قطر تستثمر في أمريكا وتستكمل الشراكة الفاعلة

أذرعها الاستثمارية تقوى وتتمدد وواشنطن نقطة علّام

تحديد الأولويات مطلب حيوي في زحمة الأزمات العالمية

مشروعات عملاقة تلدُ عوائد مجدية والحبل على الجرار 

بزنس كلاس – رشا أبو خالد

ليس مصادفة أن يجتمع هذا الكم من المسؤولين الاقتصاديين القطريين في واشنطن دفعة واحدة لحضور اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ فترة. فالولايات المتحدة تعتبر من أبرز إن لم نقل على رأس شركاء الدوحة التجاريين في العالم لأسباب كثيرة لعل أبرزها أن واشنطن والدوحة تشكلان تحالفاً عميقاً واستراتيجياً على مستويات عدة لاسيما السياسية والاقتصادية منها.

وأتت زيارة المسؤولين القطريين إلى واشنطن ليس فقط لحضور الاجتماعات آنفة الذكر، بل أيضاً للاجتماع والتشاور مع شركاء قطر الأمريكيين وأيضاً البحث القطري المستمر منذ ثلاث سنوات عن فرص استثمارية واعدة في الاقتصاد الأمريكي المتعافي بعد أن بلغ ما استثمرته الدوحة في السوق الأمريكية ما يقارب 30 مليار دولار على امتداد ثلاث سنوات.

أذرع استثمار 

عندما توجهت الدوحة نحو الاستثمار في الداخل الأمريكي، أرادت عبر ذراعها الاستثماري الرئيسي، جهاز قطر للاستثمار، الابتعاد عن الأسواق التقليدية للاستثمار في أوروبا وسواها بحثاً عن فرص اقتصادية واعدة في المجال الاقتصادي الأمريكي الذي يعتبر الأكثر رحابة في العالم خصوصاً لشركاء مهمين لواشنطن كالدوحة. ولو كتب لصفقة الخطوط الجوية القطرية وأمريكان إيرلاينز النهاية السعيدة التي كانت مرتقبة لكان عقد استثمارات قطر الأمريكية قد ربح جوهرة تاج استثماراته الأمريكية حتماً. لكن تعنت إدارة أمريكان إيرلاينز وخوفها من هيمنة القطرية على سوق السفر الجوي في الولايات المتحدة بعد أن أزاحت كبرى شركة الطيران العالمية عن دربها في أنحاء مختلفة من العالم، ورفض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانحياز لشركات الطيران الأمريكية في إصدار قوانين تحد من المنافسة الشريفة بين شركات الطيران في أجواء الولايات المتحدة، كل هذه الأسباب ربما كانت تقف وراء فشل تلك الصفقة.

وبغض النظر عن صفقة القطرية أمريكان إيرلاينز تبقى الاستثمارات القطرية في الولايات المتحدة الأمريكية عنواناً اقتصادياً اساسياً على مائدة النمو الاقتصادي لكلا البلدين مع تنوعها ومخاطبتها لقطاعات اقتصادية حيوية في السوق الأمريكية، كما أنها تلبي حاجة الدوحة في تنويع مجالات وجغرافية استثماراتها وتغنيها بشكل لا يمكن تعويضه من سوق آخر بالعالم.

خارطة الأولويات

هذا ويحتل السوق الأمريكي أولوية كبيرة وأهمية متزايدة في خارطة الأسواق العالمية الجديدة التي بدأت تتجه نحوها استثمارات قطر في الخارج خلال الآونة الأخيرة. وبدأ السوق الأمريكي وتحديداً مدينتا نيويورك وواشنطن باستقطاب جانب كبير من توجهات قطر الاستثمارية الجديدة، حيث أبرم جهاز قطر للاستثمار وشركات قطرية أخرى عدة صفقات هناك تصل قيمتها في الوقت الراهن إلى نحو 15 مليار دولار “54.6 مليار ريال”.

وكما هو معلوم تخطط قطر لإنفاق نحو 35 مليار دولار على استثمارات جديدة في السوق الأمريكي لوحده في غضون السنوات الخمس المقبلة، وذلك في إطار بحثها عن وجهات استثمارية جديدة وغير تقليدية بعيدا عن أوروبا الغربية.

وتتنافس كل من دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على استقطاب الاستثمارات القطرية خصوصا في هذه الظروف الصعبة التي تواجهها اقتصادات تلك الدول والمتأثرة بتبعات الوضع الاقتصادي العالمي.

وتتوزع استثمارات قطر في الولايات المتحدة الأمريكية على قطاعات وأنشطة مختلفة ومتنوعة وإن كان أبرزها قطاعات السياحة والعقار والطاقة.

 

مشروع مانهاتن غرب

يعد مشروع تطوير “مانهاتن غرب” في نيويورك اليوم من أبرز وأكبر استثمارات قطر في السوق الأمريكي، حيث تبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع 8.6 مليار دولار. وكان جهاز قطر للاستثمار الذي تربو محفظته الاستثمارية على نحو 340 مليار دولار،  قد أبرم اتفاقية شراكة بشأن المشروع مع شركة تابعة لـ “بروكفيلد بروبرتي بارتنرز”، إحدى أكبر الشركات العقارية في العالم، وذلك أواخر أكتوبر 2016.  وقامت “بروكفيلد بروبرتي بارتنرز” بموجب الصفقة ببيع 44% من حصتها في المشروع الطموح لصالح جهاز قطر للاستثمار. وقال سعادة الشيخ عبدالله بن محمد بن سعود آل ثاني، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار في معرض تعليقه على إبرام الصفقة حينها: تعكس هذه الاتفاقية توجّه جهاز قطر للاستثمار في أفضل المشاريع العقارية والتعاون مع المؤسسات الرائدة حول العالم، كما تؤكد ثقتنا بالفرص التي يوفّرها السوق الأمريكي على المدى البعيد.

ويشتمل “مانهاتن غرب” على 5 مبان بمساحة إجمالية تبلغ 7 ملايين قدم مربع، ويقع إلى الغرب من منطقة مانهاتن في نيويورك. ومجمع “مانهاتن غرب” مشروع متعدد الاستخدامات يشتمل على مرافق إدارية وتجارية وسكنية وفندقية وترفيهية، ويقع تحديدا في منطقة هدسون ياردس، الحي الشهير في نيويورك.

حكاية الغرافة

ويعتبر ميناء “جولدن باس” في ولاية تكساس أقدم استثمارات قطر في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم افتتاح هذا الميناء لاستقبال الغاز القطري في شهر أبريل من عام 2011 بكلفة ناهزت ملياري دولار، واستغرق بناؤه قرابة ثلاثة أعوام.  وتعد قطر حاليا أحد أكبر المزودين لسوق الطاقة الأمريكي في قطاع الغاز الطبيعي المسال، حيث يمثل المشروع شراكة ناجحة بين قطر للبترول بنسبة %70، واكسون موبيل بنسبة 17.6%، وكونكوفيليبس بنسبة 12.4%.

يصنف ميناء جولدن باس على أنه واحد من أكبر منشآت استقبال الغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تبلغ طاقته الاستيعابية حوالي 15.6 مليون طن متري من الغاز المسال سنويا. ويقع الميناء بالقرب من سابين باس في ولاية تكساس، ويمكنه تصدير 2.5 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم، بحيث يلبي الاحتياجات المنزلية لحوالي 10 ملايين منزل يوميا في الولايات المتحدة.

وكانت أول ناقلة قطرية للغاز الطبيعي المسال من طراز كيو فليكس قد وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 23 يونيو / حزيران من عام 2008، وهي تابعة لشركة قطر غاز وتدعى “الغرافة.  وقامت الناقلة بإفراغ حمولتها في محطة ممر “سابين للغاز الطبيعي المسال في لويزيانا، وبلغت حمولة الناقلة في حينه ما تقارب 216 ألف متر مكعب.

مشروعات وعوائد

ويحتل استثمار آخر لشركة الديار القطرية وهو مشروع “”City Center DC أو “سيتي سنتر دي سي” في قلب واشنطن العاصمة، المرتبة الثالثة في قائمة استثمارات قطر في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حجم الاستثمار، حيث تصل تكاليف هذا المشروع الإجمالية إلى قرابة 1.5 مليار دولار.

المشروع العملاق يضم نحو 720 وحدة سكنية، ومحلات تجارية ومولات، وثلاثة أبراج منها برجان للمكاتب. ومن المنتظر أن يحقق المشروع عائدات كبيرة لـ “الديار” القطرية؛ خاصة بعد بيع معظم وحداته السكنية في المرحلة الأولى، وتأجير المساحات التجارية المتنوعة التي يوفرها المشروع، كما سيعزز المكتب الإقليمي لـ “الديار” القطرية الذي تم افتتاحه في المشروع، من تواجد الشركة في هذه البقعة من العالم، ويفتح آفاقاً رحبة لمشاريع نوعية جديدة في القارة الأمريكية، تستطيع من خلالها “الديار” القطرية وضع بصمتها المميزة في الهندسة المعمارية المعاصرة” التي تمتزج بالثقافة المحلية للمجتمعات التي تقيم فيها مشاريعها. ويعتبر مشروع “واشنطن سيتي سنتر دي سي” أول استثمار ضخم لـ “الديار” القطرية في القطاع العقاري، بالولايات المتحدة الأمريكية.

 

بنك أوف أمريكا

 

في 31 أكتوبر 2013، اشترت شركة قطر القابضة حصة صغيرة في بنك أوف أمريكا ثاني أكبر المصارف التجارية في الولايات المتحدة، وذلك في إطار استمرار الشركة في مواصلة استراتيجيتها لاقتناص حصص الأقلية في الشركات العالمية الكبرى. وبلغت قيمة الصفقة حينها مليار دولار أمريكي بالتمام والكمال في واحد من أهم البنوك العالمية على الإطلاق وأكثرها نجاحاً وازدهاراً.

صفقات في الذاكرة

ويأتي استثمار جهاز قطر في “أمريكان إكسبريس العالمية – بزنس ترافل” في المرتبة الرابعة من حيث حجم الاستثمار والذي تبلغ قيمته 900 مليون دولار. وتم إبرام هذه الصفقة في 17 مارس / آذار عام 2014، حيث استحوذ بموجبها جهاز قطر للاستثمار على حصة نسبتها %50 في “أمريكان إكسبريس العالمية بزنس ترافل” وهي وحدة السياحة والسفر التابعة لبنك أمريكا إكسبرس. ويضم قطاع خدمات السياحة والسفر في أمريكان إكسبرس قرابة 14 ألف موظف يعملون في 139 دولة حول العالم، فيما تدير أمريكان إكسبرس تجارة يصل حجمها إلى حوالي 19 مليار دولار سنويا.

مجموعة تيفاني

في المرتبة الخامسة، تأتي صفقة أبرمها جهاز قطر للاستثمار مع مجموعة تيفاني العالمية في 12 فبراير من العام 2013، حيث استحوذ الجهاز بموجبها على حصة في المجموعة نسبتها 8.7% وبقيمة 700 مليون دولار. وفي السابع من مارس من نفس العام، نجح جهاز قطر للاستثمار بزيادة حصته مجددا في المجموعة إلى 11.27%.

وتعد مجموعة تيفاني أكبر متاجر التجزئة للمجوهرات الفاخرة في العالم. وكان جهاز قطر للاستثمار أعلن استحواذه لأول مرة  على حصة بنسبة 5.2% في أبريل / نيسان من العام 2012. ومن أبرز المساهمين في تيفاني إلى جانب جهاز قطر للاستثمار، فانجارد جروب أكبر شركة لصناديق الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، وكابيتال وورلد انفستورز وهي وحدة لكابيتال جروب كومبانيز.

مانهاتن تايمز سكوير

وفي 5 سبتمبر / أيلول 2016، أعلنت شركة الريان للاستثمار السياحي “آرتك” الذراع الاستثماري لقطاع الضيافة العالمية والمملوكة بالكامل من قبل شركة الفيصل القابضة، إحدى أكبر الشركات متنوعة الأنشطة في قطر، عن تحويل فندق مانهاتن تايمز سكوير، التي استحوذت عليه شركة “آرتك” العام الماضي، إلى فندق دبليو.

ووقعت “آرتك” مذكرة تفاهم مع شركة ستاروود العالمية للفنادق والمنتجعات، إحدى الشركات الرائدة في مجال الفنادق والترفيه في العالم، والتي من خلالها تتولى شركة ستاروود إدارة فندق مانهاتن تايمز سكوير. حيث ستقوم “آرتك” بتجديد كامل للفندق، طبقاً لمواصفات ستاروود لعلامة دبليو التجارية. ويتوقع أن يتم الانتهاء من عملية التجديد للفندق وتحويل الإدارة في نهاية عام 2017، وستبلغ قيمة استثمارات تطوير الفندق ما يقارب 250 مليون دولار عند الانتهاء.

وتم تشييد فندق مانهاتن تايمز سكوير عام 1962، والذي يقع في قلب وسط المدينة جامعاً ما بين رونق مدينة نيويورك العتيق وفن الديكور الكلاسيكي، إضافة لموقعه الذي يعد المكان الأكثر حيوية في التايمز سكوير، حيث يتكون الفندق من 22 طابقاً ويحتوي على 689 غرفة وجناح بالإضافة إلى مساحات تجارية، ويسهل الوصول إليه من أي منطقة في مدينة نيويورك. ويمتد الفندق على مساحة 44.100 متر مربع ويقع تحديدا في الجادة السابعة من المدينة.

إن الاستثمارات القطرية في قطاعات ومفاصل مهمة من الاقتصاد الأمريكي ليست سوى ترجمة لعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وليس توجه الدوحة نحو ضخ مزيد من الاستثمارات الفاعلة في قطاعات حيوية من الاقتصاد الأمريكي سوى إسهام أساسي بين شريكين استراتيجيين يأتي ليصب في مصلحتهما معاً اقتصادياً وسياسياً وهو خط باتجاهين حيث تتوافد مزيد من الاستثمارات الأمريكية على الدوحة بنفس الوقت الذي تتجه فيه مزيد من الاستثمارات القطرية إلى واشنطن. حيث يعمل في قطر العديد من الشركات الأمريكية العالمية بمجالات الطاقة والصناعات الهيدروكربونية من أبرزها إكسون موبيل، وشركة شيفرون، وكونوكو فيلبس، وأوكسيدنتال بتروليوم، وجنرال إلكتريك. كلها ساهمت بدفع عملية النمو الاقتصادية القطري بشكل فعال ومؤثر كما كان لوجودها بعد سياسي مهم للغاية في الواقع الإقليمي والمواقف الأمريكية لاسيما تلك التي ظهرت بعد اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو / حزيران 2017.

 

السابق
كتارا للضيافة.. رحلة ريادة بعيدة الأهداف في انتظار توسعات على مدار الجغرافيا
التالي
قطر “تحاصر الحصار” بجرعة دعم استثمارية من العيار الثقيل