وكالات – بزنس كلاس:
يتضح كل يوم الدور الخفي الذي تلعبه الإمارات العربية المتحدة وسعيها لمد نفوذها وسيطرتها على مصادر الطاقة الإقليمية حتى خارج منطقة الخليج العربي. فقد نشر مركز تحليلات دول الخليج تقريرا مطولا عن التواجد الإماراتي في منطقة آسيا الوسطى، وخاصة في كازاخستان وتركمانستان. وأوضح التقرير أن توجه أبوظبي نحو تلك المنطقة مع التركيز على تلك الدولتين له معنى جيوسياسي يتمثل في رغبة أبوظبي باكتساب مزيد من النفوذ في آسيا الوسطى، علاوة على الحد من النفوذ الإيراني هناك وفق رؤية الإمارات، ويختلط ذلك بمستقبل أسواق الغاز الطبيعي ومصالح الطاقة وطرق النقل.
وأكد التقرير أن أبوظبي ترى بأن هناك فرصة لوضع نفسها في مكانة عليا في مستقبل آسيا الوسطى، استنادا إلى استراتيجيات لتحقيق أهداف جيوسياسية أساسية حسب رؤيتها وتشمل هذه الأهداف الاستثمار في كازاخستان وتركمانستان، وهما دولتان رئيسيتان لهما موانئ على بحر قزوين ما يجعلهما دولتين مهمتين بالنسبة للممرات الإقليمية التجارية.
كما تسعى كل من الرياض وأبوظبي إلى تحقيق عائد سياسي لاستثماراتهما في آسيا الوسطى من خلال جذب تلك الدول للوقوف في صفهما ضد إيران مع الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا. وألمح التقرير إلى أن الاستثمار الإماراتي في هاتين الدولتين من وجهة نظر أبوظبي يتعدى مجرد الاستثمار، وهنا يتضح سبب الاهتمام الإماراتي بأستانة وعشق أباد المهتمين على بحر قزوين.
وأضاف التقرير أن السعودية تتبع نفس خطى الإمارات في آسيا الوسطى، حيث تعد المملكة من بين أكبر المستثمرين في الاقتصاد الكازاخستاني على سبيل المثال وقد مولت العديد من المشاريع بما في ذلك المرافق الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن الرياض ترى فائدة للعمل مع كازاخستان حول مستقبل الطاقة.
الإمارات وكازاخستان
وحول العلاقات بين الإمارات وكازاخستان أوضح التقرير أن أبوظبي تنظر إلى كازاخستان كركيزة رئيسية لإستراتيجيتها في منطقة وسط آسيا، حيث يوجد أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، وهذه الروابط التجارية تصاحبها أهداف سياسية تضعها الإمارات على رأس أولوياتها هناك. وحسب المعلومات المتداولة فإن أبوظبي تعتزم منذ بداية العام الجاري تفعيل تواجدها في قطاعات الطاقة والتعدين، وكذلك إلى مجالات أخرى بما في ذلك البنية التحتية والخدمات اللوجستية والزراعة والغذاء.
وحسب التقرير فإن استثمارات الإمارات في كازاخستان تعتبر موضوعا جديرا بالملاحظة. فقبل عشر سنوات وقعت الإمارات اتفاقية للحصول على حصة 24.5% في حقل بحري في بحر قزوين. وفي نوفمبر 2008 تم إطلاق صندوق الفلاح في كازاخستان، حيث تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتمويل المشاريع في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة وإنتاج الغذاء والبنية التحتية والموارد الطبيعية والعقارات. لكن اللافت هو زيادة وتيرة الطموحات السياسية للإمارات في كازاخستان، وهو ما تترجمه زيارة مسؤولين إماراتيين إلى هناك بشكل شهري.
وأشار التقرير إلى أن الأهم من ذلك، هو أن الإمارات لها رؤية واضحة وهي الوصول إلى الموانئ كجزء من محور عالمي، ويمكن رؤيتها في استحواذ دبي العالمية على منطقتين اقتصاديتين خاصتين في كازاخستان على بحر قزوين. وقد اشترت موانئ دبي العالمية حصة بقيمة 51 في المائة في منطقة خورغوس الاقتصادية الخاصة ولها مساهمة بنسبة 49% في منطقة أكتاو التي منحت حقوق الإدارة والحوكمة لموانئ دبي العالمية.
وتعتبر كازاخستان حلقة مهمة في طريق الحرير الجديد وهنا نرى أن المفهوم الإماراتي لدور الموانئ له أهمية مركزية في منطقة آسيا الوسطى. ومن المؤكد أن موانئ دبي العالمية تركز على تطوير البنية التحتية الصلبة واللينة التي تدعم روابط النقل متعددة الوسائط التي ستكون أساسية في طريق الحرير. والأهم من ذلك أنه تم توقيع اتفاقية منفصلة بين مبادلة وصندوق الثروة السيادية الكازاخي لهذا المشروع والذي من المقرر أن يتم تشغيله بحلول عام 2025. وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر المضي قدما في خطط لإنشاء صندوق استثماري مشترك بين كازاخستان والإمارات العربية المتحدة بمبلغ إجمالي قدره 500 مليون دولار.
أبوظبي في تركمانستان
وأكد تقرير مركز تحليلات دول الخليج أن نهج الإمارات تجاه تركمانستان يشبه نهجها تجاه كازاخستان حيث توظف أبوظبي استثماراتها لأغراض سياسية، حيث تستثمر أبوظبي في مشاريع البنية التحتية مع التركيز على دور عشق أباد المستقبلي كمصدر حقيقي للغاز الطبيعي عن طريق خط أنابيب “تابي”، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت أبوظبي في تنفيذ رؤية الدفاع والأمن في تركمانستان على غرار سياستها الخارجية في اليمن والقرن الأفريقي.
وتركز العلاقات الثنائية على دور شركة دراغون أويل في تركمانستان. وفي العام الماضي قامت شركة توباز للطاقة والملاحة التي تتخذ من دبي مقرا لها بتزويد السفن لشركة دراغون أويل، وهي شريك رئيسي لشركة بترول الإمارات الوطنية، لتطوير موارد هيدروكربون بحرية في تركمانستان وتبلغ قيمة العقد 100 مليون دولار لمدة خمس سنوات، وتقوم شركة “توباز” أيضا بتشغيل السفن في منطقة تشليكن التي تتكون من حقلي نفط وغاز بحريين.
وفي الأشهر القليلة الماضية، سرعت دولة الإمارات العربية المتحدة سياستها الاستثمارية نحو تركمانستان بطريقة إستراتيجية، حيث زار الرئيس التركماني قربان قولي بيردي محمدوف أبوظبي ووقع اتفاقات مهمة مع مبادلة للاستثمار في البنية التحتية في عشق أباد. والأهم من ذلك، أن مبادلة وقعت اتفاقيات سرية مع شركة تركمنجاز للتعاون في إنتاج الغاز في تركمانستان.
الأمن والغاز
ونبه التقرير إلى أنه من وجهة النظر الإماراتية، تحظى تركمانستان بأهمية قصوى لعدة أسباب منها موقعها الجيوسياسي الحساس شمال إيران ، علاوة على الحدود المشتركة بين تركمانستان وأفغانستان التي تراها أبوظبي تهديدا لأمن المنطقة ، والسبب الثاني احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي.
وأشار التقرير إلى أن سلطات أبوظبي أمدت القوات المسلحة التركمانية بمعدات عسكرية، كما ترى الإمارات أنه بإمكان لعب دور أكبر في مستقبل أسواق الطاقة هناك، علاوة على أدوراها الأمنية، ونظرا لأهمية تركمانستان الإستراتيجية فإن الإمارات تقر بضرورة مساعدة تركمانستان خلال الأوقات الحالية. وفي مقابل ذلك ترى إيران أن نشاط الإمارات في تركمانستان مريب ولا يستهدف الاستثمارات فحسب.