قال صندوق النقد العربي إن مصرف قطر المركزي سيواصل خلال العامين 2017 و2018 مواصلة ادارة السيولة المحلية بهدف توفير تدفقات مالية وائتمانية مصرفية بالقدر الكافي لصالح القطاعات الصناعية والإنتاجية العاملة ضمن الاقتصاد الوطني، وذلك بغاية دعم النمو وزيادة مستويات والتنويع الاقتصادي، مضيفا في تقرير افاق الاقتصاد العربي الصادر حديثا، ان «المركزي» سيستمر خلال الفترة المقبلة في متابعة المتغيرات الاقتصادية العالمية ومراقبة المخاطر التي قد تواجه الاجهزة المالية العالمية وتهدد استقرارها، بهدف اتخاذ الاجراءات الاحترازية والاستباقية لضمان الاستقرار المالي في السوق المحلية، اضافة الى متابعة التطورات والتوقعات في أسواق النفط العالمية عن كثب وتداعياتها على السوق القطري.
ونوه «النقد العربي» بالدور الحيوي والريادي الذي قام به مصرف قطر المركزي خلال العام الماضي، من خلال عمله على المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي للجهاز المصرفي في الدولة، من خلال عدد من الاجراءات والسياسات التي وضعها «المركزي» ومنها تبني سياسة نقدية تيسيرية على النحو المبين في اسعار الفائدة التي بقيت تقريبا منذ اغسطس 2011 مستقرة قبل ان ترفع نهاية العام الماضي، اضافة الى ادارة السياسة النقدية بشكل يضمن توفير مستويات مريحة من السيولة المصرفية واستمرار ربط سعر الصرف بالدولار.
السيولة المحلية
الى ذلك، فقد شهدت السيولة المحلية او ما تعرف بعرض النقد م2 خلال الربع الاول من العام الجاري نموا مطردا مقارنة بالمستوى المسجل في الربع الاخير من العام الماضي، حيث قفزت من 497.5 مليار ريال بنهاية الربع الاخير من 2016 الى نحو 518.2 مليار ريال بنهاية الربع الاول من العام الجاري بنسبة نمو تساوي 4.1%، وبنسبة نمو بنحو 2.39% مقارنة بالربع الاول من العام الماضي. كما نما عرض النقد م 1 خلال الربع الاول من العام الجاري بنحو 5.1% مقارنة بالربع الاخير من العام الماضي، حيث قفز من 128.3 مليار ريال بنهاية ديسمبر 2016 الى نحو 134.8 مليار ريال بنهاية مارس 2017، وذلك وفقا للبيانات المالية الصادرة حديثا عن مصرف قطر المركزي.
وفي هذا الاطار يقول الخبير المالي حسين السيد لـ»لوسيل» ان المؤشرات المصرفية التي تم تسجيلها خلال الربع الاول من العام الجاري جاءت لتؤكد على متانة الجهاز المصرفي الذي عاش فترة من المخاوف خاصة بعد زيادة مخصصات التغطية، مضيفا « نمو الموجودات والارباح وسرعة النمو المصرفي تؤكد على ان القطاع المصرفي يحظى بمتانة عالية واستقرار في ادائه في مواجهة التحديات.».
واشار تقرير صندوق النقد العربي الى ان السيولة المحلية تأثرت نسبيا خلال العام الماضي نتيجة استمرار تراجع أسعار النفط حيث انخفضت مستويات السيولة المحلية بنسبة 4.6% مقارنة بعام 2015، الى جانب انخفاض الودائع الأجنبية بنسبة 18.2% وشبه النقد بنسبة 6.4% فيما سجل النقد المتدوال ارتفاعا بنسبة 8.3%. واستنادا لبيانات مصرف قطر المركزي فقد انخفض عرض النقد م 2 خلال الربع الثاني من العام الماضي بنحو 2.5% وبنحو 0.1% خلال الربع الثالث قبل ان تتعافى بشكل طفيف جدا بنسبة 0.9% مع نهاية الربع الرابع من العام 2016.
الى ذلك، قال المحلل المالي حسين السيد ان المؤشرات الاقتصادية جاءت خلال الربع الاول من العام الجاري جيدة مقارنة بالمؤشرات المسجلة خلال الربع الاول من العام الماضي، وخاصة المتعلقة بالاقتصاد الكلي والذي نجح في تجاوز التحديات التي احدثتها التقلبات الاقتصادية منذ العام 2015 وكامل العام الماضي نتيجة تراجع اسعار النفط بنسب تجاوزت 60%.
موازنة العام الجاري
اما على مستوى المالية، فقال صندوق النقد العربي ان موازنة العام الجاري قامت بتبني التدابير اللازمة بهدف زيادة كفاءة المصروفات الجارية والتشغيلية وتوفير كافة الاعتمادات اللازمة لاستكمال تنفيذ المشاريع الكبرى حسب الخطط المعتمدة وتحقيق الاستغلال الامثل لمخصصات المصروفات الجارية اضافة الى تعزيز مستويات الانفاق الاستثماري بما يضمن مخصصات للانفاق على عدد من المشروعات الرئيسية بما يشكل 47% من اجمالي المصروفات. كما توقع التقرير ان ترتفع الايرادات غير النفطية نتيجة الاصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الدول وينتظر تطبيقها خلال الاشهر المقبلة ومنها فرض ضريبة القيمة المضافة.
وكان مجلس الوزراء نظر صباح اول أمس في مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة واللائحة التنفيذية الذي قامت باعداده وزارة المالية وفقا للاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث من المنتظر ان يبدأ تطبيقها مطلع العام 2018.
واعتبر المحلل المالي حسين السيد ان الاجراءات التي اتخذتها الدولة مطلع العام الماضي والاصلاحات الاقتصادية وانطلق العمل بجزء منها في انتظار تفعيل باقي الاجراءات، ساهمت بشكل كبير في تعزيز متانة الاقتصاد وتخفيف الاعباء والتحديات الاقتصادية التي مازالت تلقي بضلالها الى حد ما، وتابع قائلا « ان الاجراءات التي اتخذتها الدولة لتعزيز القطاعات غير النفطية ساهمت بشكل ايجابي في مواجهة المتغيرات التي كان لها انعكاس على السوق المحلي، بل ان تلك الاجراءات ادت الى الحد من التقلبات».
وبخصوص الميزان التجاري والسلعي، فاكد التقرير على ان قيمة الصادرات القطرية سترتفع نتيجة لعدة عوامل ابرزها تعافي اسعار النفط وعودته للاستقرار، مما سيجعل من الصادرات ترتفع بنسبة 13.5% مقارنة بالعام الماضي لتصل الى نحو 236.6 مليار ريال، اضافة الى ارتفاع الواردات بنحو 6.5% لتبلغ 123.7 مليار ريال، مما سيحقق فائضا في الميزان التجاري بنحو 112.8 مليار ريال بما يمثل نحو 18.2% من الناتج المحلي الاجمالي للدولة.
واشار السيد الى ان مساهمة القطاع السياحي في دعم المؤشرات الاقتصادية للدولة، حيث اوضح ان الايرادات من هذا القطاع تعتبر جيدة رغم التراجع في معدلات النمو اقليميا وعالميا، خاصة ان قطاع السياحة يحظى بدعم الدولة التي تركز على سياحة رجال الاعمال، متوقعا ان تعرف الفترة المقبلة طفرة سياحية مع اقتراب اكتمال عدد من المشاريع الرائدة في الدولة والاقتراب من المواعيد والتظاهرات الدولية التي ستحتضنها الدولة خلال السنوات المقبلة.
أما على مستوى قطاع النقل فاعتبر السيد ان هذا القطاع سجل بدوره نموا ملحوظا رغم تراجع المؤشرات اقليميا، مؤكدا ان دولة قطر حافظت على تقدمها في هذا المجال، اضافة لقطاع بتروكيماويات الذي شهد بدوره استقرارا في مؤشرات رغم التحديات التي تواجهه والمتمثلة اساسا في احتدام المنافسة مع الشركات الاقليمية والعالمية العاملة في هذا المجال.
التصنيفات الائتمانية
وتتمتع دولة قطر بتصنيفات ائتمانية عالية الجودة، وذلك نتيجة للاحتياطات المالية القوية التي تتحوز عليها بما يدعم الاقتصاد الوطني بشكل او اخر، حيث قال السيد في هذا الاطار ان قطر نجحت في الحفاظ على تصنيفها نتيجة عدم لجوئها الى الاحتياطيات النقدية مقابل توجهها الى سوق الدين العام وهو ما ينعكس ايجابيا على اداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، متوقعا ان يساهم استقرار سعر برميل النفط عند مستوى 50 دولارا خلال العام الجاري في دعم الاقتصاد الكلي خلال الفترة خاصة بعد اعتماد سعر ترجيحي لبرميل النفط في موازنة العام 2017، يقل عن السعر الحالي للنفط في الاسواق العالمية، وتابع قائلا «ان استقرار اسعار النفط سيحفز جميع القطاعات وخاصة القطاع البنكي الذي يقوم بتعزيز التمويلات التي يقدمها لتنفيذ المشاريع الكبرى للدولة اضافة الى تمويل المؤسسات والشركات التابعة للقطاع الخاص حتى تساهم من موقعها في تنويع مصادر الدخل للدولة، كما اتوقع زيادة الودائع الحكومية مع استمرار الانفاق الراسمالي على القطاعات الحيوية والمتمثلة اساسا في الصحة والتعليم والمشاريع المتعلقة بكأس العالم 2022.
واعتبر الخبير الاقتصادي حسين السيد ان التحدي الاساسي الذي قد يواجه الاقتصاد هو مؤشر الاستهلاك، خاصة مع تراجع الانفاق الاسري نتيجة تراجع معدلات السكان والاجراءات التقشفية في الفاتورة الاستهلاكية.