رتشارد فالك: لجوء قطر لمحكمة لاهاي نهج بنّاء لإنهاء الأزمة الخليجية سلمياً

الدوحة – وكالات:

أكد ريتشارد فالك الأستاذ في القانون الدولي في جامعة برينستون الأمريكية والمقرر سابقا للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ان كشف عملية التجسس ضد دولة قطر يظهر العلاقة بين أبوظبي والكيان الصهيوني حيث لا يمكن أن تتم عملية الاقتناء بدون معرفة ومن المحتمل موافقة حكومة إسرائيل.
واعتبر البروفيسور أن المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار فضلاً عن الحصار المفروض على قطر، غير قانونية وتنتهك السيادة القطرية، مبيناً أن لجوء دولة قطر إلى محكمة لاهاي خطوة مهمة تمثل نهجًا بنّاءً لوضع الأزمة في نهاية سلمية وفقاً للقانون الدولي الذي يحرص على إرساء العدالة وضمان حقوق المواطنين، أما بخصوص حرمان القطريين من أداء مناسك الحج، فقد اقترح ريتشارد فولك إمكانية النظر في فرض التزام قانوني إقليمي أو دولي على السعودية لتأمين الحج لجميع المسلمين في ظروف آمنة ودون تمييز. وفيما يلي نص الحوار..
* ما هو رأيك في المعطيات التي نشرتها نيويورك تايمز التي تثبت التجسس الإماراتي بالتعاون مع إسرائيل على دولة قطر؟
تعتبر هذه التطورات خطيرة لكنها ليست جديدة، فعلى مدار تاريخ العلاقات الدولية، تدفع الحكومات المال وتستخدم مجموعة متنوعة من الأساليب المتنوعة للوصول إلى أسرار خصومها والاتصالات الخاصة بها سيما في ظل التطورات التكنولوجية وقدرتها على اختراق القنوات الآمنة للاتصالات. وفي الظاهر ليس لدولة الإمارات علاقات رسمية مع إسرائيل، ولكنها تشتري بسعادة برامج تجسس من شركة إسرائيلية، هي NSO.
من منظور القانون الدولي، يعتبر هذا الشكل من أشكال التدخل غير القانوني لسيادة الدولة، والتي تجرمها الحكومة المستهدفة بالعقوبات التي تُرتكب وفقاً لتقديرها، بينما تمجد الحكومة المسؤولة عن التجسس عملاءها، أو تنكر أعمالهم القذرة. وعلى الجانب الآخر، فإن الممارسة شائعة إلى حد كبير، وتعتبر من المسلمات، أنه من الصعب النظر في ادعاءات التجسس.
وحسب رأيي فان النهج المعقول الوحيد في هذا الوقت هو التساؤل عما إذا كانت برامج التجسس التي يتم تطويرها تعمل على تغيير خصوصية القادة وأمن الدول بشكل جذري بحيث تخضع لمعاهدة حظر جديدة، على غرار حظر بعض أسلحة الحرب مثل الأسلحة البيولوجية الكيميائية. كما يجب ان توفر طريقة عملية لتنظيم وتنفيذ أي حظر يمكن الاتفاق عليه حيث إن ميزة جديدة لبرامج التجسس الرقمية يمكن أن تخترق الدول دون أي تدخل جسدي، ومن ثم فهي برامج تجسس بدون جواسيس.
انتهاك السيادة
* من منظور القانون الدولي هل الحصار على دولة قطر والمطالب الـ 13 لدول الحصار قانونية وتحترم السيادة الدولية؟
إن المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار فضلاً عن الحصار المفروض على قطر، غير قانونية، تنتهك السيادة القطرية من خلال استخدام الإكراه الدبلوماسي والاقتصادي للتدخل في السياسة التي تندرج في إطار سلطة دولة ذات سيادة. ويمكن الجزم بأن الحصار تكتيك جغرافي سياسي إقليمي يحاول أن يستخدم الضغط بطرق مختفلة على دولة قطر للتنازل عن حقوقها كدولة مستقلة لها كيانها وسيادتها بموجب القانون الدولي. كما إن مزاعم دول الحصار. حول دعم الدوحة للإرهاب لا أساس لها من الصحة ولا تدعمها أي أدلة موثوق بها. والإشكالية لا تقتصر على أن المطالب الـ 13 لدول الحصار تنتهك القانون الدولي، بل إنها تخل بقواعد البروتوكول الدبلوماسي سيما وأن قطر عضو في مجلس التعاون الخليجي.
حل النزاعات سلمياً
* كيف تقيم توجه قطر إلى محكمة العدل الدولية للدفاع عن حقوق مواطنيها؟
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يعد مناسبًا في الحالات التي يوجد فيها نزاع قانوني، ولا يمكن حله عن طريق الوساطة الدبلوماسية وحيث إن قطر أكدت رغبتها في قبول وساطة طرف ثالث في النزاع والتوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للطرفين وفي المقابل كررت دول الحصار مطالبها ولم تظهر أي استعداد لإنهاء الأزمة بالتفاوض السلمي. وفي هذه الحالة من حق قطر أن تستفيد من وسائل العدالة الدولية، وإذا كان لديها معاهدة الحق في حل النزاعات مع دول الخليج الأخرى عن طريق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، كما إن هذه الخطوة تمثل نهجًا بنّاءً لإنهاء الأزمة بطريقة سلمية وفقا للقانون الدولي ولإرساء العدالة يجب أن يتحصل القطريون الذين تضرروا من هذه الاجراءت غير القانونية القسرية على تعويض يتناسب مع الضرر الذي تعرضوا له.
التزامات دولية
* تم حرمان القطريين من أداء مناسك الحج.. كيف ينظر القانون والمجتمع الدولي لهذا التعسف السعودي؟
لدى السعودية التزامات دولية تعهدت بها تجاه المسلمين للاضطلاع بدورها كمكان للمواقع الدينية المقدسة وهناك أيضا تقاليد دبلوماسية تخلق توقعات بأن مثل هذا الدخول لهذا الغرض الديني سوف يتم تسهيله من قبل السعودية،كما يجب النظر في إمكانية فرض واجب قانوني إقليمي أو دولي. ويبدو من المعقول فرض مثل هذا الالتزام القانوني لتأمين الدخول وضمان الأمن في السعودية لجميع المسلمين من دون تفرقة. إن ترجمة مثل هذا الواجب الديني إلى حق قانوني أمر يستحق دراسة متأنية، ربما في سياق توسيع حق الحرية الدينية الذي هو حق إنساني محمي من الناحية القانونية.
رفض الحل
* وصلت الأزمة الخليجية إلى مرحلة من الجمود كيف ترى جهود الوساطة؟
قطر مستعدة لكل أشكال الوساطة ومنفتحة على الحوار والمشكلة تبقى في دول الحصار المصممة على رفض حل الأزمة. كما هناك الكثير من الوسطاء الراغبين في المنطقة ومن أوروبا أو الولايات المتحدة في حلحلة الأوضاع ورفع الحصار وبالنظر إلى الاضطرابات في الشرق الأوسط، تخلق أزمة الخليج نقطة اشتعال إضافية يمكن أن تنفجر بطرق خطيرة وغير متوقعة. فكرة الوساطة هي وسيلة لإعطاء كلا الجانبين الفرصة لحل الأزمة دون الحاجة إلى الاعتراف بالهزيمة أو تحمل نوع من الإذلال الدبلوماسي. لقد حان الوقت لقادة “ائتلاف الخليج” أن يقبلوا عروض الوساطة بشكل عاجل،دون إطالة أمد هذه الأزمة المدمرة إقليمياً التي تتسبب أيضاً في إلحاق الأذى بالعديد من الدول والأفراد الذين اضطروا لقطع علاقاتهم مع أحد الطرفين مما اضطر الدول والكيانات الى تحمل تبعيات الأزمة الخليجية بطرق تؤدي إلى أعباء غير عادلة ومرشحة للتطور.
علاقات إقليمية فعالة
* تلعب دولة قطر دوراً محورياً استراتيجياً من خلال علاقاتها الدولية المتينة مع الدول الكبرى كيف تقيم هذا الدور؟
من المفارقات في الأزمة الخليجية أن قطر رغم الحصار لعبت في الآونة الأخيرة دوراً معتدلاً بشكل متواصل فيما يتعلق بالعديد من النزاعات الإقليمية، وانخرطت في علاقات خارج العالم العربي أنتجت فوائد اقتصادية وأمنية ودبلوماسية. في الواقع، استخدمت قطر ثروتها ونفوذها بطرق مبتكرة إلى حد كبير لإقامة علاقات إقليمية ودولية مفيدة للطرفين. وفي هذا الصدد، يمكن النظر إلى أن قطر لعبت دورًا دبلوماسيًا استراتيجيا هاما،مما يؤهلها أن تكون نموذجًا لكيفية أن تكون فعالة كدولة ذات سيادة من خلال الاعتماد على “القوة الناعمة”.
تخويف الحكومات
* كيف ترى الإشكالية بين السعودية وكندا؟ والسياسة الخارجية للرياض؟
يعبر سلوك السعودية تجاه كندا عن نفس التوجه الذي اتسمت به سياستها القائمة على محاولات تخويف الحكومات الأجنبية عن طريق التهديد والأعمال المعادية كلما شعرت أن سياساتها تعرضت لانتقادات أو أن أهدافها قد تعرضت للتحدي أو الخطر. إن انتقاد كندا للممارسات السعودية مناسب تماماً نظراً للطابع الدولي لمعايير حقوق الإنسان سيما حيث تتعرض المصالح الكندية المشروعة للخطر، أما الرد السعودي فهو جزء من سياستها العدوانية التي برزت جليا في الأزمة مع قطر، بالإضافة إلى تورطها في الحرب الشنيعة في اليمن، والتي تشمل القصف المتكرر للمواقع المدنية وحرمان اليمنيين من الغذاء والدواء في بلد يعيش تحت تهديد المجاعة الجماعية ويعاني سكانه من تحديات الصحية الرهيبة.
البحث عن الهيمنة
* كيف تقرأ دور أبوظبي في منطقة الخليج؟
يبدو أن تحركات ومواقف الإمارات تتسم بالبحث عن الهيمنة والتوسع الجغرافي والسياسي وهي مواقف متناغمة مع سياسة نظيرتها السعودية وتهدد بإحداث حرب إقليمية أوسع من خلال الانضمام إلى المواجهة مع إيران، ومن المهم أن يتم التخلي عن هذا النوع من الدبلوماسية القائمة على الاستعمار والتوسع لإحداث السلام والأمن والاستدامة في المنطقة المعرضة لعدة مخاطر أخرى ومن المهم أن تتحول الطاقات والموارد لمواجهة التحديات الموجودة والتي يجب معالجتها قبل فوات الأوان.
وعاء عصيدة
* ما مدى تأثير صفقة القرن على القضية الفلسطينية والعالم العربي؟
كل المؤشرات تدل على أن هذه صفقة لن يتم إجراؤها أبداً، حيث يبدو أنها تفترض سلب الحقوق السياسية الفلسطينية، بما في ذلك حق تقرير المصير وحق العودة، مقابل “وعاء من العصيدة”. هذه الصفقة ليست بداية في مرحلة ما بعد الاستعمار، وسوف يرفضها كل صوت فلسطيني حر بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في بلدان أجنبية أو في مخيمات اللاجئين في المنطقة.
وسيكون خطأ فادحاً أن تشارك السعودية والإمارات في هذا النهج تجاه النضال الوطني الفلسطيني وقبول أن تصبح القدس تحت السيطرة الإسرائيلية. وأشار ترامب بالفعل إلى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أزال القضية من مفاوضات السلام. كما كشفت إسرائيل أنها دولة فصل عنصري من خلال تمرير قانون الدولة القومية للشعب اليهودي مؤخراً الذي ينكر حقوقاً متساوية لغير اليهود كمسألة قانونية.
وإذا كانت السعودية والإمارات مع دبلوماسية ترامب التي تسعى إلى خيانة الحقوق الفلسطينية، فسوف تجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ، فضلاً عن استعداء العرب والمسلمين والمدافعين عن حقوق الإنسان والعدالة في جميع أنحاء العالم. بدلاً من صفقة القرن التي هي صيغة لإعلان النصر الإسرائيلي والهزيمة الفلسطينية، يجب على حكومات المنطقة أن تطالب بحل سلمي قائم على تفكيك هياكل الفصل العنصري، وإنهاء حصار غزة، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية
السابق
رحلة تاريخية.. كيف تتطوع في مونديال قطر 2022
التالي
نحو بيئة صحية من أجل الدراسة