“روسيا غيت”.. تقض مضجع ترمب!!

واشنطن – عواصم – بزنس كلاس:

ربما نجح سياسو واشنطن المخضرمين تلقين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب درسا “سياسياً” لن ينساه طيلة حياته، فقد زرعوا في قلبه رعب اسمه “العلاقة مع روسيا” واصبح هاجس الرئيس غريب الطباع أن يبعد عن نفسه بأي شكل “تهمة التخابر مع روسيا” حتى لو أدى به الأمر لاتخاذا قرارات ربما تؤدي لاندلاع حرب مع موسكو في نهاية المطاف. وباتت هذه المسألة التي يصح تسميتها من الآن “روسيا غيت” على غرار ووتر غيت وإيران غيت، الباب الذي يخشى ترمب أن تدخل منه الريح التي ستقذفه خارج أسوار البيت الأبيض.

فقد ذكرت تقارير صحفية بأن الشباك القانونية ازدادت التفافاً حول رئاسة دونالد ترامب بشكل كبير، هذا الأسبوع، بعدما وردت أخبار بإنشاء هيئة محلفين كبرى على بُعد مئات الأمتار من البيت الأبيض، لمتابعة أدلة التواطؤ مع الكرملين، وأن هذه الهيئة أصدرت أوامر استدعاء.

وأفادت تقارير بأن المستشار الخاص الذي يحقق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، روبرت مولر، بدأ في استخدام هيئة محلفين كبرى للنظر في القضية. وهو تطور مثير للقلق بالنسبة للرئيس، لعدة أسباب:

في النظام القانوني الأميركي، تتمتع هيئة المحلفين الكبرى بسلطات واسعة لإصدار أوامر الاستدعاء، وتوجيه الاتهامات في نهاية المطاف، بناء على طلب المدعين العامين، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

 

ما هيئة المحلفين الكبرى؟

 

في الولايات المتحدة، تتألف الهيئات الكبرى من أعضاء من الشعب يستمعون إلى الأدلة في جلسات سرية.

وتستثمر النيابة صلاحياتهم في إجبار الأشخاص على تقديم شهاداتهم أو تسليم وثائق في حوزتهم.

وعلى الرغم من أنهم ينظرون في تحديد هل الدليل المقدم في أي قضية قوي وكافٍ لتوجيه لوائح الاتهامات في قضية جنائية، إلا أن استخدامهم لا يعني أن إصدار لوائح الاتهام تلك بات أمراً وشيكاً أو حتى محتملاً كما لا تقرر هيئات المحلفين الكبرى براءة أو إدانة المشتبه به.

وبدأت هذه الحلقة الجديدة من مشكلات ترامب القانونية، عندما فتح روبرت مولر، المحقق الخاص المكلف من قبل وزارة العدل الأميركية بالتحقيق في مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، فتح تحقيقاً جديداً، في منتصف شهر يونيو/حزيران 2017، في إمكانية أن يكون ترامب قد عرقل سير العدالة من خلال محاولاته الضغط على المدير المقال لمكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي، لإجباره على التخلي عن تحقيق حول مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، وعلاقته بروسيا. حسبما نقلت بي بي سي عن صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

b

 

العاصمة تكره ترامب

 

وروبرت مولر، الذي يحقق في التدخل الروسي في الانتخابات هو رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، وقد استخدم لجنة تحكيم كبرى في ولاية فرجينيا للحصول على تصاريح خاصة بمطالبات فريقه فيما يخص الوثائق والشهود.

غير أن انعقاد هيئة محلفين كبرى في واشنطن يظهر أن فريق مولر سيقوم بالاستفادة من هذه الخطوة على نطاق واسع.

وترى الغارديان أنه لن يكون هذا الوضع مريحاً للرئيس. فقد فاز ترامب بنسبة 4% فقط من الأصوات في مقاطعة كولومبيا (التي توجد بها العاصمة واشنطن).

وقال سكوت هورتون، المحاضر في كلية الحقوق في كولومبيا “إن ما يحدث يهيئ مسرح الأحداث للمحاكمات الجنائية، حيث سيتم توجيه الاتهامات، في أسوأ محاكمة ممكنة لترامب، لافتاً إلى أنه بالمقارنة مع ولاية فرجينيا، الجمهوريون في العاصمة -حيث تعقد هيئة المحلفين- قليلون ومتباعدون”.

وأضاف “أن انعقاد هيئة المحلفين الكبرى هو أيضاً دليل واضح على أن التحقيق آخذ في الاتساع، وليس في التراجع”، مشيراً إلى أن المستشار الخاص يستكشف الجرائم المحتملة المرتكبة داخل مقاطعة كولومبيا.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن محققي مولر طلبوا من البيت الأبيض الحصول على وثائق تتعلق بمستشار الأمن القومي الأول في الإدارة الأميركية مايكل فلين، الذي استقال من منصبه بعد وقت قصير، بعدما اتضح إخفاؤه طبيعة اتصالاته مع سفير روسيا في واشنطن.

وفي الوقت نفسه، ذكر تقرير من صحيفة Vox أن كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي قيل لهم أن يعتبروا أنفسهم شهوداً محتملين في تحقيق مع ترامب بتهمة عرقلة سير العدالة. وشهد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي، خليفة مولر في المنصب، أن ترامب حاول الضغط عليه لإغلاق تحقيق فلين.

ومن المعروف أن كومي أقيل من منصبه، في 9 مايو/أيار 2017، بعد رفضه الضغط أو قسم الولاء الشخصي لترامب،. وبينما ينكر ترامب محاولة إجبار كومي إسقاط القضية، فإن هذا الوضع ليس مجرد كلمة رجل ضد الآخر. فقد سجل كومي تقريراً مفصلاً وأبقى دائرة داخلية من كبار مساعدي مكتب التحقيقات الفدرالي على علم بالتطورات اليومية.

 

البيت الأبيض مسرح للجريمة

 

ويُعد البيت الأبيض مسرح الجريمة المحتمل في التحقيق في تهمة عرقلة سير العدالة. إنه المكان الذي جلس فيه ترامب منفرداً مع كومي في مناسبتين مختلفتين، حيث يزعم كومي أنه تعرض للضغوط.

كانت فضيحة ووترغيت، التي تتشابه قضية التدخل الروسي معها إلى حدٍّ كبير، هي بداية النهاية لرئاسة ريتشارد نيكسون. ومن الممكن جداً أن يواجه ترامب نفس المصير.

وكان البيت الأبيض قد اعترف مؤخراً -بعد إنكار محامي ترامب مراراً- بأن الرئيس الأميركي “تدخل كما كان أي والد سيفعل” في صياغة بيان مضلل حول اجتماع ابنه، في يونيو/حزيران عام 2016، مع محامٍ روسي له صلات قوية بالكرملين والمخابرات الروسية.

وزعم البيان أن الاجتماع كان يتعلق بتبني الأطفال الروس من قبل المواطنين الأميركيين. بينما أظهر تبادل المراسلات الإلكترونية التي ظهرت في وقت لاحق من قبل دونالد ترامب الابن، أن المحامية الروسية ناتاليا فيسلنيتسكايا كانت في الواقع تعرض تزويدهم بمواد مسيئة لمنافسة والده في الانتخابات هيلاري كلينتون.

وأفادت وكالة رويترز أن هيئة المحلفين الكبرى في واشنطن قد أصدرت بالفعل أوامر استدعاء متصلة بذلك الاجتماع، الذي انعقد في برج ترامب في نيويورك، وهو مؤشر آخر على أن التحقيق يقترب من عائلة ترامب.

يشار إلى أن رد ترامب الابن السريع عبر البريد الإلكتروني على العرض الروسي بتزويده بمواد مسيئة لهيلاري كلينتون كان “إذا كان ما تقوله صحيحاً، فأنا أحب ذلك”، هو يوحي على الأقل بشهية للتواطؤ، مثل دعوة والده بعد شهر، في يوليو/تموز 2016، لروسيا للعثور على آلاف من رسائل كلينتون “المفقودة”.

ونفت حملة ترامب في وقت لاحق أن هذه الدعوة كانت تمثل تشجيعاً لموسكو على اختراق خادم البريد الإلكتروني الخاص بمنافسته هيلاري كلينتون. وادعى ترامب الابن أنه لا شيء نتج عن اجتماع، يونيو/حزيران 2017، مع المحامية الروسية.

 

استدعاء ابن الرئيس

 

قد تجبر أوامر الاستدعاء من قبل هيئة المحلفين الكبرى ابن الرئيس والمشاركين الآخرين في الاجتماع، بما في ذلك صهر ترامب، جاريد كوشنر، ومدير الحملة السابق بول مانافورت، على الإدلاء بشهاداتهم تحت القسم، حول ما حدث بالفعل في برج ترامب.

يقال إن مانافورت، الذي أدار الحملة لمدة ثلاثة أشهر في صيف عام 2016، هو شخصية محورية في تحقيق مولر وتحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي قبل ذلك. لأنه عمل مستشاراً لشخصيات مدعومة من موسكو في أوكرانيا، لذا فهو يمثل أحد الروابط بين ترامب وموسكو.

وذكرت شبكة “سي إن إن” الإخبارية، أن المحققين عثروا على رسائل من عملاء روس يشيرون إلى محادثات أجريت مع مانافورت حول التنسيق لتسريب المعلومات التي تسيء إلى هيلاري كلينتون، عبر اختراق اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي.

ورفض جيسون مالوني، المتحدث باسم مانافورت، هذا التقرير. وقال مالوني في رسالة إلكترونية للغارديان “إن بول مانافورت لم يتواطأ مع الحكومة الروسية لتقويض انتخابات عام 2016، أو لاختراق حواسيب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي”.

وأضاف “بخلاف هذا التعليق، لن نرد على المسؤولين المجهولين الذين يروجون بشكل غير قانوني لنظريات المؤامرة. ولكن وزارة العدل الأميركية، والمحاكم إذا لزم الأمر، يجب أن تحاسب المسؤول عن فيضان التسريبات الحكومية غير المشروعة التي تستهدف السيد مانافورت”.

 

تحقيق قد يكون موسعاً

 

حسب الغارديان، فإنه من الواضح أن التحقيق في شأن مانافورت، واجتماع برج ترامب سيئ السمعة وقضية تعطيل سير العدالة، هي مجرد أجزاء صغيرة من تحقيق أكبر بكثير.

جميع المحامين الستة عشر الموجودين حالياً في فريق مولر هم -تقريباً- من المتخصصين في غسيل الأموال والجرائم المالية الأخرى، مما يشير إلى أن التحقيق سوف يقضي الكثير من وقته في فكِّ تشابكات الإمبراطوريات العقارية التي يمتلكها ترامب وكوشنر، والبحث عن مصادر الأموال التي تضمن سير أعمالهم بصورة سلسة.

وكان غريغ أندريس، آخر من التحق بالفريق، هو نائب مساعد النائب العام السابق الذي كان يدير الوحدة التي تستهدف الرشاوى الأجنبية.

وقال مالكولم نانس، وهو ضابط سابق في المخابرات الأميركية ومؤلف كتاب عن دور موسكو في الانتخابات الأميركية لعام 2016، (خطة اختراق أميركا): “أصبح فريق مولر يضم الآن 14 من كبار المدعين المختصين بالجرائم المالية في أميركا”.

ويتوقع نانس أن يبحث تحقيق مولر في كل ركن من جوانب التعاملات التجارية الماضية لكل من ترامب وكوشنر.

وأضاف نانس “قد تكون العدالة بطيئة، ولكن جميع هؤلاء سيقعون تحت طائلتها: فلين، (جاريد) كوشنر، ترامب، مانافورت وأي شخص تم تعيينه في البيت الأبيض خلال هذه الفترة. إن حياتهم كلها ستخضع للتدقيق. لن يخرج أحد من دون تمحيص. لهذا السبب يشعر ترامب بالذعر”.

 

هل يجرؤ ترامب على هذه الخيارات؟

 

وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، في يوليو/تموز الماضي، أشار ترامب إلى أن التحقيق في تعاملاته المالية خارج الروابط المباشرة مع روسيا سيمثل “انتهاكاً”، وخطاً أحمر محتملاً لا يجب أن يعبره مولر. وقال إنه لن يسعى إلى إقالة المستشار الخاص في هذه الحالة، لأنه لا يعتقد “أن ذلك سيحدث”.

كما أن إقالة مولر ستكون مكلفة، فقد تثير ضجة في واشنطن وتستعدي بعض الجمهوريين في الكونغرس. هذا الأسبوع، جرت صياغة مشروعي قانون باتفاق الحزبين بهدف منع ترامب من القيام بذلك.

وحتى لو تمكن الرئيس من تخليص نفسه من المستشار الخاص المزعج، فلن تكون لديه أي ضمان بأنه سيتمكن من إغلاق التحقيق. سيستمر عمل الأعضاء الآخرين في الفريق وأعضاء هيئة المحلفين الكبرى.

كما أفادت التقارير أن ترامب يستكشف إمكانية إصدار العفو عن أفراد الأسرة وغيرهم من المنتسبين الذين خالفوا القانون، بما في ذلك العفو عن نفسه، وهو امتياز تنفيذي في منطقة مجهولة، حسب وصف الغارديان.

في الوقت الراهن، تتمثل استراتيجيته في السعي إلى استنزاف شرعية المستشار الخاص ومكتب التحقيقات الفدرالي، والسخرية من التحقيق باعتباره حملة لتوقيع عقوبة غير مستحقة.

كما يقوم مؤيدوه بالتحقيق المضاد لفريق مولر، ويبحثون عن نقاط الضعف ونقاط القوة ويصورون المحققين على أنهم عناصر منتمية “للدولة العميقة”.

يوم الخميس، ألقى ترامب خطاباً أمام حشد من أنصاره في ولاية فرجينيا الغربية، مؤججاً جنون العظمة لدى أنصاره المتحمسين “لم يستطيعوا الانتصار علينا فى مقصورات التصويت، لذلك يحاولون خداعكم لسرقة مستقبلكم؛ المستقبل الذي تريدونه”.

وتتطلع تلك الاستراتيجية إلى انتهاء تحقيق مولر في العام المقبل، أو ربما في وقت لاحق بعد ذلك. يمكن للمحلفين إصدار لوائح اتهام لمساعدي ترامب في أي وقت، ولكن عندما يتعلق الأمر بالرئيس نفسه، فإن حكم مولر على الأرجح سيأتي في شكل تقرير إلى الكونغرس.

ومن ثم سيكون على مجلس النواب اتخاذ القرار عما إذا كان ينبغي المضي قدماً إلى إقالته، ثم إلى مجلس الشيوخ ليقرر ما إذا كان مداناً. وستكون تلك أحكاماً سياسية. حتى الآن، لم ينشق عن الصف بشكل علني سوى عدد قليل من الجمهوريين ​​ضد ترامب.

انخفضت معدلات التأييد العامة للرئيس إلى منتصف الثلاثينات، لكنها لا تزال مرتفعة بين مؤيديه الرئيسيين في الولايات المتأرجحة، الذين يعتقدون أن كل هذه القضايا من مؤامرات “الدولة العميقة”.

الجمهوريون الذين سيصوتون لصالح الإقالة عليهم أن يحذروا من الخطر المحدق. فقد يؤدي التحقيق الجاري إلى إسقاط رئيس، أو قد يترك البلاد، ببساطة، أكثر تفرقاً وتشرذماً مما هي عليه الآن.

السابق
نحو 50 مليار دولار “غرامة” طلاق لندن من الاتحاد الأوروبي!
التالي
تبحث الأزمة وملفات إقليمية.. رسالة لسمو الأمير من بوتفليقة