس الثقة ليصبح المركز المالي الأهم عالمياً والمحطة الأساسية للحركة المالية في هذا الجزء المهم جداً من العالم بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

اسكتشاف طريق النجاح

إلا أن السبيل لتحقيق هذه الأمر لا يأتي من أخطاء الآخرين بل من خلال الجهد الكبير وتكريس كل الإمكانيات المتاحة وبناء الثقة كعامل أساسي في هذا الإطار. فكيف يمكن لمركز قطر للمال أن ينجح في هذه المهمة الصعبة رغم ما تقدم من تظافر جهود قطرية مخلصة أوصلت المركز إلى لحظة حاسمة يجب أن يعرف كيف يستغلها جيداً؟

على قطر أولاً، وهذا ما تفعله سلفا، أن تبتعد بقراراتها السياسية في علاقاتها مع خصومها وأصدقاءها عن النظرة الضيقة وممارسة الضغوط على المؤسسات المالية او الاقتصادية  لي طرف للدوحة خصومة معه، أي تحييد السياسة عن المال والاقتصاد. وهذا عنصر اساسي في بناء الثقة بالمؤسسات المالية القطرية والرافعة التي يرتكز عليها عمل مركز قطر للمال.

كما يجب توسيع قطاع الخدمات المالية في مركز قطر للمال وتطوير العلاقات مع القطاع المالي في المنطقة والعالم، من خلال الارتقاء بالشركات العاملة في المركز سواء من حيث العدد أو إجمالي أصولها، وذلك من خلال دراسة معمقة لتجارب الدول المتقدمة في هذا الإطار والاستفادة من نجاحاتها وأخطاؤها على حد سواء.

إضافة لذلك يجب توفير كل ما يلزم من استشارات فنية ومالية للشركات والمصارف العاملة بالمركز استناداً لقوانين مالية سليمة بحيث يتم توفير الحماية اللازمة لتلك المؤسسات من أن أن تخوض غمار العمل  في هذا المجال وفق تشريعات وقوانين تضمن سلامة الممارسات.

تغيير اتجاهات

وعوضاً عن الوضع الحالي، حيث تتعامل دولة قطر مع المؤسسات المالية في كل من دبي والبحرين والسعودية فيما يخص التحويلات المالية وشراء العملات، تستطيع الدوحة أن تتحول إلى التعامل مباشرة مع سنغافورة وأسواق لندن ونيويورك وهونغ كونغ. وتصبح أكبر مصدر لتجارة العملات بحيث تقدم منصة أعمال مميزة للمستثمرين لمزاولة أعمالهم داخل الدولة وخارجها وتمكينهم من توسيع نطاق أنشطتهم من وإلى منطقة الشرق الأوسط، بحلول مبتكرة وعصرية تواكب تطلعات المستثمرين وتعينهم على ممارسة أعمالهم في المنطقة انطلاقاً من دولة قطر التي ترسخ يوماً تلو الآخر مكانتها كنقطة محورية ومحط ثقة المؤسسات المالية والاقتصادية في العالم لتفتح الباب مشرعاً أمام الاستثمارات العالمية.

الفرق الجوهري بين مركز دبي للمال وقطر للمال أن الأول استخدم كأداة ومنصة لتصدير الضرر للآخرين، على الأقل كهذا استخدمته أبوظبي، دون الاهتمام بأن سمعة هكذا نوع من المؤسسات تعني بقاءه من عدمه وبالتي هو يدفع الآن ثمن “تضحية” أبوظبي به على محراب حروبها “الدونكيشوتية”، فيما مركز قطر للمال يعتبر جزء من منظومة متكاملة تعمل بتناغم فريد وبخطة واضحة وخطى ثابتة لتحويله إلى مركز ثقة أولاً لس للمنطقة فقط بل للعالم أجمع في خدمة رئيسية لتنويع اقتصاد قطر وتحقيق رؤيتها الوطنية 2030.

 

السابق
الدوحة- باص.. مسارات متجددة تثبت مزايا الجاذبية
التالي
قطر تفتح الطريق للمشاريع الصغيرة والمتوسطة