نقلاً عن مغترب سوري :
لفظتها الحياة على الرغم من جاذبيتها، ظلّت معاناتها قاسية بغياب الزوج والولد، وابنة وحيدة متزوجة ولها أربعة أطفال، من زوج سَبَقَ له الزواج بثلاث نساء!
تقضي جلَّ يومها في حل مشكلة ابنها، وتربية أطفال ابنتها الصغار. حيلتها سكن بسيط ودخل، بالكاد، يكفي احتياجاتها، تركض هنا وهناك باحثةً عن عمل يسدُّ رمق هذه اﻷسرة المقهورة، التي تعيش أيامًا ضنكا، وعَوزًا وفقرًا مدقعًا لم يشفع لها يومًا!.
تمكنت أخيرًا، وبعد جهدٍ جاهدٍ، من إيجاد عمل لها وبأجر زهيد، خادمة في أحد بيوت المترفين يساعدها على حل جزء يسير من متطلبات الحياة، هنا في الوﻻيات المتحدة الأمريكية. إنّها سيّدة شابّة في حدود الثامنة والثلاثين ربيعًا، رائعة الجمال، طاغية الأنوثة، زد على ذلك رقّة الصوت، ولياقة الاستقبال.
قرأت كل ذلك في جلسة عائلية بسيطة جمعتنا مع صديق من قرية «جبل المُكبّر» الفلسطينية، وآخر أمريكي من مدينة «دِنْفر» عاصمة ولاية كولورادو، وفتاة شابّة بعمر الورود من كندا، وكنت رابع الحاضرين من الشرق الأوسط.
جمعتنا الصدفة، وكان لقاء محبّبًا استمرّ لفترة زمنية تجاوز الثلاث ساعات، وأضاف عليه صديقي الفلسطيني روحًا مرحة، بحديثه المشوّق، وإسقاطاته (الخبيثة) التي أراد من خلالها أن يقول: «نحن العرب، وبرغم الحاجة والفقر المدقع الذي نعاني منه قياسًا بما أنتم عليه من بذخ أيها الأمريكيون، نظل نمجّد ماضينا التليد، ونحافظ على أصالتنا مهما بعدنا عن الوطن والأهل والأحبّة». تظل هناك أشياء أكثر قربًا للإنسان، وأهمّها روحه الطيبة، وسعادته في العيش في بلده وبين أهله وأصدقائه ومعارفه، وهذه وحدها تكفي في حال أردنا أن نبحث، وبجدية، عن الحياة والاستقرار والأمان والشعور بالراحة، إلى جانب من نحب من أهل وأصدقاء ومعارف، كل ذلك ما يعنيه من استقرار، وإن كانت معيشتنا بعيدة عن أمثال هذه الصور الجمالية، غير متناسين أننا في بلادنا العربية التي ننتمي إليها، هناك ما هو أكثر جاذبية وأجمل وأرقّ بكثير من أمثال هذه الأنثى طاغية الجمال، فضلًا عن الأسرة، و«اللمّة» البسيطة بين الأهل والأحبّة والأصدقاء والمعارف، وكل ما يتعلق بالحياة العامّة التي تحرّك فينا الكثير من المشاعر الفيّاضة والدفء والحنان، وهذا أكثر ما يفتقده المغترب -العربي- بعيدًا عن أهله وبلده، برغم توفّر المال الذي لا أظن أنّه قادر على أن يرسم معالم السعادة وطقوسها التي نفتقدها في الغربة.