توقعات صارمة لأحداث صادمة والعام 2017 يقترب
المتغيرات تخطت حاجز المتوقع والاحتمالات لا تزال مفتوحة
علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي وانتعاش الصين وصعود البنوك الإيطالية شبكة كلمات متقاطعة معقدة التفاصيل
الدوحة- بزنس كلاس
أصدر ’ساكسو بنك‘، البنك الاستثماري المتخصص بالتداول في الأسواق المالية العالمية عبر الإنترنت، توقعاته السنوية الصارمة للعام المقبل.
وقد جاءت هذه التوقعات في ضوء استمرار موجة المطالب بتعزيز الحوار حول الأمور التي قد تشكل صدمات مفاجئة على صعيد عوائد الاستثمار خلال العام المقبل، ويصف البنك تلك التوقعات بالصارمة، حيث ستتناول مجموعة من السيناريوهات مثل انتعاش النمو في الصين، وموجة الصعود في البنوك الإيطالية، وانحسار تأثير استفتاء ’بريكست‘ ورجوح الكفة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وما يرافق ذلك من استعداد الاتحاد الأوروبي لمواجهة ردود الأفعال الشعبيّة، وغيرها الكثير من القضايا. ولا يجب اعتبار ’التوقعات الصارمة‘ على أنها توقعات رسمية من جانب ’ساكسو بنك‘ حول السوق، وإنما مجرد رصد للأحداث والتحركات في السوق، وخاصة التي قد تنطوي على تأثيرات خارجية تطال الآراء المتوافق عليها.
قرارات الأوقات العصيبة
في هذا السياق، قال ستين جاكوبسن، رئيس الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى ’ساكسو بنك’: “بعد مضي عام حافل بالمضامين والأحداث التي تخطت بتأثيرها كل الاحتمالات المرجّحة – خاصة الصدمة المتعلقة باستفتاء ’بريكست‘ ونتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية- فإن الموضوع الرئيسي لتوقعاتنا الصارمة لعام 2017 سيتمحور حول الأوقات العصيبة التي تتطلب اتخاذ إجراءات صعبة.
وفي ضوء التغييرات التي تطرأ دوماً في أوقات الأزمات، سيحمل عام 2017 في طياته نداء من أجل الصحوة، وسيترافق ذلك مع ابتعاد عن أسلوب ’العمل على النحو المعتاد‘، سواء بالنسبة للسياسات التوسعية للبنوك أو إجراءات التقشف الحكومية والتي اتسمت بها أزمة ما بعد عام 2009”.
وأضاف جاكوبسن: “وحيث أن بعض توقعاتنا الماضية كانت أقل صرامةً مقارنة بما كان يُعتقد منذ الوهلة الأولى، ولكن من المهم أن يدرك المستثمرون الاحتمالات التي قد تخرج عن نطاق توقعات السوق، وذلك ليتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة، حتى في ظل السيناريوهات غير المرجحة في السوق”.
بناء على المعطيات
وبناءً على ذلك، يصدر ساكسو بنك توقعاته الصارمة لعام 2017:
- تضخم الناتج المحلي الإجمالي الصيني يبلغ 8% و’مؤشر شنغهاي المركب‘ (SHCOMP) يلامس مستوى 5000
تدرك الصين بأنها وصلت إلى نهاية مرحلة النمو في قطاعي التصنيع والبنية التحتية؛ ان تدابير التحفيز الهائلة الناجمة عن السياسات المالية والنقدية تساعد على تمكين أسواق رأس المال من التحول بنجاح إلى النمو القائم على الاستهلاك. وسيفضي ذلك إلى تحقيق نمو بنسبة 8% خلال عام 2017، وسط توقعات بعودة الصعود مجدداً نتيجة نمو قطاع الخدمات. كما ساهمت مشاعر الارتياح إزاء النمو القائم على الاستهلاك الخاص في صعود ’مؤشر شنغهاي المجمع‘ عن مستواه المسجل عام 2016، متجاوزاً مستوى 5000.
على خطى اليابان
- مجلس الاحتياطي الفيدرالي يحذو حذو ’بنك اليابان‘ في خطوة يائسة لتثبيت نمو سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند مستوى 1.5%.
بالتوازي مع التوقعات بارتفاع الدولار الأمريكي وأسعار الفائدة الأمريكية بطريقة سلبية جداً ومتزايدة الوتيرة خلال عام 2017، فإن السياسات المالية الجامحة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ستقود العوائد لأجل 10 سنوات إلى بلوغ مستوى 3%، مما سيرسخ حالة من الذعر في السوق. ومع احتمال مواجهته لحالة من الاضطراب، يعمد الاحتياطي الفدرالي على تقليد ’بنك اليابان‘ من حيث تحكّمه بمنحى العوائد، وذلك عن طريق تحديد نمو العوائد الحكومية لأجل 10 سنوات عند نسبة 1,5%؛ ولكنه من جهة أخرى سيواصل تطبيق الجولة الرابعة من إجراءات التسيير الكمي أو حتى تطبيق مثل هذا الجولات لوقت غير محدد. ومن شأن ذلك أن يكبح جماح عمليات البيع في أسواق الأسهم والسندات العالمية، بما يؤدي إلى تحقيق أكبر مكاسب لأسواق السندات في 7 أعوام، علماً أن الأصوات الناقدة لذلك تضيع وسط هدير الصعود الجديد المدعوم من جانب البنوك المركزيّة.
سندات طويلة الأجل
- معدل العجز في العوائد المرتفعة يتخطى 25%
مع وصول المعدل المتوسط لعجز عوائد السندات طويلة الأمد إلى 3,77%، بعد ارتفاعها خلال الأعوام 1990 و2000 و2009 إلى 16% و10% و12% تباعاً، فإن عام 2017 سيشهد صعوداً لمستويات العجز إلى ما يتخطى 25%. ومع الوصول إلى الحدود العليا على صعيد تدخل البنوك المركزية، تميل الحكومات في أنحاء العالم إلى اعتماد الحوافز المالية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة (باستثناء اليابان)، وبالتالي انحدار منحنى العائد بشكل كبير. ومع التأثر السلبي الواضح للتريليونات من سندات الشركات حول العالم، نؤكد أن هذه المشكلة ستتفاقم بشكل متناوب لتتجه بعيداً عن صناديق السندات، مما يساهم بالتالي في توسيع الهوامش، ويجعل من المستحيل إعادة تمويل الديون منخفضة الدرجة. وبالتوازي مع وصول معدلات العجز إلى 25%، فإن الأطراف غير الفاعلة في الشركات لم تعد تلعب دوراً حيوياً يسمح بتخصيص رأس المال بكفاءة.
ردود أفعال عالمية
- استفتاء ’بريكست‘ لم يبعد بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بعد تنامي الأصوات المؤيدة لبقائها
أجبرت ردود الأفعال الشعبية العالمية عبر جانبي المحيط الأطلسي قيادة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ موقف أكثر تعاوناً تجاه المملكة المتحدة. ومع تقدم عملية المفاوضات، قدّم الاتحاد الأوروبي تنازلات رئيسية حول قضايا الهجرة، وحقوق امتلاك جوازات السفر لشركات الخدمات المالية في المملكة المتحدة؛ ومع تفعيل مقتضيات ’المادة 50‘ من ’معاهدة لشبونة‘ وعرضها أمام البرلمان، فسوف يتم رفض الخطوة لصالح إقرار اتفاق جديد. ولا تزال بريطانيا ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، علماً أن بنك إنجلترا رفع معدل الفائدة إلى 0,5%، بالتوازي مع هبوط اليورو/ الجنية الاسترليني إلى 0.7300، مما يعيد للأذهان ما حدث في عام 1973 الذي شهد دخول المملكة المتحدة في السوق الأوروبية المشتركة.
في انتظار أمريكا
- التأثيرات السلبية تطال النحاس
كان النحاس من أبرز السلع التي حظيت بالفائدة على نحو واضح عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية؛ ولكن عام 2017 سيشهد عودة السوق إلى إدراك أن الرئيس الجديد سيكافح من أجل تحقيق استثماراته الموعودة، ناهيك عن الإخفاق بتحقيق الزيادة المتوقعة في الطلب على النحاس. وفي خضم مواجهته لموجة من الاستياء المتزايد في الولايات المتحدة، سيعمل الرئيس ترامب على تعزيز الإجراءات الحمائية، وتعزيز الحواجز التجارية التي ستتسبب بمشاكل للأسواق الناشئة، إضافة إلى أوروبا. وقد بدأنا نشهد تراجعاً للنمو العالمي بالتوازي مع تباطؤ الطلب الصيني على المعادن الصناعية نتيجة توجّه الصين نحو النمو القائم على الاستهلاك. وحالما ينجح النحاس عالي الجودة باختراق خط اتجاه الدعم ليعود بذلك إلى سعر 2 دولار/للباوند المسجل لعام 2002، فإن الباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه أمام موجة من عمليات البيع المضاربة التي ستساعد على هبوط النحاس لأدنى مستوى له خلال الأزمة المالية لعام 2009 عند سعر 1,25 دولار/ للباوند.
ميزانيات عاجزة
- مكاسب ضخمة لعملات بيتكوين نتيجة ارتفاع سوق العملات الرقمية المشفرة
خلال عهد الرئيس ترامب، سيتسبب الإنفاق المالي في الولايات المتحدة بزيادة العجز في الميزانية من 600 مليار دولار إلى 1,2-1,8 تريليون دولار. وسيفضي ذلك إلى تسجيل ارتفاع حاد وسريع في مستويات النمو والتضخم، مما سيجبر الاحتياطي الاتحادي على تسريع موجة الصعود، في وقت سيسجل فيه الدولار الأمريكي مستويات قياسية جديدة. وسيتسبب ذلك بحدوث تأثير متدرّج في الأسواق الناشئة، وخاصة الصين التي بدأت تبحث عن بدائل لنظامها الخاص بالنقود الورقية المدعومة بالدولار الأمريكي، وكذلك اعتمادها المفرط على السياسة النقدية الأمريكية. كما سيقود ذلك إلى تنامي شعبية البدائل من العملات الرقمية المشفرة، مع العلم أن عملات بيتكوين ستكون المستفيد الأكبر. من جهة ثانية، ومع تقبّل الأنظمة المصرفية والجهات السيادية في روسيا والصين لعملات البيتكوين كبديل جزئي للدولار الأمريكي، فإن البيتكوين ستشهد نمواً بواقع 3 أضعاف، لتبلغ قيمتها 2100 دولار مقارنة بالمستوى الحالي البالغ 700 دولار.
أسهم الرعاية الصحية
- إصلاح نظام الرعاية الصحية الأمريكي يفاقم حالة الذعر في القطاع
يمثل الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 10%؛ وفي حين لن تساهم زيادة الحصص لسكان الولايات المتحدة بتغطية التكاليف الطبية. فقد تلاشى سريعاً الصعود الأولي لأسهم قطاع الرعاية الصحية بعد فوز ترامب وبالتزامن مع قرب حلول عام 2017؛ حيث يدرك المستثمرون أن الادارة الأمريكية الجديدة لن تكون مرنة إزاء قطاع الرعاية الصحية، وستعمل على إطلاق إصلاحات شاملة لنظام الرعاية الصحية الأمريكي الذي يستم بأنه مكلف وغير منتج. من ناحية أخرى، انخفض مؤشر صندوق مؤشرات قطاع الرعاية الصحيّة (SPDF) (صناديق الاستثمار المتداولة) بنسبة 50% لتبلغ قيمته 35 دولار، مما ينهي بذلك موجة الصعود الأكثر قوة في سوق الأسهم الأمريكية منذ الأزمة المالية.
مراهنات على ترامب
- بالرغم من فوز ترامب، البيزو المكسيكي يرتفع خاصة مقابل الدولار الكندي
ربما بالغت السوق إلى حد كبير بالنوايا الحقيقية للرئيس دونالد ترامب أو حتى قدرته على اتخاذ إجراءات صارمة ضد حركة التجارة مع المكسيك، مما ساعد البيزو المتراجع أصلاً على الصعود مجدداً. وفي نفس الوقت، تواجه كندا ارتفاعاً في أسعار الفائدة وأزمة ائتمان في سوق الإسكان. كما تواجه البنوك الكنديّة أعباءً كثيرة، وهو ما دفع البنك المركزي الكندي إلى التركيز على إجراءات التيسير الكمي وضخ رؤوس أموال في المنظومة الماليّة. إضافة إلى ذلك، سجل الدولار الكندي أداءً ضعيفاً لاسيما وأن كندا تتمتع بقدر أقل من فرص تجدد النمو مقارنة مع ما كان عليه الحال في الماضي، وذلك نتيجة تدهور قطاع التصنيع في البلاد وتحوّله عن النطاق العالمي، إضافة إلى تأثير سنوات طويلة من القوة المفرطة للدولار الكندي. ويشهد سعر تداول الدولار الكندي أمام البيزو المكسيكي موجة تصحيح بنسبة 30% مقارنة مع أعلى مستوى مسجل في عام 2016.
دوامة الفوائد السلبية
- البنوك الإيطالية هي الأفضل من حيث أداء الأسهم
وجدت البنوك الألمانية نفسها عالقة في دوامة أسعار الفائدة السلبية والمنحنيات الأفقية للعوائد، ناهيك عن عدم قدرتها على الوصول إلى أسواق رأس المال. وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن إنقاذ أي بنك ألماني سيعني بالضرورة إعداد خطط إنقاذ لبنوك الاتحاد عموماً، ولكن تأثير ذلك لن يصل بين ليلة وضحاها إلى البنوك الإيطالية التي ترزح بدورها أيضاً تحت وطأة القروض المتعثرة وركود الاقتصاد المحلي. وسيتيح اعتماد ضمانات جديدة إعادة رسملة النظام المصرفي، مع العمل على إنشاء بنك أوروبي يعالج الديون المتعثرة بهدف ضبط الميزانية العمومية لمنطقة اليورو وتمكين آلية الائتمان المصرفي من العمل بكفاءة مجدداً. وتجدر الإشارة إلى أن أسهم البنوك الإيطالية سجلت ارتفاعاً بنسبة تتخطى 100%.
نظرية “الكنزية”
- الاتحاد الأوروبي يحفز النمو من خلال سندات اليورو المشتركة
في غمرة نجاح الأحزاب الشعبية في أوروبا، بدأت الأحزاب السياسية التقليدية بالابتعاد عن سياسات التقشف وتفضيل السياسات القائمة على نظرية ’الكنزية‘ في الاقتصاد، والتي طبّقها الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت لمواجهة أزمة عام 1929. وقد أطلق الاتحاد الأوروبي خطة تحفيز مدتها 6 سنوات بقيمة 630 مليار يورو بدعم من رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وذلك لتجنب الضعف المالي الناجم عن زيادة الواردات؛ كما أعلن قادة الاتحاد الأوروبي عن إصدار سندات اليورو لموجهة لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية بقيمة 1 تريليون يورو، وتعزيز التكامل في منطقة اليورو، ودفع تدفقات رؤوس الأموال إلى الاتحاد الأوروبي.