ميناء حمد.. رافعة كسر الحصار

حصار من رمل تجرفه المياه القطرية

ميناء حمد: بلدوزر عصري يزيل أنقاض الحصار

خطوط بحرية مفتوحة على القارات وإقفال محكم لموانئ الغدر

رياح التجديد تجري بما لا تشتهي سفن التآمر

بزنس كلاس – محمد مصطفى

لعل أبرز وجوه الحصار الذي ضرب حول قطر من كل الاتجاهات، تجلى في منع وصول شرايين الحياة عبر البحر إلى قطر لقطع أشكال التواصل لاسيما الاقتصادية عنها. لكن الدوحة نجحت بجهود قيادتها الحكيمة وأبنائها الطيبين، مواطنين ومقيمين في الخروج من عنق زجاجة الحصار باستخدام ميناء حمد الذي استحق بجدارة لقب بطل كسر الحصار. فكيف نجح ميناء حمد بوضع حد لهيمنة الموانئ الوسيطة في دول الحصار معلناً النجاح في المهمة التي تم بناؤه من أجلها، أي أن يكون كسر الحصار ليس وليد الصدفة، بل بوابة قطر والمنطقة الاقتصادية الأهم على العالم؟

خلال زمن قياسي تمكنت “موانئ قطر” الشركة المشغلة للميناء العملاق من إطلاق خطوط ملاحية مباشرة مع وجهات قطرية رئيسية استغنت فيها بضربة واحدة عن موانئ دبي وأبوظبي والسعودية الوسيطة، فوفرت على جهتين المال والوقت كما حدث في آخر خط ملاحي الذي وصل كراتشي الباكستانية بالدوحة بشكل مباشر.

خطوط بحرية جديدة

وفي تفاصيل قصة النجاح، أطلقت “موانئ قطر” خلال أول 20 يوم من الحصار خطوط ملاحية جديدة والأهم أنها مباشرة لتربط ميناء حمد بموانئ صحار وصلالة في سلطنة عُمان. إضافة إلى خط ملاحي يربط الدوحة بميناء مدينة أزمير التركية، وخط رابع يصل ميناء حمد بشكل مباشر مع ميناء نافا شيفا الهندي. فيما كان خامس الخطوط الذي أشرنا له سابقاً والذي وصل بين ميناء حمد وميناء كراتشي والذي أعلن عن تدشينه مؤخراً في 15 أغسطس / آب الحالي. وقبل الحصار، شهد ميناء حمد يوم الثلاثاء الثاني من مايو/أيار 2017 تدشين خط بحري مباشر لتحالف (Ocean Alliance) المصنف كأكبر تحالف بحري في العالم، الذي يضم خمس شركات من كبريات الشركات العاملة في مجال الشحن والنقل البحري بأسطول يزيد على 350 سفينة وقدرة استيعابية تتجاوز 3.5 ملايين حاوية نمطية. وكانت الشركة القطرية لإدارة الموانئ (موانئ قطر) دشنت أول خط نقل بحري مباشر بين الدوحة ومدينة شنغهاي الصينية أواخر يناير/كانون الثاني 2017، مما يختصر زمن الرحلة بين الدولتين إلى عشرين يوما. الخطوط الحالية بالإضافة إلى بعض الخطوط السابقة التي لا تزال تعمل، تؤمن للدوحة اتصال مباشر مع شركائها الاقتصاديين الرئيسيين دون الحاجة نهائياً لأي من موانئ الإمارات العربية المتحدة أو السعودية الوسيطة. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالخطوط الجديدة هذه وفق رؤية “موانئ قطر” تأتي ليس كرد فعل على الحصار بمقدار ما هي إعلان ولادة ميناء يعتبر بين الأكبر في المنطقة والعالم وأن الأزمة لم تكن سوى مصادفة حدثت بغير وقتها، قبيل وضع ميناء حمد على سكة كسر احتكار موانئ دبي وأبوظبي للملاحة البحرية في الخليج العربي، وإعلان قيامة مرفأ بحري قادر على استيعاب ملايين الأطنان من حمولات آلاف السفن من مختلف الأحجام سنوياً والتعامل معها بمنتهى الاحترافية والسرعة المطلوبتين في أي ميناء بالعالم. إضافة إلى مسالة مهمة أيضاً وهي تحويل ميناء حمد إلى مركز لإعادة الشحن في المنطقة برمتها.

مباشرة من المصدر
على سبيل المثال، يعزز الخط الملاحي الجديد مع كراتشي الأهداف الرامية لاستقلال ميناء حمد من خلال استقبال الحاويات والبضائع من مصادرها مباشرة، ويساهم في توفير حلول سريعة ومضمونة للمصدرين والموردين من قطر وباكستان، فضلا عن تقليص الوقت المستغرق لوصول الحاويات ليصبح 6 أيام من ميناء حمد إلى كراتشي و 8 أيام في العودة. وهذا الأمر ينطبق على كل الخطوط الجديدة سواء مع تركيا أو سلطنة عُمان أو الهند. وتعتزم “وان هاي” و”سيماتك” المشغلتين للخط الجديد، تشغيل سفينتين على الخط الجديد بواقع سفينة واحدة لكل شركة وبحمولة إجمالية تبلغ 1200 حاوية نمطية قياس 20 قدم لكل سفينة. وبفضل انتشار خدماتها والتي تشمل موانئ عديدة في آسيا وأوروبا وأميركا سيكون بإمكان المصدرين والموردين شحن بضائعهم من وإلى دولة قطر عبر كراتشي بشكل اسبوعي وبدون توقف.

يذكر بأن “وان هاي” تأسست في العام 1965 وتصنف اليوم ضمن أفضل الخطوط الملاحية على مستوى العالم. وتوفر الشركة خدمات نقل الحاويات حول العالم من خلال سلسلة موانئ تغطي الصين، وتايوان، وكانتو وكانساي باليابان، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، واندونيسيا، والفلبين، وسنغافورة، وماليزيا، وهونغ كونغ، وفيتنام، والهند، وباكستان، وسريلانكا، ومنطقة الشرق الأوسط، والولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وبلجيكا، وألمانيا، ورومانيا، وأوكرانيا، وتركيا، وغيرهم. أما شركة سيماتك للشحن فقد تأسست في العام 1992 وهي متواجدة في شبه القارة الهندية والشرق الأقصى وشرق أفريقيا بالإضافة إلى منطقة الخليج.

خط الدوحة- طوكيو
لكن يبقى خطوط جديدة في الأفق يجب على “موانئ قطر” اخذها بعين الاعتبار والتفكير بفتحها بشكل جدي. فعلى سبيل المثال يبلغ التبادل التجاري بين قطر واليابان ما يعادل 3.2 مليار ريال في يونيو / حزيران الماضي, هو أكبر بكثير من حجم مبادلات قطر مع دول الخصار الأربعة مجتمعة. لذلك فإن الاتصال بخط ملاحي مباشر مع طوكيو أمر يبدو مناسباً باعتبارها واحدة من أهم شركاء الدوحة التجاريين ومن بين أهم زبائن الغاز القطري المسال. كذلك يجب التفكير بخط ملاحي يربط الدوحة بالصين بغض النظر عن شنغهاي، حيث يوجد مراكز تجارية بحرية على غاية من الأهمية في الساحل الجنوبي للصين يمكن الارتباط بها بخطوط شبه مباشرة مثل ميناء مدينة تشوانتشو، إضافة للاتصال مع هونج كونج نظراً لما لهذا الخط من تأثير كبير على تحويل مجرى التدفق التجاري للبضائع في المنطقة بشكل عام وفي قطر بشكل خاص. ميناء حمد.. حقائق وأرقام طبعاَ كل ما سبق يحتاج إلى إمكانيات واحتمالات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، إلا أن أهم نقطة في الأفكار السابقة تتجلى بقدرة ميناء حمد على استيعاب نشاط تجاري كبير بهذا الحجم. فهل يملك الميناء هذه الإمكانيات حالياً وهل هناك عمليات توسيع مستقبلية سوف تلحظ هذا الأمر بعين الاعتبار؟ فما هي إمكانيات ميناء حمد ولماذا هو مؤهل ليكون قلب الحركة الملاحية والتجارية بالمنطقة؟ أعلن عن افتتاح ميناء حمد رسمياً في ديسمبر / كانون الأول 2016. وتم تجهيز الميناء الذي تم بناءه في منطقة مسيعيد جنوب البلاد، بـ 8 رافعات من السفن إلى الرصيف، تستطيع الرافعة الواحدة حمل ثمانين طنا، أو حاويتين طول الواحدة 40 قدما في الوقت نفسه؛ حيث استقبل في 19 يوليو/تموز 2015 أول سفينة تجارية وعلى متنها الشحنة الأولى من رافعات حاويات الميناء وتتألف من أربع رافعات حاويات من السفن إلى ساحة الميناء وثماني رافعات جسرية ذات الإطارات.

رافعات متنوعة

وفي 13 أغسطس/آب 2015، استقبل ثاني سفينة تجارية وعلى متنها الشحنة الثانية من رافعات الميناء، التي تتألف من عشر رافعات، منها أربع رافعات حاويات من على ظهر السفن إلى الميناء (STS)، وست رافعات جسرية ذات الإطارات (RTG)، ووصلت الشحنة الثالثة في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015. وسيتم تجهيز الميناء في المجمل بعدد 12 رافعة من السفن إلى الرصيف، وهناك أيضا رافعات جِسرية مطاطية لخدمة الحاويات وعدد من الرافعات المتحركة والرافعات الشوكية وزوارق القطر وزوارق الإرشاد وزوارق رسو السفن. يمتد ميناء حمد على مساحة 26 كيلومترا مربعا، وبتكلفة إجمالية تصل إلى 27 مليار ريال (7.4 مليارات دولار)، ويبلغ طوله أربعة كيلومترات، بعرض سبعمئة متر، وبعمق يصل إلى 17 مترا، وهي مقاييس ومواصفات تجعله قادرا على استقبال أكبر السفن في العالم. وتصل القدرة الاستيعابية لميناء حمد إلى ستة ملايين حاوية في العام الواحد، ويحتوي على محطة للبضائع العامة بطاقة استيعابية تبلغ 1.7 مليون طن سنويا، ومحطة للحبوب بطاقة استيعاب تبلغ مليون طن سنوياً، ومحطة لاستقبال السيارات بطاقة استيعاب تبلغ خمسمئة ألف سيارة سنويا، ومحطة لاستقبال المواشي، ومحطة لسفن أمن السواحل، ومحطة للدعم والإسناد البحري.

موانئ متكاملة الخدمات
كما يضم منطقة للتفتيش الجمركي لسرعة تخليص البضائع وبرج للمراقبة بطول 110 أمتار، ومنصة لتفتيش السفن ومرافق بحرية متعددة، وعددا من المرافق الأخرى مثل المستودعات والمساجد والاستراحات وكذلك منشأة طبية، كما يحتوي الميناء على المباني الإدارية اللازمة لتشغيل الميناء. وتم إنشاء منطقة اقتصادية متاخمة لميناء حمد في إطار سعي دولة قطر لزيادة صادراتها غير النفطية وإنشاء صناعات تحويلية. وسيعمل الميناء من خلال المنطقة اللوجستية المتكاملة على ربط قطر بشبكة السكك الحديدية بدول الخليج، وأما شبكة الطرق السريعة التي يتم إنشاؤها فستعمل على خفض تكلفة نقل البضائع مما سيجعل الميناء مركزا إقليميا للشحن. أخيراً، صحيح أن ميناء حمد يملك كل الإمكانيات ليكون أكبر بوابة تجارية في الخليج على العالم لكن أهم ما يحتاجه وهو متوفر ويتم العمل عليه يومياً هو الإرادة اللازمة للقيام بأعباء هذا الواجب الضخم وبذل كل ما يمكن من جهد بشري وفكري باجتهاد ومواظبة حتى نتمكن من استثمار ميناء بهذا الحجم العملاق بما يتناسب مع حجمه من جهد وعطاء واجتهاد، فهذا المشروع الذي يعتبر بوابة قطر على العالم يجب العمل عليه كأننا نعمل على تطويع الفولاذ القاسي ليكون درعاً لنا بدل أن يكون سلاحاً بيد خصمنا، واجتراح المعجزات الاقتصادية من خلال الاستثمار الأفضل لهذا المرفق الاقتصادي العملاق ليس كحالة وطنية بل إقليمية ودولية شأنه شأن مونديال قطر 2022 إنما بفارق بسيط أن نهاية الأمر في المونديال ستكون مع صافرة حكم المباراة النهائية، بينما صفارات سفن ميناء حمد يجب أن تبقى تشق هدوء الليل والنهار في ورشة عمل مستمرة تحاكي قصة صناعة الأمل في قطر المستمرة طالما فينا قلب ينبض.