عواصم – وكالات:
أكد خبراء اقتصاد ورجال أعمال على نجاح الحكومة في التعامل مع أزمة الحصار المفروض على قطر منذ 5 يونيو الماضي؛ حيث تمكّنت الدولة من التخفيف من آثار الحصار إلى أدنى درجة، وتنويع مصادر استيراد السلع الغذائية والواردات الصناعية، بما يحقق الاكتفاء من هذه المواد لفترات طويلة بعيداً عن أي نقص في المخزون. وأشاد الخبراء بتقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر مؤخراً، والذى أكد أن الاقتصاد القطري والأسواق المالية القطرية «تواصل التكيّف مع الصدمة الناشئة من الحصار، واستمرار تنفيذ مشاريع البنية التحتية في مواعيدها المقررة بدون أي تأخير».
وأكد الخبير الاقتصادي عبدلله الخاطر أن تقرير صندوق النقد الدولي يمثّل رسالة قوية إلى العالم بقوة الاقتصاد القطري، وقدرته على التكيف والتجاوب مع أي تحديات حالية أو مستقبلية، وأن السياسات المالية التي اتخذتها قطر ساهمت في تنويع مصادر الواردات المختلفة، سواء الواردات الزراعية والغذائية أو واردات الصناعة من المستلزمات والمعدات أو مواد البناء.
ويضيف الخاطر أن «المواطن والمقيم هما محور التنمية والاستقرار، وفقاً لما أكد عليه سمو الأمير في خطابه أمام الأمم المتحدة؛ لذلك ركّزت الإجراءات الحكومية لمواجهة الحصار على توفير السلع في الأسواق بدون مشاكل مع استمرار وتيرة تنفيذ المشاريع بنفس معدلاتها، وتنويع الخطوط الملاحية للواردات سواء من آسيا أو أوروبا».
ويؤكد الخاطر أن تقرير صندوق النقد الدولي أشاد بقوة الجهاز المصرفي والمالي في الدولة؛ حيث واصلت البنوك أداءها الجيد، إضافة إلى تنفيذ خططها للتوسع في الداخل والخارج؛ حيث يتمتع بأصول عالية الجودة ورؤوس أموال قوية. وقد ساهمت السيولة التي ضخها مصرف قطر المركزي، وزيادة ودائع القطاع العام إلى تخفيف الأثر على الميزانيات العمومية في البنوك. وجاءت هذه الإجراءات -وفقاً للتقرير- انعكاساً للتنسيق الفعال والتعاون المثمر بين الأجهزة الحكومية والسلطات النقدية القطرية لمواجهة أي سحب مستقبلي من ودائع غير المقيمين.
ويشير الخاطر إلى استمرار الدعم المالي للبنوك والمؤسسات المالية، مما يؤكد حرص الدولة على طمأنة الأسواق المحلية والعالمية على مناخ الاستثمار في قطر واهتمام الحكومة بجذب رؤوس الأموال من الخارج للاستثمار في قطر، باعتبار ذلك من مصادر تنويع الدخل بدلاً من الاعتماد على النفط والغاز فقط.
تحرّك سريع
ونوّه الخاطر بالتحرك السريع للدولة في بداية الأزمة المالية، مما ساعد في التخفيف من آثارها السلبية، خاصة على قطاعات مهمة مثل القطاع المالي والمصرفي وقطاع الشركات المحلية. موضحاً أن النتائج المالية المتوقعة للشركات خلال العام الحالي ستكون جيدة وتتناسب مع الوضع القوي للاقتصاد القطري، الذي لم يشهد أية حالات تعثر سواء في القطاع المصرفي أو قطاع الشركات؛ حيث استطاعت جميع القطاعات أن تضع برامج تساعدها على الحد من تأثير الحصار عليها وفقاً لأوضاعها في السوق. ويشير الخاطر إلى أهمية استخدام الموارد المالية وترشيد النفقات وزيادة الإيرادات لتحقيق المزيد من الدعم للتنمية خلال الفترة القادمة؛ حيث ساهمت الإجراءات الحكومية الفعالة في مزيد من الاستقرار في الاقتصاد المحلي مع التنوع في مصادر الدخل، وهو ما يصب في النهاية لصالح الدولة.
شهادة نجاح للاقتصاد القطري
من جانبه يشدّد السيد عبدالله الرئيسي، الرئيس التنفيذي السابق للبنك التجاري، على أن تقرير صندوق النقد الدولي يمثّل شهادة نجاح للاقتصاد القطري، وقدرته على التعامل مع المتغيرات المختلفة، خاصة مع تأكيد التقرير على استمرار عملية الضبط المالي مع التركيز على تخفيض المصروفات الجارية وزيادة الإيرادات غير النفطية؛ حيث من المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة في العام الجاري إلى 5.9 %، بعد أن وصل إلى 8.8 % في عام 2016.
ويضيف أنه رغم الحصار المفروض على قطر وتذبذب أسعار النفط، فإن الدولة عازمة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية ومشاريع التعليم والصحة والمرافق التي أعلنت عنها من قبل في مواعيدها المحددة.
ويؤكد أن تقرير النقد الدولي يعبّر عن قدرات الاقتصاد القطري بكل صدق دون مغالاة، وأن تمويل عجز الموازنة سيتم بكل سهولة، وبعيداً عن الاحتياطي الدولي أو استثمارات جهاز قطر للاستثمار، وسيكون من خلال الاعتماد على الأسواق المحلية والعالمية في توفير قروض تغطي جانباً كبيراً من العجز في الموازنة. ويؤكد أن ثقة المؤسسات الإقليمية والمحلية والعالمية في الاقتصاد القطري تجعل من السهولة توفير القروض من هذه الأسواق؛ لأن هذه المؤسسات لديها إيمان وثقة في الاقتصاد القطري وقدرته على سداد الالتزامات دون أية مشاكل.
استمرار النمو في 2017
ويضيف أن القطاع المصرفي من أقوى القطاعات أداءً خلال المرحلة الماضية، ويتوقع استمرار هذا الأداء خلال 2017، بفضل المشاريع الكبرى التي تنفذها الدولة ومنها مشاريع البنية التحتية ومشاريع مونديال 2022، إضافة إلى مشاريع التعليم والصحة والسياحة والإسكان، وكلها تدعم القطاع المصرفي الذي يقوم بتوفير التمويل للشركات المنفذة حتى الحصول على مستحقاتها من الدولة.
ويضيف أن تقرير الصندوق يأتي بمثابة نجاح لخطط الدولة في التنمية رغم الحصار عليها، كما أنها نجحت في التعامل بمرونة في تنويع الواردات والاتفاق على خطوط ملاحية جديدة ساهمت في سد العجز الذي أحدثته دول الحصار بمنعها إدخال البضائع إلى السوق المحلي.
وكان وفد من صندوق النقد الدولي قد زار قطر مؤخراً، وأصدر تقريراً أكد فيه نجاح الدولة في مواجهة الحصار، وتسارع الجهود لتنويع مصادر الواردات والتمويل الخارجي وتعزيز أنشطة تجهيز المواد الغذائية محلياً. وأضاف التقرير أنه نتيجة لسرعة تحرك السلطات في هذا الصدد، تم تغيير مسار بعض المعاملات التجارية وإيجاد مصادر بديلة لإمدادات الغذاء، مما خفّف المخاوف إزاء أي نقص محتمل. وكان مصدر القلق في البداية هو احتمال أن يؤثر انقطاع العلاقات التجارية على تنفيذ مشروعات البنية التحتية الرئيسية، ولكن هذا القلق قد تراجع أيضاً بفضل توافر مخزون من مواد البناء ومصادر بديلة للواردات.
وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي غير الهيدروكربوني إلى 4.8% مع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية. ويظل التضخم محدوداً 0.8%، وإن كانت تكاليف النقل (8.9%) والغذاء (2%) قد سجّلت بعض الارتفاع، كما أن فترات التأخير الناجمة عن تحويل مسار التجارة رفعت تكاليف التشغيل لدى بعض منشآت الأعمال، وعلى المدى الطويل.
إصلاحات جارية
وشدد التقرير على أن التقدم جارٍ في الإصلاحات الهيكلية، فقد وافق المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار على استراتيجية التنمية الوطنية الثانية التي تتسم بزيادة التركيز على تنويع النشاط الاقتصادي. وبالنسبة للإصلاحات المتعلقة بالعمالة والإقامة، أعلنت قطر برنامجاً لإعفاء مواطني 80 بلداً من تأشيرة الدخول بهدف تنشيط السياحة، كما وافقت على قانون لمنح بطاقة الإقامة الدائمة للأجانب وقانون جديد لحماية العمالة المنزلية.
وأضاف التقرير أنه من المتوقع أن تواصل موازنة 2018 عملية الضبط المالي التدريجي بالتركيز على تطبيق إجراءات أساسية جديدة تتعلق بالسياسة الضريبية وإدارة الضرائب، بما في ذلك استحداث ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية على السلع في النصف الأول من 2018 وزيادة ترشيد المصروفات المتكررة. ويُتوقّع أن يتحسّن مركز الحساب الجاري ليحقق فائضاً قدره 3.9% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي في عام 2017، بعد أن سجّل عجزاً قدره 7.7% في 2016، نظراً لانكماش الواردات وتحسّن أسعار النفط.