علامة فارقة في الخريطة الثقافية وإعادة تعريف لمفهوم القيمة.. متحف الفن الإسلامي.. منارة ثقافية تزين صدر الدوحة

تكامل الآثار الإسلامية واجتماعها في مكان واحد
المتحف يختصر التاريخ والثقافات في جملة مفيدة
الخطوط والأشكال والألوان تعيد رسم الزمان والمكان

الدوحة- بزنس كلاس
يعتبر متحف الفن الإسلامي علامة فارقة في المشهد الثقافي لدولة قطر متربعاً على عرش متاحفها دون منازع، ويُعرف المتحف داخل مياه كورنيش العاصمة القطرية الدوحة، بكونه أحد أكثر المعالم السياحية استقطابًا للزوار في قطر ككل، حيث يمتاز هذا المتحف الفريد بتصميم وديكور رائع ودقيق، الى جانب محتوياته ذات القيمة المهمة والتي تم جمعها بعناية من كل أنحاء العالم الإسلامي.
نقطة التميز الأساسية في متحف الفن الإسلامي تتمثل بأنه واحد من أفضل متاحف العالم التي تقدم مجموعة متكاملة من الآثار الإسلامية، حيث يحتوي المتحف على أكثر من 800 قطعة فنية، جمعت بتدرج جغرافي يمتد من قرطبة إلى الهند ويغطي فترات تاريخية تمتد أكثر من 14 قرنا. وتعتبر مجموعات القطع الأثرية الإسلامية الموجودة بالمتحف الأكثر اكتمالاً في العالم، حيث تشمل قطعاً من إسبانيا، ومصر، وإيران، والعراق، وتركيا والهند.
وتلقي صالات العرض الضوء على العناصر المرئية المعروفة عالميا في الفنون بالعالم الإسلامي، وهي الخط والشكل والنمط والعلوم في الفن وذلك بشكل يأخذ الزوار في رحلة عبر الزمان والمكان.
على مر العصور
وتوجد بين القطع المعروضة تحف فنية إسلامية تقول إدارة المتحف إنه نادرا ما عرضت أو لم تعرض من قبل، مما يعكس تطلع المؤسسة للمساهمة في اكتشاف مكانة وغنى الفن الإسلامي.
ومن بين تلك المقتنيات واحدة من النسخ النادرة والقديمة للقرآن الكريم يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، وربما تكون كتبت بعد عقود من وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى جانب لوحات مصنوعة من قماش مذهب حريري تعود للقرن 14 وسلسلة منحوتات فخارية ومعدنية.
وتعود روائع متحف الفن الإسلامي إلى مجتمعات مختلفة، منها العلمانيّة والروحيّة. وعلى الرغم من أن القطع الموجودة ضمن مقتنيات المتحف مرتبطة قبل كل شيء بالإسلام، إلا أن العديد منها غير ديني في طبيعته. وتم جمع جزء مهم من هذه القطع من منازل الأمراء المليئة بالكنوز والبيوت الشخصية للناس العاديين، حيث تروي كل قطعة قصّة رائعة عن أصولها، كما توفر تجربة تفوق بأبعادها المساحة الماديّة لقاعة العرض.
كما تعرض بالمتحف مقتنيات تظهر مساهمة علماء البلدان الإسلامية في حقول الفلك والرياضيات والهندسة والطب، بينها الإسطرلاب النحاسي الإسباني الذي يعود لمطلع القرن 14 ويعد واحدا من ثلاثة إسطرلابات متبقية إلى الآن من صنع العالم الفلكي أحمد بن حسين بن باسو.
وتم جمع جزء آخر من مقتنيات المتحف من أوروبا وآسيا، حيث يتراوح تاريخها بين القرن السابع الميلادي وصولا إلى القرن التاسع عشر. وتمثل مجموعة المقتنيات التنوع الموجود في الفن الإسلامي، حيث تتراوح المعروضات ما بين الكتب والمخطوطات وقطع السيراميك والمعادن والزجاج والعاج والأنسجة والخشب والأحجار الكريمة والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز، التي يرجع تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام وبالتحديد إلى العهد الساساني، وترجع أحدثها إلى العهد الصفوي، مرورا بالعصرين الأموي والعباسي. كما يضم المتحف مركز أبحاث بالإضافة إلى مكتبة للفن الإسلامي إلى جانب مقتنياته.
استمر جمع المعروضات البالغ عددها 800 قطعة فنية 15 عاما والتي توثق لفترة 1400 سنة من تاريخ الفن الإسلامي. بلغ حرص السلطات القطرية للحفاظ على القطع الفنية، أنها وضعتها في مستودع مكيف بإحدى الثكنات العسكرية، ريثما يتم الانتهاء من بناء المتحف. بالإضافة إلى الجهد الكبير الذي بذل في البحث عنها في العديد من المتاحف والمراكز الثقافية حول العالم، خاصة أن البعض منها لم يعرض إطلاقا مسبقا، فيما عرض البعض الآخر لفترات محدودة.
هندسة التحف المعمارية
تم تشييد المتحف الذي يمتد على مساحة تقدر بحوالي 35 ألف متر مربع، بهندسة ملهمة، على مقربة من كورنيش الدوحة، حيث أقيم على أرض جزيرة اصطناعية خاصة به لضمان عدم تجاوز أي مبنى له في المستقبل.
ويتكون المتحف من مبنى رئيسي يضم خمس طوابق بينها اثنان للمعارض الدائمة، إضافة إلى جناح تعليمي من طابقين تم افتتاحه خلال 2009 لاستضافة الأنشطة الاجتماعية والتعليمية الرامية لتعزيز وتطوير فهم وتقدير الفن الإسلامي.
الجدير بالذكر أن هندسة المتحف الإبداعية والشكل المعماري الفريد الذي حصل عليه، مستوحى من نموذج السبيل “نافورة الوضوء” التي بنيت في القرن الثالث عشر بمسجد بن طولون بالقاهرة. وقد استوحى المهندس الأميركي من أصل صيني /آي إم باي/ الشكل المعماري للمتحف بعد رحلة استكشافية لفهم مكنونات العمارة الهندسية الإسلامية بمختلف أنحاء العالم، حيث يمثل نموذج السبيل في نظر /آي إم باي/ هندسة معمارية حقيقية تأتي إلى الحياة من الشمس ومن ظلال ألوانها، وتعبيرا تكعيبيا للتعاقب الهندسي.
أمّا الأنماط الهندسية الخاصة بالعالم الإسلامي فتزين فضاءات المتحف وتبرز الفخامة الداخلية للبناء. إضافة لذلك خلق التنوع في القوام والمواد الخشبية والحجرية المستعملة داخل المتحف بيئة فريدة تتناسب مع مجموعة مقتنياته المذهلة. وبإطلالته الخلابة على الخليج، يشكل متحف الفن الإسلامي أساس المشهد الثقافي المزدهر في الدوحة. في حين تشكل حديقة المتحف مساحة حيوية للأطفال والعائلات ومحبّي الفن، كما أنها توفر فضاءً للأنشطة الثقافية والتعليمية والترفيهية التي تستقطب الجميع دون استثناء. وتشهد هذه الحديقة عديد من النشطة الثقافية على مدار العام بما في ذلك عروض الأفلام والنشاطات الرياضية وورش العمل الفنية وغيرها من الفعاليات التي تقام بالتزامن مع المعارض المنظمة داخل المتحف. أما إذا اردت احتساء فنجان من القهوة بعد جولة الحديقة فما عليك سوى التوجه عبر الحديقة إلى منحوتة “7” الشهيرة للفنان ريتشارد سيرا لتستمتع بزيارة المقهى المميز هناك والذي يتيح مشهداً رائعاً لأفق مدينة الدوحة.
والى جانب المقهى تشمل مرافق المتحف العديدة على متجر متميز للهدايا والتذكارات التي يستطيع الزوار اقتنائها، وهي عبارة عن مجسمات مشابهة لتلك المعروضة في المتحف، إضافة إلى مطعم “إدام”.
احتفالات الذوق الخاص
ويعدّ مطعم “إدام” الواقع في قلب متحف الفن الإسلامي المطعم الأول في سلسلة مطاعم آلان دو كاس في الشرق الأوسط. ولإدراك مدى تميز وفرادة المطعم، من المهم أن نعرف بأن “إدام” هي مرادف لكلمة الكرم، حيث يشكل كلّ طبق على لائحة الطعام احتفالا بالذوق والنكهة والمكونات المحليّة. كما يخلق ديكور المطعم الفريد لفيليب ستارك جوّا راقيا وأنيقا في الطابق العلويّ من المتحف المطلّ على أفق الدوحة.
يقصد معظم السياح القادمين إلى قطر متحف الفن الإسلامي كأولوية على سلم اهتماماتهم نظراً لما يمثله هذا الامكان من بعد ثقافي وإنساني وتاريخي يرصد فترة حيوية من تاريخ البشرية منذ فجر الإسلام قبل نحو 14 قرناً حتى الماضي القريب في القرن التاسع عشر. ويعتبر المتحف أيقونة متاحف قطر ودرة جواهرها الثقافية الفريدة الذي لا يجوز أن يزور المرء دوحة العرب والمسلمين دون المرور به. و إلى أن هذا المتحف يعتبر رمزاً لدولة قطر كمنارة للحوار والتبادل الثقافي من خلال استقطاب جمهور عالمي، في ترجمة لرؤية صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بأن تكون دولة قطر منبراً للثقافة في الشرق الأوسط.

 

السابق
فضاءات أوسع واتجاهات أبعد ورحلات أكثر.. القطرية في مواجهة مطبات الحصار ومحركاتها النفاثة تزداد هديراً
التالي
إنفاق بلا حدود ومشاريع لا تغطي الاحتياج.. المنتجعات والمجمعات العملاقة وسيلة جذب غائبة عن صناع السياحة