يستطيع الناس البقاء دون طعام لبضعة أسابيع على أقصى تقدير، وربما أكثر من ذلك بقليل. إلا أنه في نهاية المطاف، يتضورون جوعاً.
ومن غير المرجح أن يستمر الإنسان على قيد الحياة لمدة أسبوع، إلا أن طول الوقت الذي يستغرقه الجوع، يمكن أن يختلف إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، إذ ظل أنجوس باربيري-المواطن الإسكتلندي البالغ من العمر 27 عاماً آنذاك- بدون تناول الطعام لمدة 382 يوماً، انتهت في 11 يوليو/تموز عام 1966، بحسب موقع Science Alert.
ثمة توثيق محدود لفترة صيام باربيري، فهناك بعض الروايات الصحفية القديمة التي تروي محنته وبشكل أكثر إقناعاً، كما أن هناك تقريراً نشره طبيبه في مجلة الدراسات الطبية العليا عام 1973، يصف فيه تلك التجربة.
ووفقاً لهذا التقرير، ذهب باربيري إلى قسم كلية الطب التابع للجامعة في المستشفى الملكي بمدينة دندي، في إسكتلندا، قبل أكثر من عام من طلبه للمساعدة.
كان باربيري يعاني من “السمنة المفرطة” في ذلك الوقت، فوفقاً لأطبائه، كان وزنه 456 رطلاً، أي 207 كيلوجرامات. وقد ألزمه أطباؤه ببرنامج صيام قصير، ظناً منهم أنه قد يجدي نفعاً في فقدانه بعض الوزن، ولم يتوقعوا منه أن يستمر في اتباع ذلك البرنامج.
لكن مع تحول الأيام بدون تناول الطعام إلى أسابيع، شعر باربيري بالحماسة لمواصلة البرنامج.
بدا هدفه غريباً وخطيراً لأن الصيام لمدة تتجاوز الأربعين يوماً، كانت ولاتزال تعتبر مخاطرة، إذ أراد أن يصل إلى “وزنه المثالي” الذي يبلغ 180 رطلاً، لذا استمر في الصوم.
مما أثار دهشة أطبائه، أنه مارس معظم أنشطة حياته اليومية من المنزل خلال فترة الصوم، وكان يحضر إلى المستشفى لإجراء الفحوصات الدورية، ويمكث بها طوال الليل.
وكان يُجري قياساً دورياً للسكر في الدم من أجل التأكد من أنه قادر على القيام بوظائفه بشكل أو بآخر، وتبين للأطباء أنه لم يكن يتناول الطعام بالفعل. وتحولت أسابيع الصوم إلى أشهر، كما كان يعاني أيضاً من نقص حاد للسكر في الدم.
تناول باربيري الفيتامينات في بعض الأحيان خلال فترة الصوم، بما في ذلك مكملات البوتاسيوم والصوديوم.
كما سمح له بتناول القهوة والشاي والمياه الغازية، وكلها مشروبات طبيعية خالية من السعرات الحرارية. وقال إنه في بعض الأحيان كان يضع قليلاً من السكر أو الحليب مع الشاي، خاصةً في الأسابيع الأخيرة من صومه.
بلغ وزن باربيري في نهاية معاناته 180 رطلاً. وبعد مرور خمسة أعوام، مازال يحافظ بالكاد على الوزن الذي فقده، إذ بلغ وزنه حينها 196 رطلاً، أي ما يعادل 89 كيلوغراماً.
حدود الجسم البشري
ربما يُعد صوم ذلك الرجل الإسكتلندي هو النموذج الأقصى لحمية الجوع التي سجلت على الإطلاق.
يقال إن شخصاً واحداً على الأقل مكث وقتاً أطول من باربيري، دون تناول الطعام؛ وهو رجل يُدعى دينيس جالر جودوين، والذي ظل مضرباً عن الطعام لمدة 385 يوماً، ليثبت أنه بريء من تهمة الاغتصاب، قبل أن يُجبر على تناول الطعام عن طريق الأنبوب.
لكن النظام الغذائي القاسي الذي اتبعه باربيري، لم يكن مجرد فترة صوم صحي مثيرة للدهشة. ففي عام 1964، نشر بعض الباحثين دراسة تشير إلى أن “الجوع لفترات طويلة” قد يكون فعالاً في علاج السمنة المفرطة، خلال صوم المريض لمدة لا تقل عن 117 يوماً.
لأسباب طبية، تخطى الكثيرون حاجز الـ 200 يوم صياماً، على الرغم من وجود حالة وفاة واحدة بين المرضى على الأقل خلال فترة إعادة التغذية.
بمعنىً آخر، تبين هذه القصة أن القدرة الاستثنائية -في بعض الحالات النادرة- للجسم البشري على التخلص من مخزونه من الدهون، تثبت أن هذا المخزون ما هو إلا فائض إلى حد كبير في المقام الأول.
ومع ذلك، كي لا نقع في الخطأ، هذا النوع من الحميات الغذائية المبالغ فيها قد يسبب الوفاة. إذ أنه لا يمكن لأي شخص أن يظل على قيد الحياة دون طاقة، والتي تأتي من الطعام، وقد تأتي أيضاً من مخزون الدهون، خلال فترة بسيطة من الزمن.
على الرغم من تمتع العلاج “بالجوع” بشيء من الشعبية خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إلا أن الأطباء قد تخلوا عن هذه الاستراتيجية، لأنها كانت أقرب إلى قتل المرضى.
بعد مرور فترة معينة من الزمن، يحرق الجسم الدهون والعضلات، ما يسبب في نهاية المطاف تغيرات جسدية، تزيد بشكل كبير فرص حدوث أزمة قلبية مميتة.
حتى الحميات الغذائية منخفضة السعرات الحرارية التي تمد الجسم بمغذيات غير كافية، قد تسببت في الوفاة، إذ تبين التقارير التشريحية بعض العلامات المميزة للموت جوعاً.
لكن كما تبين من خلال حالة باربيري، فإن السؤال عن الوقت الذي يستطيع الإنسان أن يعيشه دون تناول الطعام، يُعد أمراً معقداً.
قبل تناوله أو وجبة بعد فترة صيامه، قال إنه قد نسي مذاق الطعام. إذ تناول باربيري في طعام الإفطار في ذلك الصباح من شهر يوليو/تموز، بيضة مسلوقة، وشريحة خبز بالزبد، وقدحاً من القهوة الداكنة.
وفقاً لتقرير نُشر في صحيفة Chicago Tribune، أنه قال للصحفي “لقد استمتعت بتناول بيضتي، وأشعر بالتخمة”.