سويسرا تسرق الأضواء من الوجهات الأوروبية التقليدية

 

لا تشتهر سويسرا بساعاتها الفاخرة وشوكولاتاتها ذات الطعم المميز بالحليب والمكسرات، ولا ببنوكها العالمية وحياديتها السياسية فحسب، فهي بكل بساطة تحتضن الكثير من الكنوز الطبيعية والثقافية. الفضل يعود إلى ما أنعم الله عليها من طبيعة خلابة من جهة، وكيف طورته حكومتها من جهة ثانية من خلال أنشطة ترفيهية وسياحية تجعلها واحدة من أهم الوجهات السياحية في أوروبا. كُلفتها العالية لا تؤثر على مدى الإقبال عليها. فمستوى المعيشة فيها عالٍ إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها تاسع أكبر اقتصاد في العالم، وواحدة من أغنى بلدان العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد. وقد تم تصنيف زيوريخ وجنيف المدينتين الثانية والثامنة من بين الأعلى بجودة المعيشة. وكأن هذا لا يكفي، فإن تنوعها الثقافي أيضا يزيد من جاذبيتها. فألمانيا تحدها من الشمال وفرنسا من الغرب وإيطاليا من الجنوب والنمسا وليختنشتاين من الشرق، الأمر الذي يجعل زائرها لا يشعر بالملل على الإطلاق.

المشكلة الوحيدة أن هذا التنوع قد يصيب البعض بالحيرة. فكل منطقة أو مدينة لها سحر لا ينضب، والمقصود هنا ليس جنيف ولوسيرن وزيوريخ وغيرها من المدن المشهورة فقط بل مناطق أخرى لا تقل جمالا وإغراء مثل:

– إقليم يونغفراو
يقع بمنطقة مرتفعات بيرن، وتتخلله مروج مليئة بالأزهار الملوّنة والبحيرات الصافية، التي يسهل الوصول إليها سواء سيراً على الأقدام أو بواسطة الدراجة خلال الصيف، إذ لا بد من الإشارة إلى أن السياحة هنا مناسبة لمن يتمتعون بلياقة بدنية عالية، لما تقدمه من نشاطات رياضية متنوعة لا يستطيع السائح مقاومة إغراءاتها. على سبيل المثال نذكر المنطقة المحيطة بباخلابزي في منطقة فيرست فوق غريندلفالد، التي تزيّن جبالها المكسوة بالثلوج ومياه بحيراتها الزرقاء البطاقات البريدية. وتعد مصاعد جبل فيرست البوابة نحو الكثير من النزهات والأنشطة المفعمة بالمغامرة. فجولة فيرست فلاير، المخصصة لركوب الدراجات النارية الجبلية وحدها كفيلة برفع مستوى تدفق الأدرينالين في الجسم. ولأن السياحة السويسرية تطمح إلى استقطاب العائلات أيضا، فإن الأطفال يمكنهم أيضا الاستمتاع هنا بملعب ألبي تبلغ مساحته 700 متر مكعب، يقع وسط محطة بورت. في منطقة مانليخن يمكن الاستمتاع بلحظات عائلية لا تقل متعة بين جبال أيجر، مونش ويونغفراو إذ يوجد في الأعلى ما لا يقل عن 6 مسارات للأطفال. ومن أعلى غريندلفالد، وتحديدا في بفينجشتايغ، يمكن رؤية الوادي بالكامل. كما تُقدم جولة الصعود بعربة تلفريك آلبهوتلي وأخرى بالمزلجة تجربة لا يجب تفويتها على الصغار والكبار على حد سواء. تبدأ الكثير من مسارات التنزه سيراً على الأقدام في بفينجشتايغ باتجاه كتلة غريندلفالد الجليدية أو يونغفراو إليتش، المدرج لدى اليونيسكو كموقع للتراث العالمي. يفتتح ممر الكتلة الجليدية في الصيف مع مسارات من صنع الإنسان تمتد من فندق غليتشيرشلوخت فوق مياه ثلوج ذائبة تتدفق إلى الممر، حيث ترتفع جدران منحدرات شاهقة لما يزيد على 100 متر. عند مدخل الممر يمكن العثور على متحف كريستال صغير غني بالمعادن المأخوذة من المنطقة.

من الأشياء التي لا يجب على السائح تفويتها أيضا زيارة كلاينة شاديغ التي تقع مباشرة أسفل جبال أيجر، مونش ويونغفراو، التي تتيح رؤية الوجه الشمالي الشهير لجبل أيجر. تبدأ رحلات التنزه من هنا بواسطة سكة حديد يونغفراو نحو يونغفرايوخ – توب أوف يوروب. وتُعد الرحلة صعوداً إلى أعلى محطة للسكك الحديدية في أوروبا، أهم ما يميز أي عطلة في سويسرا. حيث تنطلق السكة الحديدية المزودة بتروس، من غريندلفالد أو لاوتة برونين إلى كلاينة شاديغ. ومن كلاينة شاديغ إلى يونغفرايوخ يمكنك السفر عبر الأنفاق في جبال أيجر، مونش مع محطتين على طول الطريق. وطوال هذه التجربة تُوفر مناظر رائعة على الوجه الشمالي لجبل أيجر وغريندلفالد وإيسمير.

– ميليدي – سويس ميناتور
سويس ميناتور هي نسخة من سويسرا على مقياس أصغر. يوجد بها 130 نموذجا من المنازل السويسرية التقليدية، والقلاع والمعالم الأثرية. كلها في الهواء الطلق وموزعة في جميع أنحاء حديقة تبلغ مساحتها 14 ألف متر مربع. وقد تم تصميم النماذج باهتمام كبير بالتفاصيل، بما في ذلك زرع آلاف النباتات والزهور حولها.
تقع سويس ميناتور في ميليدي، على مسافة 5 كلم من لوغانو و1 كلم من مدينة كامبيون الإيطالية. افتتحت في عام 1959، لتشمل مواقع معروفة مثل قرية هايدي في ماينفيلد، قلاع بورغدورف وشيون، البرلمان الاتحادي في بيرنو، كاتدرائية ميلان. يوجد بها أيضا ما لا يقل عن ثمانية عشر نموذج لقطارات تتنقل بين المباني على ما يقارب 3.5 كيلومتراً من المسارات، إلى جانب سكك حديدية مسننة عاملة، تلفريك، وأخرى موقفة وسفن راسية للاستكشاف فقط.

غني عن القول إنها تستحق الزيارة للاستمتاع بـ15 ألف نوع من الزهور وأكثر من1500 من الأشجار المغروسة حولها، فضلا عن ملعب للأطفال، ومطعم خدمة ذاتية، وقصورٌ ومبانٍ تاريخية وكاتدرائيات وجبال. كلها أعيد تجسيمها بدقّة متناهية.

ولن نبالغ إن قلنا إن «الكبار» يستعيدون فيها طفولتهم، ويقفون مشدوهين وكأن الزمن عاد بهم 50 عاما إلى الوراء. وهذه هي الفكرة من تأسيس هذه المدينة المصغرة أساسا من قبل الأب بيير في 6 يونيو (حزيران) 1959.
– تيتشينو… سويسرا بنكهة إيطالية
تقع تيتشينو، في أقصى جنوب سويسرا، وتعتبر المقاطعة الوحيدة التي تتربّع بأكملها على جبال الألب الجنوبية بينما يتحدّث سكّانها اللغة الإيطالية بشكلٍ رئيسي، إضافة للغة الإنجليزية. تتمتّع المنطقة بتناقضاتٍ طبيعيّةٍ استثنائية تتمثل في الأنهار الجليدية، والوديان الألبية، والهضاب الخضراء التي تنمو فيها أشجار الزيتون والعنب، إضافة إلى النباتات شبه الاستوائية في الحدائق المترامية على ضفاف البحيرات. هنا يمتزج كل من التاريخ والثقافة وفنون الطهي مع الثقافة الإيطالية، مما يخلق نمط عيش متميزاً بالأطباق الشهية والعمارة المستوحاة من البحر المتوسط والدقة السويسرية.

وتعتبر مدينة لوغانو أكبر مدينة في منطقة تيتشينو، كما يوجد على بُعد نصف ساعة فقط منها ثلاث قلاع في بيلينزونا يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، إضافة إلى بلدة أسكونا الواقعة بالقرب من بحيرة ماجيوري.

وتبقى مدينة لوغانو، أكبر المدن في منطقة تيتشينو ببحيرتها ورغد العيش فيها، عدا عن جغرافيتها وأكواخها التاريخية. الوصول إليها سهل. فرحلة عبر القطار من ميلانو لا تستغرق سوى ساعة واحدة ومن زيوريخ ساعتين ونصف.

أجمل ما فيها أنها مؤطرة لاستقبال العشاق والعائلات على حد سواء. فهي مثالية لقضاء شهر العسل، نظرا لطبيعتها وسكينتها الرومانسية، وفي الوقت نفسه مناسبة للأطفال نظرا لنشاطاتها الترفيهية المتنوعة. إضافة إلى حديقة «سويس ميناتشور» التي تبعد 10 دقائق فقط عن مركز البلدة عبر القطار أو القارب، هناك مونت تامارو الذي يقع على بعد 20 دقيقة من لوغانو على متن القطار. ويحتضن هذا الجبل حديقة مغامرات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويُوفر قفزة توماروو، وهي عبارة عن لعبة التأرجح على الحبل، إضافة حديقة «سبلاش آند سبا» للألعاب المائية. فهذه تتوفر على كثير من المنزلقات المائية، وبرك السباحة الخارجية والداخلية إضافة إلى المنتجع الصّحي. ولا تكتمل زيارة لوغانو من دون زيارة مصنع الشوكولا وهي كثيرة هنا.

يعدّ الوقت الأمثل لزيارة تيتشينو بين أبريل (نيسان) وأكتوبر (تشرين الأول)، حيث يكون المناخ معتدلاً. وبشكل عام يتميز مناخ سويسرا عموما بالاعتدال في الهضاب والأودية السفلية، حيث يبلغ المعدل السنوي لدرجة الحرارة نحو 10 درجات مئوية، وتتراوح درجة الحرارة في أشهر الصيف بين 17 و28 درجة، بينما تتراوح في أشهر الشتاء بين درجتين إلى سبع درجات تحت الصفر.

السابق
نهر مورا السلوفيني
التالي
تاريخ طويل بين الأناقة والوحشية.. النمور والثعابين… صيحة هذا الموسم