غاز قطر المسال ورحلة الصعود للقمة

انتفاضة اقتصادية تعيد تشغيل ماكينات الإبداع المعطلة

شحنات من الصادرات في مواجهة شحنات الكراهية

“ناقلات”.. أسطول عصري يعيد اكتشاف جغرافيا الاقتصاد

الدوحة- بزنس كلاس

في إنجاز جديد ونوعي يحسب لها في زمن اشتداد الأزمة الخليجية والحصار المضروب على الدوحة، تمكنت قطر الأحد 20 أغسطس / آب من تحقيق إنجاز نوعي جديد في مجال الغاز المسال وتوريده بطريقة عالية التقنية إلى مستوردي الغاز القطري على امتداد خارطة العالم.

من مبدأ رب كل ضارة نافعة، انتفضت قطر بكل مكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية للوقوف بوجه ظلم ذوي القربى من الأخوة وتحولت البلاد إلى ورشة عمل نشيطة جداً منذ انطلاق الحصار الجائر على قطر في 5 يونيو / حزيران الماضي. بعد بدء الحصار بفترة وجيزة صرح سعادة وزير الطاقة والصناعة الدكتور محمد بن صالح بن عبدالله السادة في الأيام الأولى للأزمة بأن الحصار لم يؤثر ابداً على صادرات قطر من الغاز المسال، المادة الحيوية في عمل 27 دولة حول العالم تربطها بالدوحة اتفاقيات توريد غاز مسال. وكان يومها يصرح بناء على معطيات على الأرض ستتضح لاحقاً كيف كانت قطر بكوادرها الوطنية عالية الكفاءة قادرة على العمل ليل نهار في ظل ظروف صعبة للغاية كي لا تشعر أي دولة تستورد الغاز بأي نقص أو تأخير في الشحنات المقررة لها. وبرزت في هذا الإطار ثلاث نقاط تجلت فيها القدرية القطرية فائقة الجودة بإدارة هذا القطاع الحيوي ليس لقطر فحسب بل للعالم باعتبار أن الدوحة تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 24.7 ترليون متر مكعب وتعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث صدرت العام الماضي نحو 77 مليون طن تمثل 30% من إجمالي ما تم استيراده عالميا. كما أنها مرتبطة بشراكة استراتيجية مع 27 دولة في العالم تزودها قطر يومياً بملايين الأمتار المكعبة من الغاز المسال.

أساليب شحن مبتكرة

أكملت شركتا “قطر للغاز” و”راس غاز” المملوكتان لـ دولة قطر أولى عمليات الشحن المشترك بطريقة مبتكرة لإحدى شحنات الغاز الطبيعي المسال لتسليمها إلى ميناءين ببلدين مختلفين على متن الناقلة الخوير. وقالت “قطر غاز” في بيان صحفي- إن هذه الطريقة المبتكرة لتسليم شحنة واحدة من الغاز الطبيعي المسال لعدة موانئ من شركتين مختلفتين تعد خير دليل على ما تتمتع به الدوحة من قدرة إنتاجية عالية ومرونة تشغيلية فائقة، إضافة إلى قدرتها المتميزة على تلبية احتياجات العملاء بنجاح.
وأوضح بيان صحفي لقطر للغاز أن طريقة الشحن المبتكرة هذه تختلف عن الطريقة التقليدية المتبعة في الصناعة لنقل شحنة واحدة من الغاز الطبيعي المسال وتسليمها إلى ميناء واحد من قبل مورد واحد. وقالت أيضا إنها حملت شحنات تحميلا مشتركا مع “راس غاز” المملوكة للحكومة بنسبة أغلبية، وذلك في مرفأ راس لفان شمالي البلاد. وأوضحت قطر للغاز أن الشحنات سُلمت لاحقا لمرفأ زيبروغ للغاز المسال في بلجيكا ثم ساوث هوك في بريطانيا. وكانت الشركتان تقومان سابقا بتحميل الشحنات بشكل منفصل لتسليمها إلى وجهات منفردة.
ويأتي هذا الإنجاز النوعي نتيجة تعاون مثمر وتنسيق عالي بين أضلع صناعة الغاز المسال في قطر من شركة قطر لنقل الغاز المحدودة “ناقلات” التي تملك 63 سفينة شحن عملاقة لنقل الغاز المسال بشكل رئيسي، مع شركتي إنتاج الغاز الممثلتين بـ “قطر غاز”، التي تأسست عام 1984، هي الشركة الأولى في مجال صناعة الغاز الطبيعي المسال في دولة قطر، وشركة “رأس غاز” المحدودة. وهي شراكة تأسست في 2001، بين كل من قطر للبترول بنسبة 70%، وشركة إكسون موبيل الأمريكية بنسبة 30%. واليوم، تعتبر قطر غاز أكبر شركة منتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ تبلغ طاقتها الإنتاجية 42 مليون طن سنوياً.
وكانت شركتا “قطرغاز” و “راس غاز” قد قامتا بالتحميل المشترك للشحنة في محطة راس لفان بدولة قطر على متن الناقلة “الخوير” من طراز كيو-فلكس” إلى محطة استقبال “زيبروغ” في بلجيكا ومحطة “ساوث هووك” في المملكة المتحدة على التوالي. وقال المهندس سعد شريده الكعبي العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول ورئيس مجلس إدارة قطرغاز: “إننا سعداء بهذا الإنجاز الرائع الذي حققناه في صناعة الغاز الطبيعي المسال، والذي ما كان ليتحقق لولا العمل الدؤوب والإخلاص والتفاني في العمل من قبل مسؤولي وموظفي “قطرغاز” و”راس غاز” ومشغلي السفن وعملائنا. إن هذا الإنجاز الرائع يبزر مرة أخرى المكانة المرموقة التي تتبوؤها دولة قطر بصفتها الدولة الرائدة في مجال صناعة الغاز الطبيعي المسال في العالم.”
ويبرهن هذا الإنجاز على التزام الشركتين بتقديم الحلول المبتكرة التي تساعد على تعظيم الطاقة الإنتاجية وتحقيق مرونة تشغيلية أكثر كفاءة وفاعلية إضافة إلى الاستغلال الأمثل للموارد مع الاستمرارية في تلبية احتياجات العملاء بنجاح. إن هذه الإنجازات غير المسبوقة مثل التسليم المشترك إلى عدة موانئ إضافة إلى سمعتها الجيدة العالمية بفضل عمليات التشغيل الآمنة والفعالة، قد جعلت شركات توريد الغاز الطبيعي المسال في دولة قطر تتبوأ مكانة فريدة، ومكنتها من تقديم الحلول التنافسية والمبتكرة لدعم عملائها في جميع أنحاء العالم في سوق دائم التطور.

 

ناقلات.. نقل وانتقال

أعلنت ناقلات بنفس التاريخ السابق، أي إنجاز الشحنة المشتركة في 20 أغسطس / آب أنها قد أكملت  وشركة شل الدولية للتجارة والشحن المحدودة ، إتمام المرحلة الأولى لأكبر عملية انتقال للإدارة الفنية والتشغيلية لناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم، بعد أن أصبحت ناقلة الغاز الطبيعي المسال المفير من طراز كيوماكس الناقلة العاشرة التي تنتقل إدارتها الفنية والتشغيلية خلال الأشهر العشرة الماضية من شركة شل إلى شركة ناقلات للشحن قطر المحدودة، وهي شركة مملوكة بالكامل من قبل ناقلات.
من جانبه، أعرب المهندس عبدالله بن فضالة السليطي، المدير العام لشركة ناقلات، في بيان صادر عن الشركة، عن فخره بهذا الإنجاز الذي حققته الشركتان حتى اليوم والذي يضاف لسلسلة الإنجازات التي حققتها ناقلات في زمن قياسي منذ تأسيسها مما ساهم في نموها وترسيخ هويتها كشركة فعالة ورئيسية في قطاع صناعة النقل البحري عالمياً. وأضاف أن التوسع السريع في أنشطة الشركة المتعلقة بإدارة السفن في غضون فترة زمنية قصيرة لم يساهم في نمو ناقلات وحسب، بل إنه مؤشر على التزامها بأن تكون شركة عالمية رائدة ومتميزة في مجال نقل الطاقة وتوفير الخدمات البحرية المختلفة وذلك تماشيًا مع رؤية قطر الوطنية 2030.
وناقلة المفير التي تبلغ قدرة حمولتها الاستيعابية 266,370 متر مكعب هي مملوكة بالكامل من قبل ناقلات ومستأجرة من قبل شركة قطر غاز، وقد تم بناؤها في كوريا الجنوبية من قبل شركة سامسونغ للصناعات الثقيلة، وتم تسليمها في مايو 2009 حيث دخلت الخدمة منذ ذلك الحين.
وتعتبر المفير ناقلة الغاز الطبيعي المسال العاشرة المملوكة بالكامل لناقلات ضمن عملية نقل الإدارة التقنية للسفن من شركة شل إلى شركة ناقلات للشحن قطر المحدودة، ليصل إجمالي عدد السفن المدارة من قبل ناقلات إلى 18 سفينة، تتكون من 14 ناقلة للغاز الطبيعي المسال و4 ناقلات لغاز البترول المسال.
كما يعتبر أسطول ناقلات الأكبر في العالم والأكثر تقدماً من الناحية التقنية والقدرة الاستيعابية. وستواصل في الوقت الحالي شركة شل إدارة 15 ناقلة أخرى للغاز الطبيعي المسال نيابة عن ناقلات وذلك في انتظار مراحل انتقال إدارية أخرى في المستقبل كما هو مخطط لها. كما تضطلع الشركة بإدارة وتشغيل أنشطة حوض أرحمة بن جابر الجلاهمة لبناء وإصلاح السفن في مدينة راس لفان الصناعية من خلال مشاريعها المشتركة الاستراتيجية وهي شركة “ناقلات كيبيل للأعمال البحرية المحدودة”، وشركة “ناقلات دامن شيبياردز قطر”.

وحدات FSRU 

في 18 يوليو / تموز المنصرم، أعلنت ” ناقلات” أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة “هوغ  للغاز” لدراسة الفرص التجارية لمشاريع الوحدات العائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى الحالة الغازية (FSRU). وأفاد بيان صحافي صادر عن شركة ناقلات أن تلك المذكرة جاءت في إطار الخطة الاستراتيجية للشركة المتمثلة في إيجاد الفرص الجديدة والحلول المختلفة لشحن وتسليم الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق العالمية وتعزيز مكانة دولة قطر على رأس الدول المصدرة له.
وفي هذا الإطار، عبّر المهندس عبدالله بن فضاله السليطي، المدير العام لشركة ناقلات، عن سعادته لتعزيز التعاون الاستراتيجي للبحث عن فرص تجارية مع شركاء عالميين، معتبراً أن هذه الاتفاقية مع شركة “هوغ للغاز” النرويجية تأتي كنقطة انطلاق محورية ومهمة لتحقيق مزيد من النمو والتقدم والتطور في مجال الخدمات والحلول البحرية. وأكد أن هذه الاتفاقية تمهد الطريق لموردي الغاز الطبيعي المسال للاستفادة من هذه التقنية التي ستساهم في زيادة مصادر توفير الطاقة النظيفة عالمياً، وتعزز من مكانة دولة قطر كمركز متميز للصناعة البحرية في المنطقة.
وتعتبر الوحدة العائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية من أنواع التقنيات والحلول الحديثة في سوق الغاز الطبيعي المسال مقارنة بالمحطات البرية أو البحرية لاستقبال الغاز الطبيعي. وأصبحت هذه التقنيات بمثابة الحل الاستراتيجي الأمثل للدول التي تفتقر للموانئ القادرة على استقبال الغاز، إذ إنها تعزز من إمكانية الحصول على طاقة نظيفة وفوائد بيئية وتقليل أي مخاطر متعلقة بنقل الغاز وتوفير المرونة لنقل الوحدة العائمة من مكانها أو استخدامها كإحدى ناقلات الغاز.

سلسلة إنجازات

هذه الإنجازات الثلاث لقطاع إنتاج رئيسي في دولة قطر وخلال فترة زمنية قصيرة جداً في ظل ظروف استثنائية بكل المقاييس، تثبت بما لا يدع مجال للشك قدرة الدوحة على مستوى القيادة والقاعدة في آن معاً على اجتراح المعجزات في أحلك الأوقات. كما أنها تشير بوضوح أن من يمتلك رؤية واضحة للمستقبل لا بد له من وضع خطط عملياتية على الأرض تجعل تلك الرؤية أمراً واقعياً لا مجرد هلوسات سياسية يراد بها الضحك على ذقون الشعوب. ربما يأتي مشكك ليقول لكن كل ما سبق من إنجازات لا تعتبر بأي مقياس إنجازات قطرية فقد شارك بالتخطيط لها والعمل على تنفيذها شركاء كثر من شركات عالمية ، إلا أن القدرة العالية للدوحة تتجلى هنا في النجاح بشراكة لاعبين أقوياء ومختصين، كما تتجلى في توظيف كل الإمكانيات والاستعانة بالخبرات الأجنبية اللازمة لتحقيق إنجاز وطني. وهذا ليس أمراً معيباً بل إنجاز يحسب لمن خطط وتواصل واتفق ونفذ. على الأقل قطر عندما تتحدث عن رؤيتها الوطنية 2030 فهي تضعها في إطار واضح تماماً وتحدد بوضوح المشاريع التي تعمل عليها والأطر الزمنية الخاصة بكل مشروع في عملية حسابية ومنطقية بسيطة تصل بها إلى تحقيق أهدافها تباعاً وعلى أرضية راسخة، كما يحدث من تطوير الآن وكما ذكرنا أعلاه لقطاع الغاز المسال بكافة تفاصيله وجزئياته المهمة.

ولكن الإنجاز الأكبر لقطاع الغاز القطري على الإطلاق في ظل الحصار الجائر، تمثل بإعلان الدوحة رفع إنتاجها من الغاز المسال بنحو 30% ليصبح إنتاج السنوي 100 مليون متر مكعب من الغاز المسال، ليقف رباعي الحصار فاغر الفاه من الدهشة والأهم من الخيبة. لأنه كلما زاد ضغطه على الدوحة، ازدادت تألقاً وكأنها حجر إلماس لا يظهر أجمل وأهم ما فيه إلا بعد عمليات صهر وصقل قاسية. وهذا بالضبط الذي رآه المحاصرون وعاشوا خيبة انكسار أمواجهم بحورهم المتلاطمة على أقدام الصخرة القطرية القاسية، لكنهم لم يتعلموا الدرس بعد، وربما لن يتعلموه بوقت طويل.

 

السابق
QNB والمصرف يتصدران القائمة 10 مصارف قطرية ضمن أكبر بنوك العالم
التالي
الدوحة- باص.. مسارات متجددة تثبت مزايا الجاذبية