الدوحة- بزنس كلاس
يردد بعض الخبثاء، أن “أبوظبي” كانت تريد أن تضرب أكثر من عصفور بحجر عندما سعت لحصار قطر وشجعت الرياض على المضي فيه إلى أقصى حد، فهي من جانب ستضعف الدوحة على كافة الصعد وتبعد خطر منافس إقليمي شرس سياسياً واقتصادياً، وبنفس الوقت تضعف الرياض بعد توريطها بدفع أثمان فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، وبذلك لا تخسر أبوظبي أي شيء في حرب الحصار والعقوبات الاقتصادية ضد الدوحة لأن هناك بالإمارات من يتحمل غرم الخسارة كون أبوظبي تلعب بأدواته، وتخاطر بها لا بما تمتلكه.
لقد نجحت دول الحصار بمضايقة قطر لبضعة أيام فقط جراء مباغتتها بحصار شامل من البر والبحر والجو، لكنها فشلت في المحافظة على تماسك الجدار الذي حاولت بناءه لمنع الهواء والماء والغذاء عن الدوحة التي كانت قد استعدت جيداً لمثل هذا السيناريو، لكن ما لم يكن في حسبان دول الحصار، هو ما ستفعله الدوحة لاحقاً للانعتاق نهائياً من تحكم “الأشقاء” بقوت ومصدر عيش أبنائها.
وتبين منذ الأيام الأولى أن النتائج المرجوة من حصار كل من الإمارات والسعودية والبحرين على قطر جاءت عكسية، وأنها تستمر في التفاقم ضدها كلما طالت مدة الحصار، وها هي الإمارات -التي كانت تُعدّ ضمن أكبر الشركاء التجاريين لدولة قطر- تخسر قرابة ملياري ريال من الصادرات نحو الدوحة منذ بداية الحصار، بحسب قراءة متأنية لأرقام التبادل التجاري بين الدوحة والإمارات.
كانت الإمارات العربية عبر “سلطة” ميناء جبل علي تلعب دور بوابة دول المجلس التعاون البحرية، إلا أنها بدأت تفقد هذا الدور تدريجياً قبل اندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو / حزيران الماضي. وكان دور الأزمة أنها سرعت عملية إزاحة ميناء جبل علي عن الهيمنة على كل ما يدخل إلى دول مجلس التعاون بالسفن التي تبحر عبر الخليج، فقد كان ميناء صحار العُماني قد بدأ منذ فترة ليست بقصيرة بمزاحمة جبل علي بقوة على الإمساك بمفتاح البوابة التجارية للخليج منذ إنشاء المنطقة الحرة الملجة به في عام 2010. فقد وصفت مؤسسة “ماريتايم ستاندردز” ميناء صحار بأنه “الأول نمواً وتطويراً للمناطق الحرة بالعالم”، مع لعبه دور المركز التجاري في آسيا وأفريقيا والمحيط الهندي. فالميناء يستقبل نحو 2500 حاوية سنوياً مع أكثر من مليون طن من الشحنات أسبوعياً، إضافة إلى ميزة مهمة جداً بالميناء تتمثل بأنه الأعمق بين مرافئ الخليج وجنوب آسيا جميعاً حيث يبلغ عمق قناته أكثر من 25 متر
أما ميناء الدوحة الذي افتتح رسمياً في الخامس من سبتمبر الجاري والذي دخل الخدمة بقوة وفعالية كبيرة خصوصاً بعد اندلاع الأزمة فهو ما يشكل بيت الوجع لميناء جبل علي، فخلال فترة قياسية بكل المعايير، تمكن ميناء حمد من لعب دور الرافعة الأساسية التي كسرت الحصار عن قطر حيث نجحت “موانئ قطر” خلال أول 20 يوم من الحصار بفتح خطوط ملاحية جديدة، كان آخرها خط شحن الحاويات السريع بين ميناء حمد وميناء كراتشي الباكستاني إضافة لما سبقه من لميناء حمد بموانئ صحار وصلالة في سلطنة عُمان. إضافة إلى خط ملاحي مباشر يربط الدوحة بميناء مدينة أزمير التركية وضمنه خط لنقل الأغذية المجمدة، وخط رابع يصل ميناء حمد بشكل مباشر مع ميناء نافا شيفا الهندي. فيما كان خامس الخطوط الذي أشرنا له سابقاً والذي وصل بين ميناء حمد وميناء كراتشي والذي أعلن عن تدشينه مؤخراً في 15 أغسطس / آب الماضي. وقبل الحصار، شهد ميناء حمد يوم الثلاثاء الثاني من مايو/أيار 2017 تدشين خط بحري مباشر لتحالف (Ocean Alliance) المصنف كأكبر تحالف بحري في العالم، الذي يضم خمس شركات من كبريات الشركات العاملة في مجال الشحن والنقل البحري بأسطول يزيد على 350 سفينة وقدرة استيعابية تتجاوز 3.5 ملايين حاوية نمطية. وكانت الشركة القطرية لإدارة الموانئ (موانئ قطر) دشنت أول خط نقل بحري مباشر بين الدوحة ومدينة شنغهاي الصينية أواخر يناير/كانون الثاني 2017، مما يختصر زمن الرحلة بين الدولتين إلى عشرين يوما.
بيت القصيد في قصة الموانئ الثلاثة أن قبضة ميناء جبل علي بدأت تتراخى بعد أن كان ممسكاً بقوة لحركة النقل البحري التجاري في الخليج وكان يحتكر البوابة التجارية الوحيدة لدول مجلس التعاون على الخليج العربي. الآن وبعد صعود تدريجي لكن بثبات وقوة لميناء صحار العُماني والصعود السريع جداً لميناء حمد البحري بات ميناء علي تحت رحمة الحركة التجارية التي ستفضل شركات كثيرة فيها الابتعاد عنه لأن ما يحكم “الاقتصاد والتجارة” في دبي يأتي ضمن حزمة أوامر سياسية من أبوظبي، والتجارة التي تشبه تيار الماء تبحث دوماً عن الممرات التي لا عوائق فيها خصوصاً إذا كانت سياسية. النقطة الأخرى أن جبل علي بات يشعر من الآن بالوحدة مع “استغناء مينائي صحار وحمد عن خدماته بأن ارتبطا معاً بخطوط بحرية مباشرة ما يحرم جبل علي من أن يسيطر على أي منطقة من الخليج كمدخل تجاري بعد سيطرة صحار على بوابة الخليج وميناء حمد على عمقه.
النتيجة النهائية يمكن اختصارها بأن جبل علي اختار الانتحار الاقتصادي بشكل اختياري، وعاند نفسه في الوقت الذي ظن فيه أن قرارات الحصار ستزيد من علوّه..
بقلم رئيس التحرير،،