باريس – وكالات:
تنتخب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اليوم ولمدة أربعة أيام، المدير العام الجديد لـلمنظمة، في سباقٍ لا يقل إثارةً عن أي مبارزة رئاسية أو نيابية دولية. وسيتولى المدير الجديد إدارة أكثر من 500 مليون دولار من الهبات الممنوحة للمنظمة على مدى خمس سنوات، ويتبوّأ مركزًا رفيعًا في الأمم المتحدة والسياسة الدولية. لخلافة إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو التي انتهت ولايتها، التي كادت في السنة الماضية شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة بفارق بضعة أصوات.
وأجرى المجلس التنفيذي لليونسكو في 24 أبريل مقابلاتٍ مع المرشحين النهائيين لخلافة إيرينا بوكوفا. منهم 3 دول عربية، من قطر ومرشحها حمد بن عبد العزيز الكواري، ومن مصر ومرشحتها مشيرة خطاب، ومن لبنان فيرا الخوري.
أما المرشحون الآخرون فمن أذربيجان وفيتنام ولكن الأخطر هما فرنسا والصين. حيث رشح الرئيس الفرنسي السابق أولاند وزيرة ثقافته من أصل مغربي أودري أزولاي في اللحظات الأخيرة للترشيح مما أثار غضب الدول العربية والإفريقية وبعض دول أوروبا وأمريكا وصدم بها أوساط اليونسكو وتلقت فرنسا سلسلة من الانتقادات لخطوتها التي جاءت دون تنسيق مع الدول الكبرى داخل المنظمة الأممية.
ووفق أعراف اليونسكو يتولى العرب هذا المنصب السامي خلال هذه الفترة لاسيَّما لم يسبق أن انتُخب مديرٌ عربيٌّ للمنظمة ولهذا يعد انتخابية سنة 2017 أكثر إثارة للاهتمام ففيها 58 دولة لها حق التصويت، وبينما للعرب 4 مرشحين ما يرجح وجود تفتيت للأصوات.
استحقاق المرشح القطري
يتمتع المرشح القطري د. حمد بن عبد العزيز الكواري، بخبرات وثقل لا نظير له والتف حوله منذ عامين جميع دول العام بما فيها دول الخليج. وانسحب أمامه مرشح اليمن د.أحمد الصياد ولكن تأزّمت هذه المسائل في 5 يونيو، عندما انضمت مصر إلى السعودية والإمارات في فرض حصارٍ جائر على قطر. فتناثرت الأصوات ولكن هل ستوثّر الأزمة الخليجية في اليونسكو؟
الواقع يجيب بأن المنافسة تنحصر فعليًا بين من مصر وقطر، أعضاء بالمجلس التنفيذي لليونسكو الذي سيفصل في الأمر، غير أن دول إفريقية كثيرة ستصوت لقطر أبرزها السودان، لعلاقاتها المتينة مع قطر. كما تحظى قطر بثقة ودعم أغلب دول آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا. كما تستطيع قطر الاعتماد على كل الدول الإفريقية والفرانكفونية ودول أمريكا اللاتينية وآسيا ونصف دول العربية والخليجية.
ويعد د. الكواري من أفضل من استعد لهذه الانتخابات وأكثرهم نشاطا وحرصا على مصلحة اليونسكو فقد كان أول من أعلن عن ترشيح نفسه لهذا المنصب الرفيع. كما طاف أرجاء الأرض مستثمرا قوة قطر وسمعتها العالمية وما قدمته لليونسكو من برامج رائدة عديدة منذ عام 95 فحصل على دعم أبرز قادة وحكومات دول قارات العالم لاسيَّما آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا.
ويعتبر أقوى المرشحين ووصفته إحدى المجلات الدبلوماسية الهولندية بالمتسابق الأمامي. بينما وصفه الفرنسيون بأنشط مرشح في العالم وأكثرهم إقناعا بأفكاره وتشير الصحافة الفرنسية إلى كون معظم دول العالم ستصوت لمرشح قطر وذكرت صحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية بأنه الأقرب للفوز كما يعتبر الكواري أكثر المرشحين استعدادا لقيادة اليونسكو بما يملكه من خبرات وثقافات موسوعية راقية وبرنامج له مصداقية ورؤية قابلة للتنفيذ وتسد ثغرات عديدة يعاني منها اليونسكو حيث جاء ليصلح ويقوم بثورة في هيئات المنظمة بتحديث آلياتها المتهالكة.
ويأمل الفرنسيون في الكواري ما قام به ناصر الخليفي في ناديهم المفضل باريس سان جرمان الذي تسلمه من إدارة أمريكية كادت أن تنزل به إلى دوري القسم الثاني بسبب تدهور نتائجه فتحول بالإدارة القطرية إلى أحد بهجات الأندية الرياضية في العالم.. ولا يفت الخبراء بأن بلده قطر قادر على تحقيق برامج اليونسكو وسد عجزها المالي وهي التي لم تتأخر يوما عن سداد التزاماتها المادية للمنظمة بينما الآخرون يعجزون عن تنفيذ برامج اليونسكو المتشعبة وتعاني دولهم عجزا في الميزانية وعليها ديون للمنظمة ويكتفي بقية المرشحين بالخطب والوعود الرنانة التي سرعان ما تتبخر بعد تولي المنصب الرفيع.
وعلى المرشح القطري مراعاة الألاعيب الصهيونية حيث يتردد حاليًا في الكواليس أقوال نفس الجماعات المعارضة، تحت دعاوى زائفة أبرزها معاداة السامية.
إسهامات قطرية
والمؤكد أن طموح قطر لا يستهان به بعد أن ارتقت على الساحة العالمية منذ عام 1995 سياسيا واقتصاديا وحققت الكثير من النجاحات والإنجازات على المستوى الدولي وسمحت قوتها المالية بناء متحفًا راقيًا على المستوى العالمي وبتنظيم معارض لفنانين مشهورين مثل داميان هيرست. وأعلنت عن افتتاح “متحف قطر الوطني” من تصميم جان نوفيل في سنة 2018 المقبلة. وحصلت قطر على أوّل موقعٍ لها في اليونسكو في سنة 2013، بعد سنواتٍ من المناورات السياسية الناجحة رغم مصاعب وتحديات دول الجوار الإقليمي أضافت إلى القائمة حصن الزبارة الذي يعود لسنة 1938، وبعض الآثار في جواره. والأهم ما قامت به قطر منذ عقود برعاية صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في الارتقاء بالتعليم ومساعدة أطفال العالم للحصول على تعليم وافي في الدول المعوزة والتي تعاني ويلات الحروب الأهلية والظروف الطبيعية الصعبة كما أنشأت قطر صندوق مالي في اليونسكو لإنقاذ التراث العالمي من الدمار والاندثار في كل دول العالم التي تعاني من خطر الحروب والكوارث الطبيعية وتعتبر دولة قطر حاليا تحت القيادة الرشيدة مثالا يحتذى له في التعليم بعد الانفتاح على جامعات ومراكز بحوث دول العالم المتحضر وكل هذا وذاك يصب في كفة مرشح قطر.
فرص المرشح الفرنسي ضئيلة
وبالرغم من كون ترشيح فرنسا للمنصب كان مفاجأة مدوية للجميع، لكن على عكس القلق السائد لدى البعض فإن حظوظ مرشحة فرنسا لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي ضئيل لعدة أسباب واعتبارات. فقد سبق أن فازت فرنسا بالمنصب لعدة مرات كما إن أوزولاي غير جاهزة ببرنامج يتمتع بمصداقية بالإضافة إلى كونها من بلد المقر وهو أمر نادر كما أن العرف السائد في أوساط اليونسكو يجعل الدور على المنطقة العربية، لكن الأهم كشفت تقارير إعلامية فرنسية مؤخرة اتهام الوزيرة الفرنسية بالتزوير والفساد المالي فى وثائق عامة تعود لعام 2007، وتواجه دعوة قضائية من قبل المخرج إيرادج عظيمي العام الماضى، حينما كانت المديرة المالة والقانونية المسؤولة عن المركز القومي للسينما والصور المتحركة في فرنسا.