بن سلمان يقود المركب السعودي.. إلى أين؟!!

الدوحة – بزنس كلاس:

الزلزال السياسي الذي ضرب السعودية قبل نحو أسبوع يعيد للأذهان حملة التطهير التي قادها الرئيس العراقي الأسبق  صدام حسين حين قرر تنحية والد زوجته الرئيس حسن البكر نهاية سبعينيات القرن الماضي عن السلطة الشكلية وتسلم زمام السلطة بنفسه بعد أن كان يمارسها فعلياً لفترة ليست بقصيرة. بعد ذلك بفترة قصيرة  وبحركة مسرحية محبوكة مازالت حتى يومنا هذا حاضرة بأذهان الكثيرين بدأ صدام يقرأ أسماء “الخونة” وهو يبكي على المنبر وتتولى قوات الأمن العراقية القبض عليهم وإخراجهم من قاعة المؤتمر ليذهبوا فيما بعد إلى حتفهم. وهذا تقريباً ما فعله الأمير محمد بن سلمان بكبار العائلة المالكة السعودية قبيل، على ما يبدو، استيلاءه على السلطة مع فارق بسيط بأنه ساق الأمراء وسواهم إلى فندق فخم ليحتجزوا فيه تمهيدا لما سيأتي لاحقاً.

لكن ورغم وجود أسباب كثيرة تجعل المراقب ينظر بكثير من الحذر إلى الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها بن سلمان وتصنيفها تحت بند وضع السعودية في مهب الريح بتوقيت شديد الحساسية سياسياً واقتصادياً، هناك من يرى بأن هذه الخطوة الأخيرة كنت ضرورية للغاية لتعافي “رجل الشرق الأوسط المريض” حتى لو كان العلاج آخره الكي الذي لا بد منه.

ما يراهن عليه محمد بن سلمان في “مكافحته للفساد” تأييد الشارع السعودي الشاب له حيث يمثل الشباب دون 30 عاماً نحو 70% من عدد سكان المملكة. ويمثل بن سلمان طموح شباب السعودية بالحصول على حياة كريمة وفرص عمل متكافئة وشكل مختلف للحياة التي عرفتها البلاد على مدار عشرات السنوات الماضية بوجود مناخ من الحرية والانفتاح.

رأى مراقبون أن ولي العهد الأمير محمد يتبنى برنامجا طموحا للإصلاح الاقتصادي، يستهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية واستثمارات القطاع الخاص إلى المملكة، وهو أمر لا يتحقق إلا بإعلان حرب على منظومة الفساد المستشرية في الجسد السعودي حتى النخاع، الأمر الذي  يتطلب اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام، بحسب نص الأمر الملكي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية.

لكن عملية الإصلاح التي يقودها الأمير الشاب ورغم النوايا الصادقة، للعلن على الأقل، والآمال العريضة المبنية عليها، إلا أنها تهدد ليس فقط بإحداث فوضى عارمة في المشهد السعودي بشكل عام ، بل أيضاً قد تكون المسمار الأول الذي يدق في نعش النظام السعودي برمته.

بحسب ما يقوله الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقال بصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن أيا من الملوك السابقين لم يفكر في الإصلاح بهذه السرعة التي يتحرك بها الأمير الشاب، ففي الوقت الذي شهد فيه العالم تغيرا كبيرا جدا في التكنولوجيا والتعليم والعولمة، اعتقد هؤلاء الملوك السعوديون المتعاقبون أن إصلاح بلادهم بسرعة 10 أميال في الساعة مساءلة كافية لأن هذا البطء يمكن التعويض عنه من العوائد النفطية. ويصف كاتب التقرير محمد بن سلمان بالشاب الطموح المتعجّل الذي يتملكه الشغف نحو الإصلاح، والذي إن لم يكن موجودا لكان على النظام السعودي أن يخترع شخصًا مثله يهز المكان ويلقي حجرا في المياه الراكدة. ويضيف: “قال لي أحد الصحفيين السعوديين المخضرمين إن هذا الرجل أنقذ السعودية من الموت البطيء، لكنه يحتاج إلى توسيع قاعدته”.

حروب الخارج

لقد أعلن بن سلمان حرباً على اليمن ما زال جرحها ينزف حتى الآن وبدأت صواريخ من قرر إلغاءهم من اليمن تطرق أبواب الرياض مبشرة السعوديين بحرب طويلة جداً لن تنتهي بإعلان انتصارهم كما تقول التطورات على ارض الواقع. والحرب الأخرى الخاسرة التي ورط بها بن سلمان بلاده، تمثلت بمحاولة الاعتداء على دولة قطر سواء اقتصادياً عبر حصارها أو عسكريا مع ورود تقارير كثيرة أكدت أن ما لجم السعودية عن محاولة اجتياح قطر عسكريا لم يكن سوى رسالة غاضبة وشديدة الوضوح من واشنطن للسعوديين بأن لا تتجاوزوا هذا الخط الأحمر وإلا.. وهكذا تبدو الرياض اليوم متورطة بنزاعين خارجيين خاسرين بكل المعايير عسكريا مع اليمن واقتصادياً مع قطر فضلاً عن خسائرها الكبيرة أصلا في الحرب السورية منذ سبع سنوات لتخرج في نهاية المطاف صفر اليدين بعد أن أنهكت قيادة بن سلمان ميزانية البلاد المنهكة أصلاً. حيث أن المملكة خسرت نحو 13.5% من احتياطي النقد الأجنبي في عام واحد بعد أن تهاوى إلى 1.874 تريليون ريال (499.7 مليارات دولار) نهاية أغسطس/ آب 2017، مقابل 2.167 تريليون ريال (577.7 مليار دولار) بنهاية الشهر ذاته من العام الماضي.

حروب الداخل

إلا أن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد. فولي العهد السعودي لم يكتف بالحروب المباشرة وغير المباشرة التي فتحها على بلاده منذ تولي السلطة، ليمارس لعبة خطيرة تتمثل بسياسة الهروب إلى الأمام. فبدل أن يوقف نزيف الخسائر العسكرية والاقتصادية الهائلة نتيجة حرب اليمن وحصار قطر، انطلق نحو حرب من نوع آخر في الداخل واضعاً البلاد برمتها في مهب ريح عاتية.

لا نذيع سراً عندما نقول بأن السلطة في السعودية تقوم على ثلاثة دعائم رئيسية لا يمكن الاستغناء عن أحدها تتمثل بسلطة الأسرة الحاكمة والسلطة الدينية والرفاه الاقتصادي للمواطنين. ما قام به ولي العهد السعودي هو أن شن حرباً شعواء على رموز هذه الدعائم الأساسية وفي وقت واحد فعملية إزاحة كافة الخصوم المحتملين والمنافسين له على العرش تحت أي شعار كان بدأت على قدم وساق منذ تولي الملك سلمان السلطة في 2015. وكانت هذه العملية تتم بهدوء وبخطوات “مدروسة”، إلا أن الزلزال الأخير الذي اعتقل بموجبه بن سلمان أمراء البيت السديري المسيطر على مقاليد الحكم في المملكة منذ ثمانيات القرن الماضي يضعه بمكان خطير حيث أن كتلة كبيرة ومؤثرة جداً من الأسرة الحاكمة باتت تناصبه العداء وكلنا نعرف ما يعني هذا في عرف البيت السعودي. إضافة إلى وفي طريقه لتحرير المجتمع السعودي من بعض القيود وإبعاد ما سماها شبح التطرف عن المشهد الديني للملكة، نفد الأمير جملة من الاعتقالات طالت كبار رجال الدين في المملكة كالشيخ سلمان العودة وسواها بالتوازي مع إعلان حالة تشبه الحرب على هيئة الأمر بالمعروف ما خلف سخطاً واسعاً بين أبناء الشعب السعودي لا سيما الكبار بينهم. ومن ناحية ثالثة فشل بن سلمان في  تحقيق ما يصبو له الشباب السعودي حتى اليوم من رفاهية كانت متوفرة لآبائهم وأجدادهم حيث بلغت نسبة البطالة في المجتمع السعودي الشباب رقماً مخيفاً تجاوز 12% ما ينذر بثورة اجتماعية، ناهيك عن الحرب المفتوحة اتي يخوضها بن سلمان ضد طيف لا بأس به من ابناء شعبه في مناطق النفط الغنية في إطار “حربه العظمى” ضد إيران والشيعة.

عندما يخاطر بن سلمان بكل هذا وفي وقت واحد مقابل وعد يسوقه لأبناء قومه بأنه سوف يبيع لهم أهم ما يملكون، ارامكو، علها تسد ثغرات الديون التي تسبب بها، وبعد أن اعتقل أمراءهم وأهم رجال الأعمال في البلاد وجمد أكثر من 1700 حساب يقال بأنها تحوي 800 مليار دولار وفتح حربا فعلية مع رجال الدين والأمراء وأهم رجال الأعمال في بلاده، فلمن يفعل محمد بن سلمان كل هذا؟!! إنه يخاطر بكل شيء من أجل أمر ربما لا يحدث. فمن كان متردداً بالشراء في أرامكو بات اليوم أقل يقيناً وأكثر تردداً ووعد “نيوم” الذي تشوهه فضيحة العلاقات مع إسرائيل يبدو حلماً بعيد المنال وهو لن يكون مقدمة بل نتيجة لانقلاب اقتصادي إيجابي في المملكة حيث نرى الآن عكس ذلك تماماً.

صدام حسين بعد أن انقلب على رفاق الأمس وغيبهم، كما يفعل محمد بن سلمان اليوم، أدخل بلاده بحربين متتاليتين ثم استقبل غزواً أمريكياً لينتهي المطاف بالعراق ممزقاً وضعيفاً ومهمشاً بشكل مؤلم وبصدام معلقاً على خشبة المشنقة. من جانبه، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تصريحاً لافتاً منذ فترة ليست ببعيدة حين قال بأن المنطقة برمتها سوف يعاد تشكيلها جيوسياسياً وأن دولاً قد تتقسم واخرى قد تختفي في إطار مخطط كبير، وغامزاً بقناة الأمريكان. وهنا يرى كثير من المراقبين أنه على بن سلمان أن يفكر بهذا الكلام جيداً وينظر ماذا يفعل عندما يحول الجميع إلى أعداء خصوصاً داخل البيت السعودي الكبير بكافة مفاصله عبر الاستماع فقط لنصائح جاريد كوشنر والأخذ بها سريعاً دون تفكير!!

السابق
ميناء حمد استقبل 1413 سفينة منذ مطلع 2017 حتى نهاية أكتوبر
التالي
انخفاض سعر المعدن النفيس