توصيفات مدفوعة الأجر والنتائج حسب رغبة الزبون
غياب الشفافية والحيادية سؤال يبحث عن إجابة
قطر تصد هجوماً اقتصادياً جديداً والهدف يخطئ مرماه من جديد
بزنس كلاس – رشا أبو خالد
عمدت وكالات التصنيف الائتمانية الرئيسية، وهي جميعاً أمريكية، في الآونة الأخيرة إلى تخفيض تصنيف دولة قطر من إيجابي إلى مستقر مع وجهة نظرة سلبية بالتواتر مع الأزمة التي اندلعت منذ نحو 3 أشهر بين الدوحة وبعض الدول الخليجية ومصر، الأمر الذي أثار مجدداً كثيرا من الأسئلة المشروعة حول أهمية الدور الذي تلعبه هذه الوكالات و”الهدف السياسي” الذي تخدمه من خلال إطلاق معطياتها حول اقتصاد هذا البلد أو ذاك ومدى خدمة هذه المعطيات في توجيه الاقتصاد الدولي بشكل عام والإقليمي بشكل خاص فيما يخص دولة قطر.
طبعاً لا أحد يخفى عليه الدور الكبير الذي باتت تلعبه وكالات التصنيف الائتماني التي أصبحت جزءاً أساسياً في سوق المال العالمي. ولما كان الهدف من هذه الوكالات هو تقييم المخاطر الائتمانية للشركات والحكومات التي تسعى للحصول على قروض وإصدار أوراق مالية ذات دخل ثابت مثل الصكوك والسندات، بالتالي فإن الاعتماد على هذه الوكالات جعلها محل تساؤل لدى كثيرين، حيث بات كثر يرون أن تصنيفاتها تخضع لحسابات سياسية وآخرون يتهمونها بأنها تصنف الدول والمؤسسات وفقاً لرغبات دول بحد ذاتها.
فقدان المرجع الموضوعي
على سبيل المثال لا الحصر، وباستثناء البحرين، لم تقم كل من وكالة موديز أو فيتش أو حتى ستاندارد أند بورز بأي مراجعة لتصنيف الدول المشتركة بالحصار الجائر المفروض على قطر وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، رغم أن السعودية، وهي تعتبر أقواها اقتصادياً، مثلا تعاني وضعاً اقتصاديا أقل ما يمكن تسميته بأنه وضع حرج خصوصاً مع توجهها لخصخصة القطاع النفطي متمثلاً بشركة آرامكو التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد السعودي الذي يعتمد كما بقية دول الخليج، ولو بنسب متفاوتة، على مبدأ بيع السلعة الواحدة. لم تحرك الوكالات المذكورة أي ساكن تجاه تقارير إعلامية يومية ومعطيات اقتصادية واضحة وديون السعودية التي تثقل كاهلها، في أمر يدعو للنظر بعين من الريبة حول توظيف هذه الوكالات للغة الاقتصاد في خدمة أجندة سياسية ما بما يتوافق مع أهواء صناع السياسة في واشنطن ممثلين بالإدارة الأمريكية لحالية التي يرأسها “رجل أعمال” بالدرجة الأولى قبل أن يكون رجل سياسة تقليدي.
وبالتالي فإن تصنيف هذه الوكالات “المشبوه” لاقتصاد قطر بنظرة مستقبلية سلبية يمثل ضرباً في الواقع لمصداقية ونزاهة وحيادية هذه الوكالات ويمهد الطريق لتقليص حجم الثقة بالمعلومات الضرورية التي تقدمها للمستثمرين حول العالم. فالاقتصاد القطري كما يعلم القاصي والداني، صحيح أنه تعرض لهزة قوية بسبب الحصار الذي باغته به “الأشقاء” في مسألة لا يمكن وصفها إلا بـ “الطعن في الظهر”، لكنه بالمقابل وبزمن قياسي بكل المعايير سرعان ما استعاد توازنه خلال أيام وكان حتى غير الخبير بالاقتصاد يرى أن قطر وضعت في التنفيذ خطة اقتصادية واضحة المعالم لخريطة طريق تخرج بها من الأزمة في أسوا تقدير بأقل قدر من الخسائر وبأن خسائر دول الحصار ستكون أعظم بكثير من خسائرها. لكن الوكالات الثلاث لم تكلف نفسها عناء مراجعة تأثيرات الأزمة على اقتصاديات دول الحصار التي كانت قبل الأزمة أصلاً في وضع حرج اقتصادياً وهنا لا نتحدث عن البحرين ومصر الموجودتان أصلاً في غرفة “الإنعاش” اقتصادياً بل عن تراجع دور الإمارات الاقتصادي لمرحلة مقلقة وهذا ما كان واضحاً بنتائج شركاتها الرئيسية الفصلية وبدء ابتعاد الخطوط المالية والتجارية عن دبي كنتيجة مباشرة وفورية للحصار على قطر، ناهيك عن المتاعب الاقتصادية الجمة التي تعانيها السعودية اقتصادياً وحالة الغليان بين سكانها نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية لمستويات غير مسبوقة على الإطلاق لدرجة أن بعض الصحف العالمية بدأت تكتب مقالات تورد فيها، استناداً لمعطيات وأرقام حقيقية، أن ولي عهد السعودية وضع لافتة “للبيع” على كل شيء تقريباً في المملكة.
إعادة نظر شاملة
وفي إطار هذا التشكيك المشروع لا تبدو قطر استثناءاً، فكثير من دول العالم تشكك بالآلية وعملية تضارب المصالح التي تقيم على أساسها الوكالات الثلاث تحديداً الجدارة الائتمانية لاقتصاد هذه الدولة أو تلك، حيث يبدو أن الكثير من الدول والمناطق في العالم بدأت تتململ وتبدي عدم ارتياحها من أداء وكالات التصنيف الدولية خاصة الثلاثة الكبار (ستاندرد اند بورز وموديز وفيتش)، فمثلاً نجد أن المانيا اختارت ان تؤسس وكالة تصنيف خاصة بها، وفي هذا الاطار اعلن تورشتن هينريش التي يعتبر مهندس تعزيز السوق الأوروبية المشتركة، تأسيس وكالة تصنيف ائتماني المانيا باسم (scoop rating)، معتبراً “ان الطلب على دراسات بديلة للتصنيف الائتماني كبير جداً منذ فترة”.
وكذلك دخلت مؤسسة (DBRS) الكندية في أجواء المنافسة في هذا الإطار باعتزامها تغطية نحو 19 دولة خلال 3 سنوات كحد أقصى من بينها السعودية في تحد واضح لهيمنة الثلاثة الكبار. وقال فيرجوس مكورميك رئيس التصنيفات السياسية في DBRS ان المؤسسة ستضيف دول الاتحاد الاوروبي ومجموعة العشرين لتزيد قائمتها التي تضم 37 من المقترضين السياديين ومتعددي الجنسيات بأكثر من 50%.
قوى زاحفة للصدارة
وفي أوروبا ايضاً حصلت نحو 26 وكالة للتصنيف الائتماني على تصاريح من “السلطة الاوروبية للأسواق المالية” بينها الفرنسية “سبريد ريسيرتش” والكندية “دي بي آر اس” والإيطالية “كريف” والاسبانية “اكزيسور” مما يوسع سوق الوكالات ويحد من احتكار واشنطن لهذه المفصل الحيوي من الاقتصاد العالمي. إلا أن أقوى منافسي الهيمنة الأمريكية على هذا المجال لا تأتي من أوروبا بل من الصين التي صعدت منذ سنوات إلى مرتبة ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. فقد أطلقت بكين ما يعرف بتصنيف داجونج الصيني الذي بات في مرتبة متقدمة دولياً في السنوات الأخيرة وأخذ يزيح بقوة وكالات التصنيف الأمريكية عن عرش التصنيف الائتماني العالمي.
ولمعرفة كيفية عمل هذه الوكالات وما الدور الوظيفي الحيوي الذي تتمتع به، يتوجب أن نعرف لماذا انشأت هذه الوكالات بالأصل. تلك الوكالات ووفق تعريفها تم انشاؤها بناء على حاجة المستثمرين والمقترضين إلى مصدر معلومات موثوق ومحايد ونزيه حول مستوى المخاطر في إقراض الشركات والافراد والإجابة بالتالي على سؤال الجدارة الائتمانية. استناداً إلى تلك الحاجة الملحة أطلقت وكالة “موديز” الأمريكية كأول وكالة تصنيف ائتماني في العام 1909، لتتكاثر بعدها هذه الوكالات مثل الفطر بشكل كبير في تسعينيات القرن الماضي إلى أن وصل عددها إلى نحو 150 وكالة، إلا أن أبرزها الوكالات الأمريكية الشهيرة الثلاث وهي ستاندرد آند بورز وفيتش وموديز، إلا أنها تواجه منافسة شرسة من تصنيف داجونج الصيني الذي ظهر بعدها بعقود كثيرة ورغم ذلك تمكن من حصد ثقة المستثمرين والدول المختلفة على حد سواء.
ويتمثل دور وكالات التصنيف الائتماني في تضييق هامش ما يصطلح الاقتصاديون على تسميته بـ”تباين المعلومات” بين المقترضين والمستثمرين، من خلال تزويد الأسواق المالية بمعلومات عن جودة الديون التي يتم إصدارها ومخاطر عدم وفاء المدينين بالتزاماتهم. وتسمح هذه المعلومات للمستثمرين باتخاذ قراراتهم بشأن الاستثمار من عدمه في سندات الديون التي تصدرها الجهات الراغبة في الاقتراض.
معايير صارمة يجب أن يتم من خلالها التصنيف يجب أن تضع في الحسبان، وحسب رأي تورشتن هينريش المدير التنفيذي لوكالة (سكوب) للتصنيف الائتماني الالمانية، فإن التصنيف يجب أن يقوم على مبدأ الشفافية والمنهجيات العامة ويجب أن تكون هذه التصنيفات متسقة وقابلة للمقارنة، وبهذه الطريقة لن يكون هناك أحد قادر على التأثير في عملية التصنيف.
نتائج حسب الطلب
وفي هذا الاطار لا نبدو التصنيفات الأخيرة التي أطلقتها الوكالات الثلاث حول قطر متوازنة حيث أنها تتجاهل تماماً كل ما تمكنت قطر من إنجازه لإلغاء أي تأثير استراتيجي للحصار على الوضع الاقتصادي العام، كما تجاهلت أن قطر لم تقم بتسييل أو بيع أي من أصولها لأنها بالأصل لم تكن تحتاج ذلك، بل على العكس قام جهاز قطر للاستثمار بإضافة استثمار جديد الشهر الماضي لملكية قطر وذلك عنما دفعت “كتارا للضيافة” مليار دولار أمريكي للاستحواذ على منتجع بيرجنستوك في سويسرا، كما أن قطر عادت مؤخراً لمستويات تصدير الغاز المسال ما قبل الحصار إضافة إلى رفع إنتاجها الكلي من هذه المادة الحيوية للاقتصاد العالمي برمته بنسبة 35% تقريباً إلى نحو 100 مليون طن سنوياً، وكثير من الإنجازات خلال ثلاثة شهور من الحصار على عكس كل التوقعات إضافة للأساسات الصلبة للغاية للاقتصاد القطري الذي تقدر قيمة استثمارات جهازه الخاضع للدولة بـ 340 مليار دولار.
كل هذه الإنجازات التي تقول بالأرقام بأن قطر تنجز فروضها الاقتصادية على أكمل وجه لم تكن كافية حسب وجهة نظر وكالات التصنيف الائتماني الأمريكية التي ربما تفضل الآخذ بنصائح سفير الإمارات في واشنطن سيء الصيت يوسف العتيبة ومع نصائحه بعض الفكة من مال أبوظبي لشراء الذمم من أجل أن تصدر تقارير تظهر الاقتصاد القطري وكأنه على وشك الانهيار! الواقع يقول وحسب رأي هينريش ان وكالة التصنيف يجب أن تجمع وتحلل جميع المعلومات المتاحة بنزاهة وحيادية والتأكد من أن المعلومات التي بحوزتها يمكن الاعتماد عليها في أداء عملها. وفي حالة وجود أي شك على وكالة التصنيف أن تخفض مدى الاعتماد عليها لإصدار التصنيف، ، فهل هذا ما قامت به الوكالات الثلاث بالتعامل مع الملف القطري؟!
سؤال برسم الإجابة..