
وكالات – بزنس كلاس:
ظن الآمر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهو مستلقي بهدوء في قصره بالرياض أو جدة أو أينما كان، أن الأمر سيمر بهدوء، أو ربما تستمر تداعياته لفترة محدودة وينتهي الأمر بسلام. لكن تصاعد الأحداث وتواتر الأنباء جاء على عكس ما يشتهي الآمر والقتلة بل كان وبالاً على المملكة السعودية برمتها ضرباً في عصب احتياجها وهو الاستثمارات التي كان يعول عليها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي ظلت تعاني منها طوال السنوات الماضية. إنها لعنة خاشقجي.
شاء توقيت الأمر بالقتل أن يتزامن مع حدث كانت تنتظره المملكة منذ انقضاء حدثه الأول، وهو مؤتمر الاستثمار السعودي الذي سينعقد في دورته الثانية في 23 أكتوبر الجاري في الرياض، لكن يبدو أن دماء جمال خاشقجي ستحول دون أن يحقق الزخم المراد له بعد إعلان العديد من الجهات والشخصيات البارزة والمهمة انسحابها للطبيعة الدموية للنظام السعودي التي تجلت في اغتيال الصحفي خاشقجي. ويحمل مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» اسم «دافوس في الصحراء»، ويعد جزءا من «رؤية 2030» الخاصة بولي العهد السعودي.
آخر من أعلن انسحابه من المؤتمر المعني بالاستثمار هو رئيس البنك الدولي، إذ قال مسؤول في البنك لرويترز أمس إن رئيس البنك جيم يونج كيم لن يحضر المؤتمر مشيرا إلى تضارب في المواعيد. وكان اسم كيم أُدرج كمتحدث في المؤتمر الذي يعقد على مدى ثلاثة أيام.
ولم يقتصر الأمر على البنك الدولي، بل شمل رجال أعمال مستفيدين من مشروعات استثمارية في المملكة، وبالتحديد في مدينة أحلام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي أطلق عليها اسم «نيوم». فقد أعلن رجل الأعمال البريطاني مؤسس مجموعة «فيرجن» ريتشارد برانسون، تعليق مباحثاته مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بعد تعليق وزير أمريكي سابق دوره الاستشاري في مشروع اقتصادي سعودي، على خلفية قضية خاشقجي. وقال «برانسون» في بيان على موقعه الإلكتروني، الخميس، «بالتزامن مع التحقيقات الجارية حول اختفاء السيد خاشقجي، قررت تعليق إدارتي لمشروعين سياحيين سعوديين على ساحل البحر الأحمر، إضافة إلى تعليق المحادثات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن استثمارات سعودية مقترحة في الشركات الفضائية التي نملكها (فيرجن غالاكتيك وفيرجين أوربيت)».
وأضاف البيان: «ما حدث في تركيا بشأن اختفاء خاشقجي، إذا ثبتت صحته، سيغير بوضوح قدرة أي منّا في الغرب على العمل مع الحكومة السعودية».
وتابع: «لقد طلبنا مزيدا من المعلومات من السلطات السعودية وتوضيح موقفهم من السيد خاشقجي».
وعام 2017، أعلن صندوق الاستثمارات السعودي اعتزامه استثمار مليار دولار في مشاريع فضاء تابعة لشركات يملكها «برانسون».
جاء انسحاب المستثمر الدولي البريطاني من شراكات سعودية، بعد تعليق وزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز، دوره الاستشاري في مشروع مدينة «نيوم» الاقتصادية، على خلفية القضية ذاتها.
وقال «مونير» في بيان انسحابه أمس: «في ضوء الأحداث الجارية في هذه اللحظة، أعلق عملي في مجلس إدارة مشروع نيوم السعودي»، مشيرا إلى أن الأخبار انقطعت عن خاشقجي بعد دخوله مقر قنصلية بلاده بإسطنبول.
وكان مونيز واحدا من 18 شخصا يشرفون على مشروع نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.
ومن المقرر أن يتحدث في المؤتمر جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لجيه.بي مورجان تشيس آند كو وكذلك الرئيس التنفيذي لماستر كارد أجاي بانجا. ولم يرد مسؤولون عن الشركتين على طلبات للتعليق.
كما قرر ملياردير آخر هو ستيف كيس أحد مؤسسي (إيه.أو.إل) أن ينأى بنفسه عن السعودية، قائلا إنه لن يحضر المؤتمر. وكتب على تويتر «قررت في ضوء الأحداث الأخيرة أن أعلق خططي بانتظار مزيد من المعلومات بخصوص جمال خاشقجي».
وأنهت مجموعة هاربور جروب، وهي شركة في واشنطن تقدم خدمات استشارية للسعودية منذ أبريل 2017، يوم الخميس عقدا مع المملكة حجمه 80 ألف دولار في الشهر. وقال عضوها المنتدب ريتشارد مينتز «لقد أنهينا العلاقة».
أوبر
من جهته أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبر» الأمريكية دارا خسروشاهي، انسحابه من مؤتمر مستقبل الاستثمار على ذات الخلفية.
وقال خسروشاهي في بيان، إنه يشعر بالاضطراب حيال التقارير الواردة حول خاشقجي، بحسب ما نقلت قناة «سي إن إن»، أمس.
وأضاف: «نتابع الوضع عن كثب، وفي حال لم تظهر حقائق مختلفة (عن تلك المتداولة وتشير إلى مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول)، فلن أحضر مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض (العاصمة السعودية)».
ويعد موقف «خسروشاهي» ذا أهمية بالغة، كون صندوق الثروة السيادية في السعودية (مملوك للدولة) مساهما كبيرا في «أوبر»، إذا يستثمر بقيمة 3.5 مليار دولار في الشركة منذ عام 2016.
تأتي مقاطعة الرئيس التنفيذي لشركة «أوبر» مؤتمر مبادرة الاستثمار بالسعودية، بالتزامن مع إعلان مؤسسات وشخصيات إعلامية مقاطعتها المؤتمر على خلفية قضية «خاشقجي».
تضامن أبناء المهنة
وأعلنت شركات إعلامية أنها ستقاطع المؤتمر مع تزايد الغضب بشأن قضية خاشقجي.
وكانت أحدث المواقف المقاطعة للمؤتمر، إعلان شبكة «سي إن إن» الإخبارية انسحابها من المشاركة الإعلامية.
وقالت الشبكة في بيان عبر «تويتر»، إن «مذيعيها ومراسليها لن يديروا أي منصات إعلامية (حول المؤتمر)».
وقالت لورين هاكيت المتحدثة باسم رئيسة تحرير صحيفة إيكونومست زاني مينتون بيدوس في رسالة بالبريد الإلكتروني إن بيدوس لن تشارك في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض.
وذكر المذيع الأمريكي أندرو روس سوركين بشبكة (سي.إن.بي.سي) والذي يعمل أيضا صحفيا اقتصاديا بنيويورك تايمز على تويتر أنه لن يحضر المؤتمر قائلا إنه «يشعر باستياء شديد من اختفاء الصحفي جمال خاشقجي والتقارير الواردة عن مقتله».
وأفادت المتحدثة باسم صحيفة نيويورك تايمز إيلين ميرفي بأن الصحيفة قررت الانسحاب من رعاية المؤتمر.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز في بيان إنها تراجع مشاركتها في الحدث كشريك إعلامي.
وقال جاستن ديني المتحدث باسم شركة فياكوم إن رئيسها التنفيذي بوب باكيش لن يحضر المؤتمر بعد أن كان أحد المتحدثين فيه.
وأشار موقع المؤتمر على الإنترنت إلى أن شركات إعلامية أخرى من المقرر أن تشارك مثل (سي.إن.إن) وبلومبرج.
وفد سعودي إلى تركيا
قال مصدران تركيان أمس إن وفدا من المملكة العربية السعودية وصل إلى تركيا في إطار التحقيق في اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وذكر المصدران التركيان أن وفدا سعوديا وصل تركيا في إطار اتفاق بين أنقرة والرياض للتحقيق في القضية. ولم يقدما تفاصيل عن أعضاء الوفد.
وقال أحد المصدرين «وصل وفد إلى تركيا ضمن جهود تشكيل مجموعة عمل مشتركة مع السعودية».
وأشارت وكالة الأناضول شبه الرسمية إلى أن الوفد سيجري محادثات مع مسؤولين أتراك في مطلع الأسبوع.
ارتفاع الضغط الدولي
واصلت فرنسا ضغوطها أمس، مطالبة السلطات السعودية تقديم إجابات تفصيلية وحقيقية بشأن مصير الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي الذي اختفي في تركيا قبل أسبوع.
وحتى الآن ظلت فرنسا حذرة في رد فعلها تجاه هذه القضية. والتقى سفيرها لدى الرياض مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الخميس.
وتربط فرنسا والسعودية علاقات دبلوماسية وتجارية قوية.
وقالت أنييس فون دير مول المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية في بيان «اختفاء جمال خاشقجي في اسطنبول… يثير تساؤلات خطيرة بشأن مصيره. وفرنسا تطالب بإعلان واضح للحقائق، وبأن يشارك كل من يمكنه الإسهام في معرفة الحقيقة الكاملة».
وأضافت «هذه كانت رسالتنا إلى السلطات السعودية. الاتهامات المنسوبة لها تتطلب أن تتحلى بالشفافية وأن تقدم ردا كاملا ومفصلا».
وفي ألمانيا طالبت الحكومة الألمانية، السعودية بتوضيح التقارير التي تفيد بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، المختفي منذ نحو 10 أيام، في أقرب وقت ممكن.
وقال ستيفن سيبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه يتعين على السعودية «المشاركة الكاملة في توضيح الأمر (اختفاء ومقتل خاشقجي)»، بحسب ما نقلت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية.
وأضاف: «الشكوك التي يجري تداولها مروعة، ولذا يجب توضيح هذا الاختفاء في أقرب وقت ممكن وبصورة شاملة».
ومطلع الأسبوع الجاري، أرسل وزير الخارجية الألماني هيكو ماس، رسالة مماثلة إلى السفير السعودي لدى برلين، لتوضيح تقارير اختفاء خاشقجي.
يذكر أن خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، قالت في تصريح للصحفيين إنها رافقته إلى أمام مبنى القنصلية بإسطنبول، وإنه دخل المبنى ولم يخرج منه.
فيما نفى مسؤولو القنصلية ذلك، وقالوا إن الرجل زارها، لكنه غادر بعد ذلك.
ولاحقا، كشفت مصادر أمنية تركية، أن 15 مواطنا سعوديا وصلوا مطار إسطنبول على متن طائرتين خاصتين، ثم توجهوا إلى قنصلية بلادهم أثناء تواجد خاشقجي فيها، قبل عودتهم إلى الدول التي جاؤوا منها، في غضون ساعات.