قطر تحصّن أمنها الغذائي من ثرواتها المحلية والشواهد تتراكم

الشعر المستعار لا يغطي صلعة الاقتصاد والثوب المحلي دافء وعلى المقاس

الاستثمار الأكبر هو الاعتماد على الذات والثروة الزراعية والحيوانية جرار ذهب مخبأة

خطط متناسقة لشحن الهمم وتوحيد الجهود والأسئلة المعلقة تنتظر الإجابات

 

بزنس كلاس- اسلام شاكر

بالتزامن مع حملة حكومية منظمة ومتواصلة لدعم الإنتاج المحلي خصوصاً لجهة الأمن الغذائي، أخذ شعار “نأكل مما نزرع” يأخذ الصدى المطلوب في الشارع القطري وبات موضوع ضمان الأمن الغذائي في البلاد مسألة تحتل أهمية قصوى رغم أن قطر تتصدر دول الخليج العربي في هذا الإطار المهم، أي الأمن الغذائي، بشهادة دولية وفق التقرير السنوي لمؤسسة ألبن كابيتال.

وتلعب الثروة الحيوانية في البلاد دوراً اساسياً في موضوع ضمان الأمن الغذائي لذلك لم تتوانى الحكومة عن دعم هذا القطاع وتشجيع الاستثمار فيه سواء لرجال الأعمال أو حتى للأسر القطرية. وحددت قطر عام 2023 للوصول إلى تأمين 70% من احتياجاتها الغذائية، وعام 2030 لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل، علما بأنها تحقق الآن نسبة 90% في قطاع الألبان.

خطط وأهداف

من جانبها، تلعب شركة حصاد المملوكة للدولة القطرية والتي تستثمر بالإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية في أكثر من بلد في العالم، ” في إطار خطة وطنية متكاملة للوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي كهدف استراتيجي للدولة. وتعمل الشركة العملاقة على أكثر من مشروع كبير خارج حدود الدولة في مناطق مختلفة بالعالم لتأمين احتياجات قطر الغذائية عبر استئجار اراض في مناطق خصبة من العالم وزراعتها بمحاصيل استراتيجية تؤمن حاجة قطر منها.

وفي الآونة الأخيرة، أخذ موضوع توطين مشاريع الأمن الغذائي في قطر حيزاً هاماً على الصعيد الوطني، حيث، تسارعت عمليات توطين المشاريع المتعلقة بهذا الموضوع في قطر حتى لا يكون هنالك هامش للمغامرة. وفي هذا الإطار، كشف السيد محمد بن بدر السادة، الرئيس التنفيذي لشركة حصاد الغذائية، أن لدى الأخيرة خطة لنقل أحد المشاريع الضخمة من أستراليا إلى الدوحة، وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص.

وستعمل الشركة على نقل مشروعها المتمثّل في تربية الأغنام من فئة «العواسي» من أستراليا، وذلك لضمان تلبية احتياجات السوق المحلية. وتمتلك «حصاد أستراليا» أكثر من 200 ألف هكتار من الأراضي المخصصة لرعي الأغنام وتنميتها، والتي يصل عددها قرابة 290 ألفاً إلى ألف رأس من فصائل الجيل الثاني من «العواسي»، حيث عملت الشركة على إنجاز أكبر مشروع لتلقيح وتهجين نسل «العواسي» في أستراليا، وتم توريد أكثر من 200 ألف رأس من الأغنام الحية والذبائح عن طريق شركة «ودام» الغذائية.

مبادرات ذات معنى

بدوره، كشف السيد عبدالعزيز بن ناصر آل خليفة، الرئيس التنفيذي لبنك قطر للتنمية، عن عزم الأخير طرح مبادرة لدعم الزراعة المنزلية وتشجيعها، حيث سيتم تخصيص مبلغ معيّن لكل منزل سيشارك في تلك المبادرة.

الجدير بالذكر، أن استثمارات “حصاد” في أستراليا تبلغ نحو نصف مليار دولار، حيث كشف جون ماكيلوب، مدير شركة حصاد بأستراليا عن ارتفاع استثمار الشركة ليصل نحو 500 مليون دولار منذ ثماني سنوات تاريخ انطلاقها في العمل، قائلاً: “حصاد استثمرت في العشرات من مزارع الحبوب والأغنام المترامية الأطراف في أربع ولايات استرالية، مما جعل حصاد واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في الزراعة الاسترالية”.

وقال في حديثه لصحيفة “استرالين بزنس ريفيو “: إن حصاد تمتلك نحو 172 ألف هكتار من الأراضي الريفية المنتجة للغاية في ولاية فيكتوريا ونيو ساوث وويلز وجنوب أستراليا وغرب أستراليا في 12 مجموعة إقليمية، بما في ذلك 8244 هكتارا من مراعي الأغنام الخصبة.  ولفت ماكيلوب إلى أن استثمار حصاد في المزارع الأسترالية يعود إلى رغبتها في تحقيق الأمن الغذائي لدولة قطر، بالإضافة إلى تحقيق عوائد على الاستثمار.

وأشار إلى انتاج حصاد من المزارع الاسترالية بغلت في العام الماضي نحو 194 ألف طن من القمح و الشعير والبقول والبذور الزيتية . كما تم انتاج 140 الف خروف منها 40 ألف من الإنام الفارسية من فصيلة العواسي، مشيرا إلى ان 10 % من الانتاج تم التوقيع على شراؤه من قبل دولة قطر لتأمين اكبر هامش ممكن من الضمان للأمن الغذائي للمواطنين القطريين.

قطاعات وتنوع

من جانب آخر، أكد مدير إدارة الثروة الحيوانية بوزارة البلدية والبيئة فرهود هادي الهاجري إن معدل الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية والسمكية في قطر قد بدأ فعلاً  بالارتفاع وبصورة ثابتة ومستدامة رغم البطء المصاحب للعملية كونها ما زالت في البدايات.

وأضاف أن الثروة الحيوانية في قطر تقدر بنحو 1.353 مليون رأس، بين أغنام وماعز وأبقار وإبل. أما الإنتاج الزراعي فقال إنه يناهز 62 ألف طن، بما يعادل 15% من حاجة السوق، وهذه النسبة في تصاعد مستمر على أسس ثابتة وغير خاضعة لتقلبات الظروف سواء الاقتصادية أو سواها.

وفيما يتصل بقطاع الطيور الداجنة، قال الهاجري إن إنتاج قطر من الدواجن المبردة يحقق اكتفاء ذاتيا بنسبة 51%، أما المجمد فيعتمد على الاستيراد ولا تتجاوز المشاركة المحلية فيه نسبة 2%.

كل ما سبق يوضح بشكل جلي التوجه القطري الرسمي وحتى الشعبي نحو مزيد من الاعتماد على الموارد المحلية وتوطين المشاريع لا سيما تلك المتعلقة بالأمن الغذائي وتحديداً الثروة الحيوانية. وبالإضافة إلى مشروع توطين العواشي الخاص بـ “حصاد” يجب أيضاً العمل بشكل أكبر على توطين مشاريع استيلاد وتربية الإبل لأغراض الإنتاج الحيواني من اللبن واللحوم إضافة إلى تربية سلالات أصيلة منها.

وحول الإقبال الواسع على المنتج الحيواني المحلي لا سيما الأغنام القطرية أو تلك التي من الجزيرة العربية وبلاد الشام إضافة إلى دول العالم الأخرى، بات واضحاً بالنسبة للمستهلك القطري أن الأغنام التي تتم تربيتها في قطر تتميز بالجودة والسعر المناسب فهي أفضل من أنواع أغنام كثيرة من دول العالم وأقل سعراً من الأغنام السورية والأردنية التي تعتبر من الأفضل بالعالم.

وفي هذا السياق، يجب التنويه إلى أهمية إقامة مشروع قطري لتربية أغنام البادية الشامية داخل قطر بما يضمن تأمين الحاجة المحلية لنوعية ممتازة من لبن ولحم الضأن مع مراعاة الزيادة السكانية وتأمينها بكميات أكبر بشكل مستمر وتوطين مشروع مهم بهذا القدر للأمن الغذائي للبلاد. مع العلم أن قطر لديها سوق محلية كبيرة ينبغي استغلالها بالنظر إلى الإقبال الشديد على المنتج المحلي، حيث أن ثمة سيولة مالية ضخمة يمكن استثمارها في تحقيق الأمن الغذائي، الأمر الذي يخفف الضغط على النقد الأجنبي.

أسئلة معلقة

لكن يبقى السؤال المهم عن الثروة الحيوانية في قطر وهو المتعلق بالتطوير الزراعي لتأمين العلف اللازم لمشروع تربية أغنان على المستوى المحلي. فعلى الرغم من تأكيد مدير العلاقات العامة بشركة مطاحن الغلال حامد بشرى بأن الشركة شريك استراتيجي لدولة قطر في توفير مخزون القمح، وأن الطاقة الإنتاجية ارتفعت منذ سنوات مما سمح بتغطية كاملة من كافة المنتجات القمحية، إلا أن الحاجة لتأمين مراعي وعلف بكميات كافية لتوطين مشروع تربية الأغنام القطرية يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك. إنه يحتاج إلى منظومة زراعية متكاملة تقوم على مبدأ تأمين اراض زراعية كافية تستثمر بشكل جيد لإنتاج ما يكفي البلاد من كميات القمح اللازمة لضمان الأمن الغذائي وكذلك تأمين ما يكفي من كميات العلف اللازمة لضمان استمرارية مشاريع تربية الماشية وبالتالي تأمين الأمن الغذائي للبلاد لجهة الثروة الحيوانية.

وبناء على ما تقدم، فإن عملية الأمن الغذائي ليست عزفاً منفرداً لجهة ما أو شركة واحدة أو حتى مشروع منفرد لأن العملية يجب أن تكون تكاملية على نطاق واسع مع التركيز على المفاصل الأساسية لها والعمل على تدعيمها وصولاً إلى تحقيق هدف رؤية قطر الوطنية 2030 وتسجيل إنجاز الاكتفاء الذاتي في قطاع المواد الغذائية في سجل الشرف لكل القطريين وليس لمؤسسة أو شركة واحدة.

 

السابق
التالي
قطاع الزراعة يستعيد زمام المبادرة والصحارى تنطق بالخضرة