تنبيه إلى مرضى السكّري… الإهمال يُسبِّب بترَ الأطراف!

 

السكّري مرض العصر بلا منازع، وهو الأكثر انتشاراً في العالم العربي، وتتعدّى نسب الإصابة به في لبنان الـ60 في المئة. وعلى رغم إمكانية العلاج، ما زال السكّري يسبّب فقدان المرضى لجزء من أطرافهم بسبب إهمالهم وقلّة وعيهم… فما هي الخطوات الضرورية التي يجب الإنتباه لها لتفادي خسارة أحد الأطراف أو جزءٍ منها؟صحيح أنّ غالبية مرضى السكّري يتناولون الأدوية المناسبة لمعالجة ارتفاع مستوى السكّر في دمهم، إلّا أنّ الإهمال يبقى من أكثر الآفات التي تجمع بين مرضى السكّري، والذي لا يمكن الاستهتار به أبداً لأنّ نتائجه تكون غالباً كارثية وقد تصل إلى حدّ بتر جزء من الأطراف.

وعدد هذه الحالات ليس قليلاً أبداً إذ تعجّ عيادات الأطباء في لبنان بها، بحسب ما كشف الاختصاصي في جراحة الشرايين والأوردة الدكتور يوسف عسيران، الذي أبدى في حديث لـ«الجمهورية» أسفه على هذا الوضع، قائلاً: «يلتزم مريض السكري عادةً بالدواء الذي يصفه له طبيبه المعالج، وقد يلتزم احياناً بحمية غذائية مناسبة، معتقداً أنّ هذا الأمر كاف.

وبعد مرور 5 سنين مثلاً على إصابته، يمكن أن يملّ من مراقبة السكري كما يجب ومن مراجعة الطبيب، فيكون الإهمال السبب الأساسي للمضاعفات التي يمكن أن تطرأ على حالته، كاعتلال شبكة العين، تلف الأعصاب، أو الشلل في الشرايين التي تغذّي القدمين».

علاقة القدم بالسكّري

من المهمّ جدّاً نشر التوعية وإتّباع سياسة تثقيفية للتعرّف أكثر إلى مضاعفات هذا المرض الخطير، الذي يؤدّي في حالات كثيرة الى حدّ بتر الأطراف، والعمى وحتّى الموت.

ويشير عسيران إلى أنّ «حالة بتر الأطراف، كالإصابة بقدم مريض السكّري، تكون نتيجة 3 أمراض يمكن ان تصيبه مجتمعةً او منفصلة»، مضيفاً: «يمكننا البدء من اعتلال الأعصاب التي تتواجد في الأطراف السفلية المحيطة بالأوردة الدموية، والتي تنقل الدم المليء بالاوكسيجين الى العصب ليقوم بوظيفته التي تتمثّل في نقل الشعور بالإحساس من الدماغ الى القدمين. فمع ارتفاع مستوى السكّر في الدمّ، تبدأ هذه الأوردة بالترهّل لتصبح غير قادرة على نقل هذا الدم إلى الأعصاب، فيفقد العصب من وظيفته، ويصل الى مرحلة تنسدّ فيها هذه الأوردة بالكامل فيتآكل ويخسر كامل وظيفته».

فقدان الإحساس

وهنا نسمع المرضى يشكون من أنّهم داسوا على مسمار مثلاً دون الشعور بوخزته، أو نلاحظ خلال فحصهم أنهم لا يشعرون أننا نعاين رجلهم، وهذه الحالات خطرة إذا لم يراقب المريض نفسه، لأنّ اعتلال العصب المحيطي يمكن أن يؤدّي الى مضاعفات أخرى تسبّب التقرّحات في الجلد دون أن يشعر المريض بذلك».

وهنا نلفت النظر إلى أنّ «هذه التقرحات قد تكون سطحية أو غميقة، وقد تحمل ايضاً الالتهابات التي تمتلئ بالقيح، خصوصاً أنّ الارتفاع الحاد بمنسوب السكّر يشكّل خطورة على الكريات البيضاء التي تعمل على مهاجمة البكتيريا وقتلها».

خطورة الجروح

لا يجب إهمال أيّ جرح يصاب به مريض السكري، خصوصاً في حال عدم شعوره بالإصابة، ويشرح عسيران في هذا الإطار أنّ «من المهمّ زيارة الطبيب للكشف على رجل المريض، حيث نشخّص حالته عبر فحصه سريرياً، وتكون رجله دافئة وهناك نبض في الشريان، ولكن اذا وخزناه برجله لن يشعر بالحقنة. اضافةً الى ذلك، يرى الطبيب رجل المريض في العيادة، ويكشف على الجرح أو التقرّحات، وإذا كانت سطحية يطهّرها ويلفّها بالطريقة المناسبة.

أمّا إذا كانت ملتهبة فيتمّ إدخاله المستشفى لتنظيف التقرّحات في غرفة العمليات وإعطائه الأدوية اللازمة عبر الأوردة». ولكن علاج المشكلة الاساسية التي سبّبت هذه التقرّحات هي الأهمّ في هذا الموضوع، أي متابعة منسوب السكّر في الدم وعلاجه.

ويضيف عسيران: «نوضح للمريض بعد ذلك أنّ هذه التقرّحات لن تُشفى بمجرّد علاجها بل هي بحاجة لبعض الوقت، ويتوجّب عليه في هذه الفترة ارتداء حذاء طبّي خاص يخفّف من الضغط على أماكن التقرّحات».

الالم عند المشي

تتوزع الشرايين في مختلف أنحاء الجسم وبسماكة معيّنة في كلّ جزء منه، وهي تقلّ كلّ ما توجّهنا نزولاً باتّجاه القدم، فتكون سماكتها تحت الركبة 2 أو 3 ملم، ما يفسّر تصلّبها أو انسدادها في حال ارتفاع مستوى السكّر في الدم لفترات طويلة.

وفي هذا السياق، يفسّر عسيران أنّه «قد يمشي المريض مسافة 40 متراً، قبل أن يجلس ليرتاح نتيجة الألم الذي شعر به. وعند جلوسه سيتخلّص من الألم ولكنّه سيشعر به مجدداً بمجرد قيامه بالمشي». وقد لا ينتبه إلى أنّ هذه العوارض تجبره على زيارة طبيبه المعالج للتشخيص، فيهمل وضعه، الأمر الذي يسبّب له مع الوقت والإهمال انسداداً كاملاً في الشرايين، وعندها سترافقه آلام حادة في رجليه وقدميه سواءٌ كان جالساً أو يتحرّك».

إسوداد الرجل

أمراض الشرايين هي السبب الثاني الناتج عن الاصابة بالسكّري والذي يؤدي الى مضاعفات خطيرة، ونتيجة تشخيص هذه الحالة مختلفة تماماً عن اعتلال الأعصاب وهي أكثر جدّية، ويشير عسيران إلى أنّه «نرى خلال الفحص السريري ميل لون التقرّحات الى اللون الأسود، ويظهر لنا بوضوح أنّ هناك أجزاء ميتة في الرجل، وهذا ما نسمّيه «بالغارغارينا».

وعلى عكس تشخيص اعتلال الاعصاب، نلاحظ أنّ قدم المريض باردة وخالية من النبض. وتترافق احياناً مع عدوى ورائحة كريهة، وهنا نكون وصلنا الى مراحل متقدّمة نتيجة الإهمال، فيسبب المريض لنفسه بتر الجزء الميت من رجله.

العدوى وقلّة النظافة

أمّا العدوى فهي السبب الثالث، وهي مرتبطة بشكل مباشر بقلّة النظافة. فمع ارتفاع السكّر في الدم وإهمال الجروح، تخرج رائحة كريهة من القدم ويتجمّع فيها القيح، ما يسّبب المشاكل الجدّية للمريض لدرجة فقدانه جزءاً من قدمه أو أصابعه».

إذاً، التشخيص من الأمور الأساسية التي تُعتبر بمثابة وقاية للمريض، ويبدأ من عيادة الطبيب الذي يعتمد خلال الفحص السريري على الصورة الصوتية، أو الرنين المغنطيسي الذي بات يُستعمَل حديثاً لتشخيص أكثر دقّة. ويلفت عسيران إلى أنّه «يتمّ حقن المريض بدواء ملوّن داخل الوريد، من أجل تصوير كلّ شريان لوحده لنحدّد المشكلة».

بعدها ندخل مرحلة العلاج لإنقاذ قدم المريض، ويُعتبر استبدال الشريان المسدود بآخر سليم من العلاجات الشائعة. وهنا قد نستعمل شرياناً طبيعياً من جسم الانسان نفسه، أو زرع آخر اصطناعي لتأمين سريان الدم بشكل طبيعي.

وضع الروسور

وفي الحديث عن العلاجات النافذة، يشرح عسيران أنه «بدأنا منذ 3 سنوات باستعمال العلاج بالروسور، وذلك عبر إدخاله على مسافة 2 ملم فوق مكان الانسداد وتحته، فنؤمّن تدفّق الدمّ بشكل سليم. وعلى المريض بعدها الالتزام بتناول مسيّل للدم، ودواء معيّن للشرايين. وفي هذا السياق، أحذّر المرضى من الإهمال لأنّ النتيجة قد تصل إلى ما لا تُحمَد عقباه، فالتدخين وعدم الحركة والمشي بانتظام، وعدم الانتباه الى الأكل ونوعيته، وعدم مراجعة الطبيب بشكل دوري قد يؤدي الى مضاعفات جدّية منها تجلّط الشرايين».

المتابعة الدورية

الى ذلك، الدواء والأكل والالتزام بطريقة عيش سليمة خطوات أساسية لمرضى السكري، ولكنها تبقى غير كافية إذا رافقها الاهمال، ويختم عسيران حديثه قائلاً: «احذروا من هذا المرض الذي يأكل من جسمنا دون أن نشعر، ولا تملّوا من مراجعة الطبيب المعالج بشكل دوري لمراقبة مستوى السكّر في الدم، خصوصاً أنّ الدواء يجب أن يتغيّر ليتكيّف مع مستوى السكّر في جسمكم، وبدون المتابعة مع اختصاصي أمراض لن ينفعكم أيّ من هذه العلاجات».

السابق
هذه العلامات تُنبئ بخطر على كليَتَيك!
التالي
بدء تشييد أطول جسر معلق في العالم في تركيا