قطر تخلد ذكرى الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني وتعد بمزيد من التطور

وحدة عضوية متماسكة بفضل مؤسسها

تحتفل دولة قطر في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام بذكرى اليوم الوطني وذلك إحياءً لذكرى المؤسس للدولة المغفور له إنشاء الله الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني (1826-1913)، أصبحت قطر في ظل زعامته كياناً عضوياً واحداً متماسكاً وبلداً موحداً مستقلا.

والمؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني من ذرية معضاد بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب من الوهبة من بني حنظلة من قبيلة بني تميم المضرية العدنانية، وقد أنجبت قبيلة الوهبة عدداً كبيرا من المشاهير في العلم والشجاعة.

ولد المؤسس رحمه الله عام 1242هـ الموافق 1826م ونشأ في فويرط بشمال شرق قطر في كنف والده الشيخ محمد بن ثاني الزعيم الأشهر حين ذاك حيث تلقى تعليمه على أيدي رجال الدين فتعلم القرآن وعلومه والفقه والشريعة إلى جانب الفروسية والقنص والأدب كما شارك والده في إدارة شؤون البلاد كافة.

وفي عام 1264هـ 1847م انتقل مع والده ليقيم في البدع وكان عمره حوالي واحد وعشرين عاماً، فبرز بين أقرانه زعيماً شاباً متطلعاً للقيادة، وهو ما ظهر فيما بعد عندما تعرضت قطر للغزو، فبرز جاسم على رأس القوات المدافعة عن قطر ليبارز أحد أشجع فرسان الجزيرة حينها، وتمكن جاسم من أن يصرعه بعد معركة حبست فيها الأنفاس.

فارس من الطبقة الأولى

وبرز جاسم بعد هذه الواقعة كفارس قطر الأول الذي التفت حوله الفرسان ونال الإعجاب والحب من كافة أبناء قطر، وهو ما لاحظه فيما بعد شاهد عيان التقى به في عام 1279هـ 1862م وهو الرحالة البريطاني وليم بلجريف عام 1862، عندما جاء قطر، فقد لاحظ  بلجريف ظاهرة واضحة في الرجال الذين يحيطون بجاسم بن محمد، وكان عمره في حدود الخامسة والثلاثين ألا وهي الروابط المتينة التي تجمع حوله قلوب مرافقيه وهم ينتمون إلى قبائل عريقة مختلفة من قطر، وهي ظاهرة لا تشير فقط إلى قوة شخصية جاسم، ولكن أيضاً إلى بلورة فكرة الوحدة في ذهنه وسلوكه.

تولى المؤسس المسؤولية في حياة الأب الشيخ محمد بن ثاني رحمه الله نظراً لمرضه عام 1876 وكان عمر المؤسس حينها 51 عاماً، وبعد وفاة الشيخ محمد بن ثاني عام 1878 تولى المؤسس مباشرة وكان عمره حينها 53 عاماً.

يعد الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني المؤسس الحقيقي لدولة قطر فقد كان من كبار الساسة وعمل نائباً لوالده الشيخ محمد مما أكسبه خبرة ودراية سياسية كبيرة.

وعمل رحمه الله على أن تكون قطر بلداً موحداً مستقلاً، فهو أول رجل ظهرت قطر في ظل زعامته كياناً عضوياً واحداً متماسكاً وقد استطاع من خلال سياسته أن يعمل على توازن للاعتراف باستقلال قطر من جانب أكبر قوتين متنافستين على النفوذ في منطقة الخليج العربي في تلك الفترة وهما انجلترا وتركيا.

لمع نجمه وزادت شعبيته وذلك بما آتاه الله من عقل وحكمة وحنكة وكرم وحسن سياسة حيث استطاع أن يوحد القبائل القطرية تحت لوائه ويجمع شتاتها، لقد وحد القلوب فاجتمعت على محبته، وظهر هذا بشكل واضح في تحديه لمختلف القوى التي أرادت أن تنال من قطر أو من أهلها فالتفت حوله القبائل فتقدمها وانضوت تحت لوائه موحداً شتاتها راسماً مستقبلها وتمكن من خلالهم وبهم من حماية الحدود  فبرزت قطر في المنطقة ككيان مستقل.

فقد قضى المؤسس رحمه الله  حوالي خمسين عاماً من عمرة في قيادة شعبه وسط أحداث عصيبة ومعارك ضارية مع قوى مختلفة تحيط بقطر وبالمنطقة حاولت بسط سيطرتها على البلاد، تلك الأحداث التي لازال أبناء قطر يتذكرونها هي أيام مجيدة من تاريخ قطر لن يغفلها التاريخ.

فعندما نتذكر المؤسس نتذكر شجاعته في مواجهة المعتدي والتصدي له بعنفوان الشباب متسلحاً بإيمان بالله لا يتزعزع  كما نتذكر هبٌته لنصرة المظلوم وخلفه أبناء وطنه في مواجهة الظلم وعندما حيًل بينه وبين وطنه ساروا من أجله وضحوا بحياتهم فداءً له وسالت دماؤهم من أجل فك أسره ولا زلنا نتذكر معاناتهم وتشتتهم من أجل الثأر له  لقد نصرهم فنصروه وجاهد من أجلهم فعاضدوه.

غيرة وطنية استثنائية

وعندما نتذكر المؤسس نتذكر غيرته على حرمة الوطن ورد كرامته والتصدي لكل من يطمع فيه أو يعتدي عليه وعندما نتذكر أحداث الوجبة نتذكر حكمة القيادة وصلابة المواجهة في وجه الوالي العثماني مهما كانت قوته فنصره الله عليهم وهو في كل هذه الأحداث كان القائد الفارس والمفاوض الحكيم.

فحين طغى العثمانيون لم يرض جاسم بأن يمتثل للظلم، وفي مارس 1893 خاض الشيخ الجليل وهو على أعتاب السبعين من عمره معركة فاصلة في تاريخ قطر الحديث مع شعبه ضد العثمانيين وهزمهم فيها مؤكداً ومثبتاً استقلالية القرار القطري. فكان من نتائج هذه المعركة رضوخ الأتراك لأوامره.

وعندما استقرت الأمور ارتقى بالبلاد، ونهض بها وفتح أمامها الأبواب، فازدهرت تجارتها، وعلًت رايتها، وبنى المساجد والمدارس، وجذب العلماء، وطبع  كتب الفقه، وأمر بتوزيعها على أبناء وطنه وباقي الأمصار، فقد كان جواداً سباقاً للخير وداعياً إليه.

كما كان ناصراً للمظلوم ، وساعياً لفك اسر من يلتجىء إليه، ومفرجاً للكرب، ومعتقاً للعبد، وهو في كل ذلك لا يبتغي غير مرضاة الله، فلم يخضع لغير الله ثأراً لدينه ومدافعاً عن وطنه.

فصدق قول الآلوسي فيه “كان  من خيار العرب الكرام، مواظب على طاعاته، مداوم على عبادته وصلواته، من أهل الفضل والمعرفة بالدين المبين، وله مبرات كثيرة على المسلمين ” فعلت مكانته بين الناس جميعاً، فقد كان على حد قول سليمان الدخيل: “مسموع الكلمة عند العرب مهاب عند الرؤساء والأمراء نافذ القول، دأبه الإصلاح ولم يسع في أمر إلا أتمه الله على يديه وأعماله كلها خالصة لوجه الله تعالى”.

كان رحمه الله رجلاً متديناً نقياً، على جانب عظيم من التقوى ومخافة الله، شديد الخشية لله، عادلاً في أحكامه وأقضيته. كما كان رحمه الله صاحب عقيدة بعيداً عن البدع والمحدثات، عابداً تقياً، محافظاً على الصلاة يتحين أوقاتها فيجلس من بعد صلاة الفجر في مصلاه يذكر الله تعالى ويسبحه حتى طلوع الشمس فيقوم فيصلي ركعتين وكان يؤم الناس في صلواتهم في صلاة الجمعة والجماعات، ويخطب بهم الجمعة، وإذا خطب أذهل السامعين، وجلب قلوبهم إليه، فيقال أنه كان يرى من الصفوف الأخيرة في المسجد، وهو من أركان العربية وأنصارها، ويباشر بنفسه تعليم الناس، كما يباشر بنفسه القضاء والفصل في المنازعات بين مواطنيه. وقد ختم حياته وهو يردد كلمة التوحيد.

بشهادة الصفات الشخصية

أما عن صفاته رحمه الله فقد كان رجلاً طويلاً فارع الطول، وكان خفيف العارضين متين العظام، حسن الهيئة في بساطة، مهاباً جليلاً.

وعن شخصيته، فقد كان رحمه الله قوي الشكيمة حازماً ذا عزم وتصميم ، فهو من أفذاذ الرجال الذين قلما يجود التاريخ بأمثالهم.

ومما اتصف به هذا الشيخ الجليل، الجود والكرم والإنفاق في وجوه الخير الكثيرة، فقد كان كريماً محباً للخير وأهله، معروفاً بالسخاء، وقد جلب إليه جوده وحسن أخلاقه محبة الناس وإجلالهم فشاع له الذكر الجميل.

كانت وفاة المؤسس رحمه الله عصر يوم الخميس 13 من شهر شعبان سنة 1331هـ، الموافق 17 يوليو 1913م ودفن في قرية الوسيل وهي قرية تقع على بعد 24 كيلومتراً شمالي الدوحة. وبوفاته فقدت قطر قائد فذاً وعلماً من أعلامها، ورمزاً من رموز أصالتها، وأديباً من أدبائها، رجل العلم والفضل والكرم.

رثاه الأديب والعالم محمد بن حسن القطري في قصيدة طويلة في 15 شهر شعبان من ليلة الجمعة في سنة 1331 هـ نذكر بعض ابياتها:

أيا عين فابكي واسكبي عبرات        وجودي بقاني اللون لا الدمعات

 

لعـل فؤادي ثَمَّ ينجو من الردى           ويذهب وسواسي لدى الصلوات

 

أيا نفس فابكي من يقاسمك العنا            يبادر من ناواك بالهلكات

 

نديمك من دون الأنام فاندبي              اذا لم تموتي فاسبلي عبرات

 

فيا عين لا تبكي على فقدها لك        سوى (جاسم) بالدمع والزفرات

 

توفيت الآمال من بعد فقده                وكيف التذاذي بعده بسنات

 

(مُتّمّ مُ) لم يحزن على فقد (مالك)        كحزني عليه من جميع جهات

 

أيا نفس فابكي الدين من بعـد (جاسم)     وابدي وداعا للهدى ورعات

 

فمن مثله في دينه وسخائه                ومن ذا يضاهيه بكل شيات

 

ومن مثله في مجده ودهائه                وفي حزمه والرأي والفتكات

 

مضى طاهر الأثواب مثر من التقى        عريّ من الزلات والهفوات

 

مضى فارس التوحيد في قطر الندى        مضى هادم الأهواء والبدعات

 

مضى بعدما أحيا من الجود والهدى      رسوماً له في الدار كالهضبات

 

بعد وفاة الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله تولى حكم قطر ابنه الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني الذي وقع بعد ثلاث سنوات من حكمه مع بريطانيا معاهدة لإدخال قطر تحت نظامها المعروف باسم “إدارة الإمارات المتصالحة”.

في 30 يونيو 1948م عين الشيخ عبدالله ابنه الشيخ علي بن عبدالله نائباً له وذلك عقب وفاة أخيه ولي العهد الشيخ حمد بن عبدالله فى 27 مايو 1948م. وبعد تنازل الشيخ عبدالله عن الحكم في 20 أغسطس 1948 أصبح الشيخ علي حاكماً لقطر .

على خط واحد

وشهدت فترة حكم الشيخ علي بن عبدالله تصدير أول شحنة من بترول الحقول البرية من محطة مسيعيد وذلك في 31 ديسمبر 1949م، وفي 29 نوفمبر 1952م وقع الشيخ علي اتفاقية مع شركة شل للاستكشافات الخارجية المحدودة لاستخراج البترول من الحقول البحرية.

وفي 24 أكتوبر 1960م أصبح الشيخ أحمد بن علي حاكماً لقطر بعد تنازل والده الشيخ علي عن الحكم. وفي نفس التاريخ تم تعيين الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ولياً للعهد ونائباً للحاكم.

ومن أبرز ما قام به الشيخ أحمد بن علي تشكيله فى العام 1964 مجلساً استشارياً للمساعدة فى شؤون الحكم. كما صدر الدستور المؤقت في 2 أبريل 1970م وتم تشكيل أول مجلس للوزراء في البلاد فى 28 مايو 1970م ، وفي عهده أيضاً انضمت قطر إلى عضوية الأوبك .

نهاية المعاهدة البريطانية

وفي 3 سبتمبر 1971م أعلن الشيخ خليفة بن حمد استقلال قطر لتنتهي بذلك المعاهدة البريطانية القطرية التي أبرمت عام 1916م.

وفي 22 فبراير عام 1972م تقلد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حكم البلاد، وكان أول عمل قام به هو تعيين وزير للخارجية، ومستشار للأمير ليدشن بذلك مرحلة جديدة من التنظيم الحكومي والاداري .

في يونيو عام 1995 تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في البلاد لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من تاريخ قطر المعاصر.

وحققت دولة قطر منذ تولي صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم انجازات مشرقة في مسيرة التنمية والبناء الشامل في كافة مناحي الحياة في إطار منظومة التحديث التي قادها سموه برؤية تستشرف آفاق مستقبل واعد وعهد جديد من الرخاء والرفاهية للوطن والمواطن.

وفي 25 يونيو 2013 تولى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى مقاليد الحكم في البلاد بعد تنازل صاحب السمو الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في خطوة اعتبرها كثيرون سابقة في المنطقة العربية وفي العالم كله أن يكون أحد الحكام في أوج أدائه وعظمة نجاحه وإنجازاته ويتنازل عن السلطة بهذه الكيفية، وأن مبادرة سمو الأمير الوالد في نقل السلطة إلى سمو الشيخ تميم بهذا الأسلوب المشرف كانت “علامة فاصلة” في تاريخ كيفية إدارة الحكم في العالم العربي بأسلوب حضاري على عكس الأسلوب التقليدي الذي لا يحترم إرادة الشعوب.

 

السابق
مدرب نابولي: لا يوجد ذرة تفكير في مواجهة ريال مدريد !
التالي
تاريخياً: الأهلي لا يخسر أمام المصري فى شهر ديسمبر