يتباهى عدد من الكويتيين بتربية الفهود المفترسة غالية الثمن كحيوانات أليفة في منازلهم الفاخرة، فيما تنتشر صور مقتني الفهود على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن بين مقتني الفهود، اشترت الكويتية البالغة من العمر 32 عاماً شهد جابر التي يتابعها أكثر من 15 ألفاً على إنستغرام، الفهدَين مارك وشهد من خلال شبكة غير مشروعة هرّبتهما من أفريقيا في نيسان/ إبريل من العام 2013 وشباط/ فبراير 2014، مقابل 3000 دولار لكل واحدٍ منهما على الأقل.
وتزعم جابر التي تفتخر بامتلاكها الفهدين خلال منشوراتها على إنستغرام أنها تنفق ما معدله 350 دولارًا شهريًا لرعايتهما وإطعامهما، بينما تعتبرهما كـ”أطفالها”.
وتقر الفتاة العزباء التي تعيش وحدها مع فهودها أنه من الصعب العثور على رجل يشعر بالارتياح وسط تجوال الحيوانات البرية بحرية في أرجاء المنزل، أو مشاهدة التلفاز معهم، وهي تحتفظ برفقائها في قفص في معظم الأحيان لكنها تتركهم ليجولوا بحرية داخل المنزل يومياً لبعض الوقت.
وقالت: “لا تزال والدتي تخشى المجيء لزيارتي”، لكن من الواضح أن جابر لا تشعر بذرة خوف من حيواناتها المفترسة.
وأشارت إلى أنها معتادة على التواجد حول حيوانات برية حيث تعلمت كيف تعتني بحيواناتها الأليفة نظراً لامتلاك العديد من أصدقائها أسوداً، وذكرت جابر أنهم يشبهون القطط وأنها عادةً ما تطعمهم الدجاج.
وعلى صعيد متصل، يقول الطبيب النفسي عدنان الشطي: “يحب الكثير من الأشخاص هنا التحديات، وهم لا يرغبون بامتلاك حيوان أليف تقليدي بل حيوان مذهل يقاومهم. الأمر متعلق أيضاً برغبتهم بالظهور بشكل مختلف عن الأشخاص العاديين”.
وأضاف إنهم يفكرون أنهم “إن استطاعوا التعامل مع كائن مماثل فإن هذا يعني أنهم متفوقون”. وقال: “تسود في الكويت ثقافة غياب التشريعات”.
واسطات.. وتحرك سريع
في حين أن امتلاك حيوانات برية يعد غير قانوني في الكويت إلا أن جابر لا تخشى من السلطات لامتلاكها واسطة. فتقول: “هذا مهم للغاية في الكويت. إن كنت تملك أحدًا في منصب جيّد، عندها سيقوم هو بحمايتك”.
واستذكرت جابر حادثة وقعت في كانون الثاني/ يناير 2017 بينما كانت في مصر من أجل الحصول على درجة الماجستير، حيث طلبت من أحد أصدقائها الاعتناء بفهودها إلا أن حريقاً نشب في الشقة وشاهدت فرق الإطفاء الحيوانات البرية وأبلغت الشرطة بوجودها.
وأطلعت جابر موقع “ميدل إيست آي” أنها عندما “اتصلت بشرطي ذي رتبة عالية في مركز الشرطة في المنطقة وطلبت منه استبدال كلمة ” فهد” بـ”قطط كبيرة” في الشكوى، وأكدت أنه “من الضروري التحرك بسرعة في مثل هذه الحالات حتى تنجح الواسطة”.
شبكة تهريب
اشترت جابر الفهدين عندما كانا يبلغان من العمر بضعة أشهر فقط من خلال دائرة تهريب نشطة في مطار الكويت الدولي.
وكشف موظف يعمل في إدارة المطار، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لموقع ميدل إيست آي أنه “يكفي أن تذكر على الصناديق أنها قطط وتدفع بعض المال لأشخاص أعرفهم. الأمر سهل بالنسبة لي لأنني أعمل هناك وأعلم من سيأخذ المال. أنا أقدم لهم ما بين 500 إلى 1000 دينار كويتي للسماح للحيوانات غير المشروعة بالدخول للبلاد”.
ورداً على هذه الادعاءات، قال متحدث باسم المطار في بيان له إن “الأمر قيد التحقيق” ولكن نظراً إلى أن الاتهامات هائلة، لا يمكن الإجابة “قبل التحقق من جميع الجوانب”.
وقامت باتريشيا تريكوراك، المديرة المساعدة لصيانة لمؤسسة الحفاظ على الفهود في الحياة البرية من التجارة غير المشروعة بتحقيقات طويلة حول تهريب الفهود عبر شبه الجزيرة العربية. ووفقًا لتقديراتها فإن 300 فهد يافع يرسلون بشكل غير قانوني كل عام من إثيوبيا والصومال وشمال كينيا للمرور عبر اليمن قبل التوجه إلى الكويت أو دول خليجية أخرى.
وفي جميع أنحاء العالم، يمثل الاتجار بالحياة البرية، بعد المخدرات والبشر والأسلحة، رابع أكثر تجارة تهريب مربحة، تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار دولار.
فهود في صناديق
في حي قريب من مطار الكويت الدولي، يقف رجلان على سطح منزل عائلي على ارتفاع عدة طوابق بجانب قفص حيث يعيش فهد ذكر. أحدهما هو مالك الفهد أبو مبارك الرشيدي، بينما الثاني هو صديقه الذي يعد واحدًا من الوسطاء في قطاع الإتجار بالحيوانات البرية والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.
يشرح الرجل كيف يتم تهريب الحيوانات الغريبة إلى الكويت: “إذا رأى الناس في المطار أنهم فهود، يمكن أن تتكون لدينا العديد من المشاكل، ولكن إذا ذكرت” قط كبير “على الصندوق وتدفع المال للشخص المناسب تكون الأمور جيدة ، ومن الأسهل إحضارهم عبر الطائرات من إحضارهم براً عبر المملكة العربية السعودية”.
يعرض الرشيدي بفخر صورة لأربعة فهود صغيرة مخزنة في صندوق من الورق المقوى على هاتفه الذكي تم نقلها من الصومال إلى الكويت عبر اليمن دون الإمساك بها.
وأوضح أن القوانين الجمركية في اليمن والصومال الممزقتين بالحرب غير متشددة.
وقال: “استقليت طائرة للذهاب إلى اليمن، ثم طرت من اليمن إلى الصومال، حيث اشتريت الفهود، ثم عدت معهم بالطائرة. وهناك نقص في التشدد الجمركي في هذين المطارين. ثم من اليمن انتقلت من خلال المملكة العربية السعودية بالسيارة إلى الكويت، هذه الطريق ذات جدوى اقتصادية”.
ثم فتح الرجل القفص وجلس بالقرب من فهده وقال “أحب إعطاء بعض الشوكولاتة والفيتامينات المكملة للقطط أيضًا، الفهود تعشق ذلك، كما أنني أعطيهم البوظة من أجل تنشيط دورتهم الدموية”.
قانون غامض وفضفاض
تتولّى شريفة السالم، التي تعمل في قسم المحافظة على التنوع البيولوجي في الهيئة العامة للبيئة في الكويت، مسؤولية تنفيذ معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض في الكويت .
ويبدو القانون الكويتي الذي يمنع ملكية الحيوانات البرية غامضًا وفضفاضًا ويفتقر إلى عقوبات صارمة ضد الجناة. وتنص المادة 100 من قانون حماية البيئة في دولة الكويت على ما يلي: “يحظر صيد أو قتل أو إمساك أو جمع أو إيذاء أو حيازة أو نقل الكائنات البرية والبحرية البرية سواء أكانت حية أم ميتة”.
وقالت السالم إنهم اقترحوا إصدار قوانين أكثر صرامة بشأن امتلاك الحيوانات البرية في الكويت في كانون الثاني/ يناير دون توضيح بنود مشروع القانون. لكن لم يوافق البرلمان الكويتي على مشروع القانون بعد.
كارثة على وشك الوقوع
في نهاية العام 2014، قام أسد يملكه أحد أشهر مالكي الحيوانات الغريبة بالتهجم على خادمة فلبينية توفيت متأثرة بجراحها بعد بضعة أيام، وأثارت وفاتها غضبًا واسعا في الكويت.
ويدعي محمد، وهو صديق لصاحب عمل الخادمة، أنه أخفى الأسد المعني في منزله بعد وقوع الحادث. وبسبب هذه الفضيحة، ضغطت السلطات على شقيقه وأبيه لتسليم الأسد. ووفقاً لما ذكره محمد، أخذ الأسد من منزل صديقه وأطلق النار عليه في الصحراء لأنه كان يخشى من توريط نفسه بإعطاء الأسد إلى السلطات.
وقال محمد: “لم يأخذه إلى مركز الشرطة لأن أحد معارفه في الشرطة أخبره أنه إذا فعل ذلك فسيعطي الشرطة سلاح القتل، ثم ذهب بعدها إلى الصحراء وقتل الأسد”.
وشعر محمد وهو مالك لسبعة أسود، ونمر وجاكوار بالخوف ونظم نقل الحيوانات الغريبة إلى ممتلكاته في الإمارات العربية المتحدة المجاورة. فقال: “أخرجتهم من البلاد واحداً تلو الآخر من خلال المملكة العربية السعودية وفوق الحدود مع الإمارات العربية المتحدة، وجعلتهم ينامون باستخدام بعض الكلوروفورم، وعلى الأقل لديهم هناك مساحة كبيرة للحركة مع وجود الغزلان يمكنهم اصطياد طعامهم بأنفسهم”.
ومن المعروف أن الكويت والدول الخليجية المجاورة تروّض الحيوانات البرية لتصبح حيوانات أليفة كما تم رصد بعضها تمشي في الخارج وسط المدن الكبيرة. وفي العام الماضي، رُصد نمر يتجول في الطريق السريع في العاصمة القطرية الدوحة.
وفي كانون الثاني/ يناير، حظرت الإمارات العربية المتحدة الملكية الخاصة للحيوانات البرية الغريبة، بما في ذلك الفهود والنمور. وتشمل العقوبات المفروضة على المخالفين السجن لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة تصل إلى 136ألف دولار.
في تشرين الأول/ أكتوبر، تمت مشاهدة خمسة نمور عبر شريط فيديو وهي تمشي على الشاطئ بالقرب من فندق برج العرب بدبي.
وتشعر الناشطة في مجال حقوق الإنسان حنان الصراف البالغة من العمر 39 عاماً بالإحباط إزاء هذا الوضع، فتقول: “أنا لا أعرف كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يستمروا في نشر صور عبر إنستغرام لحيواناتهم الغريبة دون التورط مع السلطات، لقد سلمت لهم العديد من الحالات مع عناوين وأرقام هواتف مالكيها وغيرها من المعلومات، ولكن السلطات لم تتصرف بناءً على ذلك” مشيرة: “أعتقد أن الأمر سيتطلب وقوع كارثة جديدة حتى تستيقظ السلطات”.