قطر.. فائض محتمل بشكل قوي في الموازنة الجديدة

في إطارت متابعة روؤية قطر الوطنية 2030 وتحويل الاقتصاد استراتيجيا إلى اقتصاد متنوع المصادر، حققت الدوحة إنجازات مهمة وكبيرة على الصعد الاقتصادية في العام 2016 رغم تراجع أسعار النفط الحاد هذا العام وكانت من الاقتصاديات القليلة التي تمكنت من تجنب انتكاسة اقتصادية قوية نتيجة الهبوط الحاد بأسعار حوامل الطاق دولياً. وسجل المتابع لتطور الموازنة العامة لدولة قطر الملاحظات التالية:

أولاً: يلاحظ بشكل عام، استمرار تكامل وترابط تلك الموازنة، مع رؤية قطر الوطنية 2030 من جهة، واستراتيجية التنمية الوطنية الخمسية.

ثانياً: يلاحظ وجود عجز بإجمالي الإيرادات مقابل إجمالي المصروفات مقداره 28.3 مليار ريال قطري.

ثالثاً: يلاحظ تراجع مخصصات الباب الأول (الرواتب والأجور)، ومخصصات الباب الثاني (المصروفات الجارية)، مقابل زيادة مخصصات الباب الثالث (المصروفات الرأسمالية) ومخصصات الباب الرابع ( المشروعات الرئيسية).

رابعاً: ويلاحظ على وجه الخصوص، اعتماد متوسط سعر برميل النفط عند مستوى 45 دولارا، كأساس لاحتساب الإيرادات العامة.

خامساً: يلاحظ ارتفاع إجمالي الإيرادات العامة بنسبة 9 % بالمقارنة مع العام 2016. وذلك على الرغم من تراجع متوسط سعر برميل النفط، كأساس لحساب الإيرادات العامة، بنسبة 30.8 %.

وسنبحث في ما يلي تلك الملاحظات تباعاً، بما فيها التساؤل عن مبررات تلك الافتراضات وواقعيتها:

1 – لقد استندت الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2017، إلى مجموعة من الأسس المحورية. تنطلق تلك الأسس من رؤية قطر الوطنية 2030، واستراتيجية التنمية الوطنية الخمسية.

حيث تقوم رؤية قطر الوطنية 2030 على أربع ركائز مترابطة، تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. وتشكل تلك الركائز الاستراتيجية التنموية لدولة قطر. وهذه الركائز هي التنمية البشرية، التنمية الاجتماعية، التنمية البيئية والتنمية الاقتصادية. ومن أهم تلك الركائز التنمية الاقتصادية، التي تعتبر مقدمة وشرطاً لازماً لتحقيق الركائز الأخرى، والتي تهدف إلى تنمية اقتصاد متنوع الأنشطة ومصادر الدخل، واقتصاد تنافسي قادر على تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع من السلع والخدمات، وإلى تأمين مستوى معيشي مرتفع حاضراً ومستقبلاً. وبالتالي تعزيز مكانة الاقتصاد القطري ليصبح واحداً من أقوى اقتصادات العالم.

كما جاءت استراتيجية التنمية الوطنية، لتبين الخطوات العملية لتحقيق النمو والازدهار المستدام، وبناء دولة مزدهرة وعصرية. وذلك من خلال إعداد سياسات وبرامج وطنية وقطاعية لتحقيق الرؤية وجعلها واقعاً ملموساً.

وقد أظهرت أبواب الموازنة، بما فيها حجم الانفاق على المشاريع العامة، التكامل والترابط ما بين الموازنة من جهة، ورؤية قطر الوطنية 2030 واستراتيجية التنمية الوطنية من جهة أخرى. حيث ارتفعت مخصصات المصروفات الرأسمالية بنسبة 16.2 %، كما ارتفعت مخصصات المشروعات الرئيسية بنسبة 2.6 %.

كما أظهرت أبواب الموازنة أيضاً، بما فيها حجم الانفاق على المشاريع الرئيسية العامة، البالغ 90.8 مليار ريال قطري، هذا بالإضافة إلى التركيز على تنفيذ المشاريع الرئيسية في قطاعات الصحة والتعليم، ذلك الترابط والتكامل.

2 – على الرغم من وجود عجز بإجمالي الإيرادات، مقابل إجمالي المصروفات، مقداره 28.3 مليار ريال قطري، كما سبق وأسلفنا. فإن هذا العجز:

أ – قد سجل تراجعاً معتبراً، عن العجر في موازنة العام 2016، البالغ 46.5 مليار ريال قطري، أي بنسبة تراجع مقدارها 39.1 %.

ب- في رأينا هو عجز نظري، من المحتمل أن يزول، أو أن يتحول إلى فائض نظراً للتقديرات الواقعية والمتحفظة، التي استند إليها واضع الميزانية باعتماد متوسط سعر برميل النفط عند مستوى 45 دولارا، كأساس لاحتساب الإيرادات العامة. وذلك على الرغم من كون أسعار النفط في الأسواق العالمية حالياً فوق ذلك المستوى، وإحتمال أن تتراوح الأسعار ما بين 50 – 60 دولار خلال العام 2017.
الجدير بالذكر، أن وجود العجز في الموازنة العامة لأي دولة، تشهد نهضة اقتصادية وعمرانية شاملة وغير مسبوقة كدولة قطر، يعتبر من الأمور الاعتيادية، وليس استثناءً من القاعدة.

3 – في الوقت الذي تراجعت فيه مخصصات الرواتب والأجور والمصروفات الجارية، فإنه يلاحظ زيادة مخصصات المصروفات الرأسمالية بنسبة 16.2 %، والمشروعات الرئيسية بنسبة 2.6 %. هذا مما يؤكد على عزم والتزام دولة قطر بالتنمية المستدامة والرغبة في مواصلة السير على طريق التنمية الشاملة والنهضة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية. وضمان الفوائد الملموسة ليس فقط للجيل الحالي، إنما الحرص أيضاً على ضمان الفوائد والمنافع للأجيال القادمة. بما فيها الالتزام بتنفيذ المشاريع الرئيسية المتزامنة مع تحول دولة قطر إلى مقصد للأنشطة العالمية، وخاصة مشروع الريل، والمشاريع ذات الصلة باستضافة كأس العالم 2022.

كما أن من شأن تراجع أوجه الإنفاق آنفة الذكر، ووجود العجز، أن يحول الموازنة العامة لموازنة أداء، لا تقتصر على مجرد عرض لنشاط أجهزة الدولة ومؤسساتها، إنما لتكون أيضاً أداة لقياس وبيان مدى الكفاءة في الإنفاق العام، وخاصة فيما يتعلق بترشيد المصروفات الجارية والتشغيلية، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة للدولة.

4 – يشير ارتفاع إجمالي الإيرادات العامة، من 156 إلى 170.1 مليار ريال قطري، أي ما نسبته 9 %، على الرغم من تراجع سعر برميل النفط المعتمد كأساس لاحتساب الإيرادات العامة، إلى نجاح دولة قطر في تحقيق هدفها الاستراتيجي في تنويع مصادر الدخل الوطني. حيث من المتوقع أن يكون جزء كبير من الإيرادات العامة قد تحقق من خارج القطاع غير التقليدي (غير النفطي والغاز)، فقد أكد وزير المالية، بأن القطاعات غير النفطية قد حققت معدلات نمو قوية بلغت ما نسبته 5.8 %، خلال النصف الأول من العام 2016.

ختاماً، فإننا نرى، أن من شأن الاستمرار في مستوى الإنفاق والمصاريف العامة، وخاصة صرف مخصصات المصروفات الرأسمالية والمشروعات الرئيسية المعلنة بالكامل، باعتبارها أحد المكونات الأساسية للطلب الكلي في الاقتصاد، أن يعزز ذلك الطلب ويدعمه. هذا مما من شأنه أن يساهم في توفير السيولة اللازمة للحفاظ على مستوى الناتج المحلي، ومستوى النمو الاقتصادي في الدولة عند المستويات المأمولة والمرغوبة.

السابق
APEX: القطرية من 4 طائرات عام 1993 إلى واحدة من أهم خطوط الطيران العالمية اليوم
التالي
يشجع على هذه الخطوة ضمن الضوابط.. المركزي لم يتلقى طلب اندماج البنوك الثلاثة