في التاريخ اختصرت فيينا عظمة الإمبراطورية النمساوية – المجرية التي بسطت نفوذها في طول القارة الأوروبية وعرضها، وعلى أبوابها توقّف الزحف العثماني نحو الغرب وتراجع معلِناً بداية انهياره في أوروبا أواخر القرن السابع عشر. وفي مطالع القرن التاسع عشر عقد فيها الأوروبيون مؤتمرهم التاريخي الذي أعاد رسم الحدود الوطنية بعد انهزام نابليون، ثم كانت أولى غنائم الزحف النازي في عام ١٩٣٨، حيث ألقى فيها هتلر واحدة من أشهر خطبه إلى أن دمّر الطيران الأميركي معظم مبانيها التاريخية، بما فيها الكاتدرائية الشهيرة ودار الأوبرا، قبل أسابيع من نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفوهرير.
بعد سقوط القسطنطينية عام ١٤٣٥ أصبحت فيينا مصبّ اهتمام الإمبراطورية العثمانية، باعتبارها مفتاح الدخول إلى أوروبا الوسطى والشرقية، فحاصرها سليمان الحكيم للمرة الأولى وفشل في دخولها، ثم تعرضت لعدة حصارات متتالية فشلت جميعها، وكان آخرها عام ١٦٨٣. ويحكى أنه بعد تراجع الجيوش العثمانية عن أسوار المدينة احتفل الخبّازون والحلوانيوّن بالنصر فأهدوا فيينا، والعالم من بعدها، قطعة الحلوى الشهيرة على شكل هلال، التي تعرف اليوم بـ«الكرواسان».
جلّ الروائع المعمارية التي تزخر بها فيينا اليوم يعود إلى الفترة التي كانت عاصمة لمملكة سلالة هابسبورغ في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما اشترى الأمراء وكبار الأرستقراطيين مساحات شاسعة من الأرياف الواقعة في أرباض المدينة، وشيّدوا فيها قصوراً، وأقاموا حدائق ما زالت إلى اليوم مقصد السيّاح ومحطّ إعجابهم. وفي تلك الفترة أصبحت فيينا عاصمة البارّوك العالمية بفضل الأعمال الهندسية والمؤلفات الموسيقية من هذا الطراز.
أوائل القرن التاسع عشر كان عدد سكان فيينا قد بلغ ربع مليون نسمة، وأصبحت عاصمة العالم الموسيقية بلا منازع. ومع بداية القرن العشرين كانت محجّة الفلاسفة والفنانين والمفكرين السياسيين في الغرب، بعد أن تحوّلت إلى مركز صناعي ومالي عالمي.
لكن الحقبة التي بلغت فيها فيينا قمّة إشراقها كانت على عهد الإمبراطور فرانز جوزيف الأول، من منتصف القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن العشرين، حيث ازدهرت الحياة الثقافية والفنون، وشاعت موسيقى الفالس، وانتشرت المقاهي الفكرية التقليدية التي ما زالت إلى اليوم من أجمل معالم المدينة التي لا تكتمل زيارتها من غير الجلوس فيها، والاستسلام لهدوئها وأجوائها الأخّاذة. وفي تلك الحقبة سطعت نجوم الفن والفكر السياسي والعلوم مثل كلينت الذي أصبح مدرسة قائمة بذاتها في عالم الرسم، وأوتو باوير صاحب نظرية «الماركسية النمساوية» التي كان لها كبير الأثر في أوروبا الوسطى والشرقية، وسيغموند فرويد الذي وضع أسس التحليل النفساني، الذي يقوم اليوم متحف جميل في المنزل الذي كان مسكنه ومقرّ عيادته الشهيرة. إذا كان التاريخ هو المفتاح لقراءة فيينا وسبر معالم العظمة والجمال فيها، فإن الثقافة التي عُبِّدت بها شوارعها هي العين التي ترى إلى سحرها، وتضيء على أسرار جاذبيتها. تحار من أين تبدأ، وماذا تختار بين المتاحف والمعارض التي تزيد عن المائة، وأي القصور أو الحدائق تستثني، وماذا تترك للزيارة التالية:
مدرسة الفروسية الإسبانية وعروضها الذائعة الصيت عالمياً؟ أو مجمّع القصور والحدائق الملكية الذي يتوسّطه مقّر إقامة الإمبراطورة سيسي التي خلّدتها بنت هذه المدينة الممثلة رومي شنادير على شاشات السينما؟ أو مبنى البلدية الذي يذهل بجماله وضخامته؟
– حي المتاحف
على تخوم الوسط التاريخي لفيينا يقوم اليوم المجمّع الذي يعرف بحي المتاحف، الذي يعتبر من أكبر المجمعات الفنية والثقافية في العالم. أكثر من نصف مليون متر مربع من القاعات الفنية المتنوعة والمقاهي والمطاعم والمتاجر والمباني الطليعية، فيما كانت الإسطبلات الملكية، على مرمى حجر من دار الأوبرا التي يحلم كبار المغنّين بالوقوف على خشبتها. وعلى مقربة منها يقوم مبنى المكتبة الوطنية التي تحتفل هذا العام بمرور ٦٥٠ سنة على تأسيسها، وتضّم مجموعة من أنفس الكتب والمخطوطات في العالم.
ومن بين المتاحف التي لا تفوّت متحف آلبرتينا الذي يضّم أكبر مجموعة من رسوم الغرافيك تزيد عن المليون، ومتحف تاريخ الفنون الذي جمعت فيه أسرة هابسبورغ المالكة أثمن القطع الفنية منذ القرن السادس عشر.
لا أعرف مدينة تغري بالتسكّع في أزقتها الأنيقة وشوارعها المقصورة على المشاة ومعمارها الجميل وساحاتها البديعة التصميم مثل فيينا.
تسكّع لا بد أن تعرّج في نهايته على «ديميل»، أجمل معابد الحلويات في الدنيا، الذي منذ تأسيسه عام ١٧٨٦ ليكون حلواني العائلة المالكة على أبواب القصر الإمبراطوري، ما زال إلى اليوم يصنع حلوياته وسكاكره الفاخرة بالطرق التقليدية نفسها. استراحة يستحقها الزائر الجوّال ليستعيد نشاطه ويقرّر موعد زيارته المقبلة إلى مدينة الروائع.
— أين تأكل؟
– آي فيينا، يقع في الحي الذهبي وسط المدينة. يقدّم الأطعمة اليابانية وأطباقاً مختارة من المطابخ الآسيوية. يتميّز بجوّه الراقي وهدوئه.
Seitzergasse 6
– مطعم آمادور، تصميم بديع في أحد الأقبية القديمة. يحمل نجمتين في تصنيف ميشلان ويقدّم أطباقاً نمساوية تقليدية.
Grinzingerstrasse 86
– مطعم آنا ساخير، يقع في الفندق الذي يحمل الاسم نفسه. يحمل نجمتين في تصنيف ميشلان ويقدّم أطباقاً عالمية منوّعة.
Philarmonikerstrasse 4
– مطعم فابيوس، يقدّم أطباقاً من مقاطعات الشمال الإيطالي ويرتاده مشاهير الفن والسياسة في المدينة.
Tuchlauben 6
– مطعم كانتينتّا آنتينوري، يقدّم أطباقاً إيطالية من منطقة توسكانة ويرتاده أيضا المشاهير. يتميّز بشرفته الجميلة خلال الصيف.
Jasomrgottstrasse 3 – 5
– مطعم فيغمولير، لا يقدّم سوى طبق واحد: الإسكالوب الشهير على الطريقة الفييناوية، ويتميّز بمقاس شريحة اللحم التي يقدّمها، التي تكاد تعادل ضعف مساحة الطبق. الإقبال شديد عليه على مدار السنة.
Wollzeile 5
— أين تقيم؟
– فندق سلخير، يقوم على بعد خطوات من دار الأوبرا، مشهور بمطعمه الفاخر وقالب الحلوى الذائع الصيت الذي يحمل اسمه. من زواره المشهورين جون كنيدي وغاندي وملك بريطانيا.
Philaremonikerstrasse 4
– فندق إمبريال، من أعرق الفنادق الأوروبية وأفخمها. بُني كمقـر إقامة أحد أمراء العائلة المالكة الذي ما لبث أن باعه قبل أن يتحوّل إلى فندق. من نزلائه المشهورين تشارلي تشابلين وإمبراطور اليابان وآدولف هتلر الذي عمل فيه يافعاً كخادم ثم عاد إليه عام ١٩٣٨ زعيماً على ألمانيا والنمسا، وبنيتو موسوليني.
Kartner Ring 16
– فندق ريتز كارلتون، يقوم في أربعة مبانٍ تراثية موصولة ببعضها. افتتح منذ عامين وهو مجهّز بأحدث الوسائل التقنية. تحيط به واحدة من أكبر الحدائق في المدينة.
Schubertring 5 – 7
– فندق بريستول، يقع على مقربة من دار الأوبرا وسط المنطقة التجارية. يضمّ مجموعة من الأعمال الفنية والمنحوتات النفيسة.
Kartner Ring 1
– فندق كونيغ فون أونغارن (ملك المجر). يقع في أحد المباني التي سكنها موزارت في وسط المدينة على مقربة من الكاتدرائية. يتميز بهدوئه وجوّه العائلي وطرازه المعماري التقليدي.
Schulerstrasse 10