حقيقة استراتيجية بسيطة: الحصار يفشل دوماً بتغيير سياسات الدول

وكالات – بزنس كلاس:

أكد غابرييل كولينز الباحث في الشؤون السياسية أن التاريخ يكشف حقيقة إستراتيجية بسيطة هي أن الحصار في كثير من الأحيان يفشل في إرغام الدول على إجراء تغييرات في سياستها، وهو الأمر ذاته بالنسبة في تجربة قطر في مواجهة الحصار المفروض عليها منذ يونيو 2017، حيث إن السعودية والإمارات تخوضان حرباً في اليمن، وبعد أكثر من عامين، ما زالتا غير قادرتين على اتخاذ قرار إستراتيجي حاسم ووقف الحرب على الرغم من الاستخدام المكثف للقوة العسكرية.

فشل الحصار

وقال كولينز في تقرير نشره “المركز العربي – واشنطن”، إن قائمة المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها دول الحصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى قطر في يونيو 2017، كانت بغرض إجبارها على تقديم تنازلات التي تريدها دول الحصار لكنها وصلت إلى “الخطوط الحمراء” لأنها تمس مباشرة بالسيادة القطرية مما يجعل الدوحة تستمر في رفض هذه المطالب، وأضاف كولينز: “مع كل شهر يمر فإن النتائج تصب في صالح قطر مما يؤكد الفشل الإستراتيجي للحصار” وحذر كولينز من نتائج وخيمة ستطارد المنطقة لعقود قادمة، وستصبح الآثار أكثر وضوحاً مع مرور الوقت.

وأوضح تقرير “المركز العربي – واشنطن”، أنه بعد إغلاق السعودية للمنفذ البري الوحيد، بعد الأزمة الخليجية، تمكنت الدوحة من تعويض احتياجاتها بإرساء صناعة محلية وتعزيز أنماط تجارية جديدة لتجاوز الحصار وفتح أسواق جديدة على غرار إيران وتركيا، واعتمدت الدوحة على نظرية “إعادة البناء السريع” التي أثبتت أن واردات المواد الغذائية ومواد الإمدادات الأساسية القادمة من قبل دول الحصار قابلة للاستبدال ويمكن توريدها من العديد من المصادر الأخرى.

مكانة عالمية

بيّن تقرير “المركز العربي – واشنطن”، أن شركاء قطر الرئيسيين الذين تصدر لهم الغاز الطبيعي المسال على قدر من الأهمية وهم خارج منطقة الخليج على غرار اليابان، الصين، وكوريا الجنوبية ويمكنهم توفير منتجات التكنولوجيا المتقدمة للدوحة وجميعهم لديهم مصالح إستراتيجية مقنعة لضمان استقرار قطر المورد العالمي للطاقة. وتعد قطر مصدرا عالميا مهما للغاز الطبيعي المسال، وأعلنت عام 2017 عن زيادة حجم إنتاجه من 77 مليون طن في السنة إلى نحو 100 مليون طن. مما ساهم في تأكيد أهمية مكانة الدوحة على مستوى أسواق الغاز العالمية وقدراتها على تعزيز سيادتها وتوازنها الاقتصادي وإثبات تحمل قطر للضغوط الخارجية، بما في ذلك الحصار المفروض عليها من قبل الدول المجاورة. وفي عام 2016، استوردت قطر نحو 5 مليارات دولار من السلع والخدمات من عدد من البلدان، والآن تم تصدير ما يقرب من 5.6 مليار دولار من السلع والخدمات لهم.

قطر قوية

أشار التقرير إلى أن الأسواق المالية تعترف بموقف قطر القوي وقدرتها على مقاومة الحصار، وأن هناك حقائق مهمة يمكن استنتاجها من الأزمة الخليجية، منها أن المستثمرين العالميين لا يعتبرون الحصار الذي تفرضه السعودية على الدوحة تهديدا وجوديا، وأن الموارد الائتمانية القطرية أقوى من الحروب التجارية على المستوى الإقليمي، مما يرجح أن إمكانية تقديم قطر لتنازلات أحادية الجانب لرفع الحصار فكرة مرفوضة من جانب الدوحة، وواصل التقرير: تقوم الدوحة بإعادة بناء روابطها التجارية وسلسلة الإمدادات الغذائية ولا تزال صادراتها القوية داعما أساسيا للتدفق النقدي القطري. مما يرجح فرضية أنه في حال استمرار الحصار يمكن لقطر أن تتحمل آثاره مع انخفاض تأثير التداعيات كل عام، لأن الدوحة تملك علاقات مهمة خارج منطقة الخليج. وعلى سبيل المثال، تتمتع قطر بالاكتفاء الذاتي من الصلب بما في ذلك حديد التسليح، وهو أمر حاسم للبناء، حيث تستعد قطر لتنظيم مونديال 2022، كما أن ميناء حمد الجديد يتمتع بطاقة استيعاب كبيرة يمكنها تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي لسنوات متعددة، والتعامل مع 6 ملايين حاوية شحن في السنة، واستيعاب 1.7 مليون طن سنوياً. ويستقبل الميناء البضائع التي تحل بالفعل محل تجارة الواردات التي كانت تأتي من قبل السعودية برا وبحراً من الإمارات، كما يسجل ارتفاعا في الإمداد الإضافي للأسمنت وبعض منتجات الصلب وغيرها التي تستخدم في منشآت كأس العالم 2022 ومشاريع أخرى، وتم شراء الإمدادات المنقولة بحرا من الهند وتركيا لسد أي ثغرات خلف وقف شحنات من دول الحصار.

واعتبر التقرير أن الدوحة تجاوزت تداعيات الحصار في ظل فشل استخدام دول الحصار للحرب الاقتصادية التي أسفرت عن مجموعة من المفاجآت غير سارة او متوقعة والتي تتراوح بين فقدان التأثير لبلدان الحصار، إلى عدم الاستقرار السياسي المحلي المحتمل الذي يضطر الأطراف المعنية إلى السعي للخروج من مأزق استراتيجي مع استمرار الحصار، كما أن العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين العديد من الدول العربية من المحتمل أن تعاني المزيد من الضرر.

 

السابق
خبراء: توقعات بتحقيق موازنة قطر لفائض بنسبة 4% في 2018
التالي
حرب اليمن: محاولة بائسة لاستنساخ سيناريو “بول بريمر”