قطر قطبًا للتعليم العالي والبحث في الشرق الأوسط

جودة النظام أولوية و”التقطير” لتولي الأدمغة الوظائف السامية

تنمية الدولة هدف أعلى والكوادر البشرية جسر رابط

تطور جامعة قطر نموذج مثالي للانفتاح واستيعاب الجديد

الاختصاصات الجامعية وسوق العمل خطان متقاطعان في السياسة التعليمية

 

الدوحة- بزنس كلاس

لطالما عولت الإصلاحات التنموية البشرية القطرية على التعليم العالي المحلي لإنجاح سياسة “التقطير” المتمثل بإعداد الطلاب المواطنين للاندماج بشكل أفضل في سوق العمل وبالتالي القدرة على تولي الوظائف السامية التي تتطلبها تنمية الدولة، ومع أن تحقيق هذا الهدف كان ولم يزل من مهام مشروع المدينة التعليمية، فإن هذا الاجتهاد جعل قطر تنظر لما بعد مرحلة استيراد جزء من قدراتها التعليمية، لاسيما أن الاستثمارات في القطاع لم تك تعطي أُكلها المنتظر نظرًا لأن نسب التمدرس واصلت انخفاضها في جزء معتبر من العقد الماضي.

ومع إصدار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد القرار الأميري رقم (19) لسنة 2017 بإعادة تنظيم كلية المجتمع في قطر الذي يعيد تنظيم كلية المجتمع تكون جوانب الحسم في هذا المجال قد قطعت في طريق الوصول بالمؤسسة التعليمية إلى مصاف مؤسسات التعليم العالي النظيرة لها، ومنح درجة البكالوريوس، وفتح تخصصات جديدة تخدم سوق العمل.

توصيفات وحقائق

والكلية – حسب القرار- هيئة مستقلة ذات طابع أكاديمي للتعليم الجامعي والأكاديمي والتقني والتطبيقي، ولها شخصية معنوية، وموازنة تُلحق بالموازنة العامة للدولة، ويكون مقرها مدينة الدوحة. ويجوز إنشاء فروع أخرى للكلية بقرار من مجلس أمناء الكلية بناء على اقتراح رئيس الكلية. ولهذا كانت المقاصد تسير في سياق منهج إعداد كوادر متخصصة فنية مدربة تدريباً أكاديمياً وعملياً في التخصصات التي تفي باحتياجات المجتمع وسوق العمل.

وهنا تأتي الحلول الاستراتيجية جلية عند صانع القرار الذي يرى بإعداد خريجين من حملة درجة الدبلوم المشارك مؤهلين لاستكمال درجة البكالوريوس بالكلية أو لدى الجامعات المختلفة رؤية ضرورية ولاسيما في ظروف الحصار والتحديات التنموية القادمة، وهذا ما ينطبق على البعد المرتبط بإعداد خريجين من حملة درجة البكالوريوس مؤهلين مباشرة للالتحاق بسوق العمل وطرح برامج التعليم المستمر والبرامج التطبيقية حسب حاجة القطاعين العام والخاص.

رسائل ومضامين

ولا يختلف اثنان على أن التعليم العالي في دولة قطر تطور بفضل إنشاء مدارس متخصصة ومدارس فنية(14) وجامعة قطر التي باتت تضم سبع كليات. لكن المشكلة المزمنة في أن نسبة التمدرس على مستوى التعليم العالي في الدولة تتسم بالضعف حيث لم تزد على 13% عام 2008(15) و10% عام 2010. وهكذا نلاحظ أن النسبة في تناقص مع أنها ارتفعت من 5،4%  عام 1976 إلى 4،26%  عام 1999(16) بفضل عدة برامج اعتمدتها الحكومة لترقية التعليم العالي في الدولة.

ولأن الاستثمارات في القطاع مازالت قيد النماء فإن المضامين والرسائل لم تعط بعد أُكلها المنتظر نظرًا لأن نسب التمدرس واصلت انخفاضها في جزء معتبر من العقد الماضي، بينما يعكس ارتفاع نسبة التسرب المدرسي في نظام التعليم العالي وجود سوق عمل جذاب بالنسبة لجزء من الأجيال الشابة (وخاصة البنين حيث تمثل البنات نحو 70% من مجمل الطلاب في سلك التعليم العالي).في وقت لاحظت العديد من الدراسات وجود فارق بين مجمل التخصصات التي يوفرها التعليم العالي وبين متطلبات سوق العمل.

المواطن وسوق العمل

وللعلم كانت جامعة قطر في الأصل عبارة عن كلية للتربية تم افتتاحها عام 1973 قبل أن تتوسع عام 1977 لتصبح جامعة. وفي عام 2003 لجأت قطر مجددًا إلى معهد رند لإصلاح جامعة قطر، وكان الأمر يتعلق أساسًا بمنح المؤسسة استقلالية أكبر، خاصة من خلال إنشاء مجلس للجامعة ولا مركزية إدارية، وتوحيد الكليات، وإدماج البحث، واعتماد برامج تخطيط أكاديمي. ويضاف إلى كل هذا، كما هو الشأن بالنسبة للتعليمين الابتدائي والثانوي، إصلاح تسيير الموارد البشرية مع احتساب جزء من أجور العمال على أساس أدائهم، وإرساء نظام صارم للقبول، وإنشاء مصالح أكثر لخدمة الطلاب.

وبفضل هذه الإصلاحات تعول قيادة البلاد  على التعليم العالي المحلي لإنجاح سياسة “التقطير” أي لإعداد الطلاب المواطنين للاندماج بشكل أفضل في سوق العمل والقدرة على تولي الوظائف السامية التي تتطلبها تنمية الدولة، وكان تحقيق هذا الهدف من مهام مشروع المدينة التعليمية، وبموجبه أصبحت قطر تستورد جزءًا من قدراتها التعليمية. وقد احتضن هذا المشروع منذ عام 1995 مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي تبنت سياسة تحفيزية لاستقطاب جامعات أجنبية. ولهذا الغرض أُنشئت بنية تعليمية خاصة وظيفتها استضافة مؤسسات أجنبية لسد النقائص التعليمية المحلية.

وتعتبر كل هذه المؤسسات، وفق التصنيفات الدولية، من أكبر جامعات البحث العالمية (باستثناء كلية الدراسات التجارية العليا HEC، وهي مدرسة تجارية فرنسية تقع ممثليتها في مركز الأعمال بالدوحة). ويتيح مثل هذا العرض التعليمي فرصة الحصول على هيئات جذابة لتكوين الطلاب المواطنين والمقيمين وكذلك الإقليميين، كما أنه يعتبر دافعًا للبحث والتنمية في مجالات تعتبر استراتيجية بالنسبة للإمارة.

جودة التعليم أولوية 

وتدرك قطر أن استيراد بنى تعليمية أجنبية يمكّنها من تفادي البناء البطيء لقدراتها التعليمية الذاتية مع إمكان تحويل جزء من الخبرة المستوردة إلى النظام العمومي المحلي وخاصة جامعة قطر. وفي المحصلة فإن التجمعات الجامعية تهدف إلى جعل قطر قطبًا للتعليم العالي والبحث في الشرق الأوسط، بل إن بعض الطلاب الدوليين أصبحوا يتوافدون على الدولة لمتابعة دراساتهم العليا على أراضيها.

وبناء عليه تتبنى السلطات القطرية منذ نحو عشرين عامًا خيارًا مؤداه أن جودة نظام التعليم القطري تشكّل أولوية بالنسبة للدولة؛ ولهذا شرعت قطر منذ عام 1995 في تنفيذ إصلاحات -وسّعتها على نطاق واسع في بداية عقد الألفين- لضمان إجراء التعديلات الأساسية على نظامها التعليمي. وكانت هذه الإصلاحات في مجملها ذات فاعلية حيث استهدفت النظام بمختلف مراحله – من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي – وحظيت بدعم نخب الدولة وعلى أعلى المستويات، كما استفادت من خبرة دولية رفيعة المستوى.

وتصبو دولة قطر، من خلال هذه الإصلاحات، إلى أن تحقق قبل حلول عام 2030، تغييرًا في بنية البلاد الإنتاجية وتنمية خبرة محلية استراتيجية. وبواسطة تعليم أفضل تطمح البلاد إلى تحقيق تغييرات مجتمعية و”تقطير” سوق العمل. وأخيرًا، تتطلع الإمارة إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للتعليم العالي والبحث.

تحديات معلّقة

ورغم ما أُحرز من تقدم كبير فهناك تحديات كثيرة؛ فعدد سكان قطر يواصل الازدياد بوتيرة عالية، بينما سيتواصل ارتفاع نصيب السكان الوافدين إلى غاية 2020. وتؤدي هذه العوامل إضافة لارتفاع مستوى المعيشة(19) إلى زيادة الطلب لتوفير تعليم جيد في قطر. وتعني هذه الزيادة بدرجة أولى القطاع الخاص الذي ينتظر أن يزداد عدد العاملين فيه. وستمس هذه الزيادة بشكل خاص التعليم ما قبل الابتدائي والتعليم العالي. وفي هذا النطاق تمثل زيادة أعداد الطلاب تحديًا لأن شح المدرسين المختصين لا يسمح بمواكبة تلك الزيادة؛ ولهذا يعتبر اكتتاب وتكوين مدرسين بنوعية جيدة وبعدد كاف تحديًا حقيقيًا في مهنة تهيمن عليها النساء.

وبالتالي ستبقى نسبة التمدرس في قطاعي التعليم ما قبل الابتدائي والعالي ضعيفة في الدولة رغم هذه الزيادة، وخاصة لدى الرجال، وهو ما يعكس استمرار عدم مواكبة الاختصاصات التي درسها المتخرجون مع حاجات سوق العمل (بالنسبة للتعليم العالي). ولن يسهم هذا الأمر في الحد من فوارق النجاح بين التلاميذ حسب مجموعاتهم الاجتماعية أو أصولهم (بالنسبة للتعليم ما قبل الابتدائي).

 

السابق
جون جوزيف دور مدير المزرعة لـ “بزنس كلاس”: ٣ بليون ريال قطري حجم استثماراتنا الحالي والقادم مبشر
التالي
قطر تهزم أحلام المتآمرين وتقلب السحر على الساحر