تقرير مفصل.. هكذا بدأت “الحرب الإعلامية” على الدوحة.. والآن انتقلت للمرحلة “الدبلوماسية”.. لكن أين ستنتهي؟!

في ترجمة “دبلوماسية” لما يجب تسميه “حرب إعلامية” شعواء شنتها وسائل إعلام تابعة لمؤسسات ودول بعينها في الخليج العربي وخارجه، انتقلت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى الصفحة التالية من فصل “عداء قطر” واختراع ما تيسر من الأسباب، وما لم يتيسر من أجل محاصرة دولة أثبتت علو كعبها في كل مناسبة على مدار الأعوام الثلاثين المنصرمة. لقد بدأت هذه “الحرب” بأن اطلق شرارتها من لا تحب الدوحة أن يكون هو كذلك. تريثت الدوحة كثيراً وتحملت الحملة الإعلامية بروح رياضية ساعية نحو مد اليد للأهل والأشقاء وبدا هذا واضحاً بزيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثناني أمير الببلاد إلى الكويت في محاولة لرأب الصدع مع الأشقاء لكن البعض لم يرد إلا إما ان تذهب قطر إلى حيث يريدون، وهم مخطئون، أو أن تصبح هي العدو. في كل حرب من أي نوع سواء كانت إعلامية أو دبلوماسية أو سواها، هناك قاعددة ذهبية تقول: لا تذهب لحرب لا تعرف إلى ما ستؤول نتائجها ولو بشكل تقريبي او نسبي. وعادة من يبدأ الحرب يكون هو نفس الشخص الذي يخسرها ولمن لا يعرف ليقرأ كتب التاريخ جيداً.

وفي التفاصيل، فقد سبقت خطوة قطع العلاقات السعودية والإماراتية والبحرينيّة مع قطر، اليوم الإثنين، حملة تحريض إعلامي، مستمرّة ومكثّفة، منذ 24 مايو/أيار الماضي، توضح أنّ الخطوة الأخيرة كانت محضّرة مسبقاً، وتمّ التمهيد لها عبر إعلام سعودي وإماراتي، لتكون الحملة تلك منطلقاً لشنّ “حرب” إعلامية وسياسية ضد الدوحة.

وجاء تكثيف الحرب الإعلاميّة تلك، مع وضوح فشل تحريض وسائل التواصل الاجتماعي لبثّ الفرقة الخليجيّة. فاستُخدمت وسائل الإعلام كأدواتٍ من جهاتٍ عُليا، لفشل الجيوش الإلكترونيّة، ورفض خليجيين كُثُر لبثّ الفرقة بين دول مجلس التعاون، الأمر الذي اتّضح من خلال وسوم عدّة كان بينها “خليجنا واحد”، ومن الردود على وسائل الإعلام المُحرّضة على حسابات مواقع التواصل، والتي كانت تدعوها للتوقّف عن الكذب والفبركات.

بدأت الحملة التحريضيّة تتكثّف في مايو/أيار، إذ شهد الإعلام الأميركي، المكتوب بشكلٍ خاصّ، مقالات و”دراسات” موّجهة سياسياً للهجوم على قطر، وتصويرها كداعم للإرهاب، والربط بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت مجلة “فورين بوليسي” وصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيتان، من أكثر وسائل الإعلام الأميركيّة تحريضاً على قطر، وهو ما ترافق مع الحملة الإعلاميّة التحضيريّة والمرافقة لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج.
ونشرت “فورين بوليسي” تدوينةً لجون حنّا، يتّهم فيها قطر “بالتعامل بوجهين مع سياساتها الخارجيّة، تحديداً مع الولايات المتحدة، وبالتطرّف أيضاً”.
وحنّا هو كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة تنتمي لتيار “المحافظين الجدد”، ويموّلها الملياردير الإسرائيلي شيلدون أديلسون، أحد حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وحرّكت الإمارات شركات العلاقات العامة الأميركية والبريطانيّة ووسائل الإعلام لفبركة الأخبار ضدّ قطر، وشنّ حملة من الولايات المتحدة بريطانيا ضدّها. وكان تحقيق لصحيفة “ميل أون صندي” البريطانية أواخر عام 2015 قد كشف أن حكومة أبوظبي دفعت لمؤسسة “كويلر” للعلاقات العامة، ومقرها لندن، ملايين الجنيهات لتنظيم حملات هجوم وتشويه في بريطانيا ضد قطر والإخوان المسلمين.

وقال تقرير “ميل أون صندي” إن أبوظبي دفعت لشركة “كويلر” للاستشارات والعلاقات العامة نحو 93 ألف دولار شهرياً، لمدة ست سنوات، مقابل تقديم المعلومات للصحافيين الذين تجندهم “كويلر” لفبركة الأخبار والتقارير التي تشوّه سمعة قطر وتتهم قطر بتمويل الإرهاب. كذلك أناط العقد بـ”كويلر” مهمة تشويه سمعة الصحافيين البريطانيين الذين يتطرقون للشؤون الإماراتية سلبياً.

وأضاف كاتب التحقيق أنه حصل على نسخة من بريد إلكتروني أرسله المستشار جيرالد راسل إلى رؤسائه في لندن وأبوظبي، يطلعهم فيه على مقال كتبه الصحافي لاندرو غيليغان في صحيفة “صنداي تلغراف”، يتهم قطر بتمويل الإرهاب. وأرسل المستشار راسل نسخة من المقال بالبريد الإلكتروني إلى كل من خالد بن محمد بن زايد وأنور قرقاش، وكتب: “بوم!… صاحب السمو، معالي الدكتور أنور، أعتقد يجب أن تشاهد هذا المنتج، أحدث جهودنا في تغيير قواعد اللعبة في بريطانيا، المزيد في المستقبل”. وكتب أنور قرقاش رداً قال فيه: “نقترح أن نستمر في تطوير العلاقة مع غيليغان وتمرير المواد له على أساس منتظم”. وتلت تلك الرسالة حملة لمدة شهرين ضد قطر، نشرت خلالها “تلغراف” 34 مادة صحافية، معظمها بقلم غيليغان، وكانت كلها تتهم الدوحة بتمويل الإرهاب.

هذا كلّه كان في النصف الأول من شهر أيار/مايو وما قبل. لكن بعد 23 مايو، أصبحت الحملة الإعلاميّة أكثر صراحةً وكذباً وتحريضاً. إذ تمّ اختراق موقع وكالة الأنباء الرسمية القطريّة ليل ذلك اليوم، وبثّ تصريحات مفبركة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، استخدمتها وسائل إعلام سعودية وإماراتيّة بشكلٍ مكثّف للتحريض على دولة قطر. وبعد منتصف الليل، أي مع الدخول في يوم 24 مايو، تكثّفت الماكينات الإعلاميّة التي كانت قناتا “العربية” و”سكاي نيوز” أبرز المحرّضين فيها، بالتعاون مع صحف سعودية وإماراتيّة ومصرية أيضاً.

وعند الإعلان عن اختراق “قنا” ونشر تصريحات كاذبة، واصلت هذه المنابر حملتها بشراسة أكبر، وكأنّ الأمر يسير وفق خطة مجهزة مسبقاً، لتلحق في ركابها صحف عربية، مثل “الشرق الأوسط” و”عكاظ” و”الاقتصادية” و”الوطن”، وغيرها، عبر إعادة نشر التصريحات المفبركة مباشرة بعد النفي بدقائق، على هيئة عواجل، ثم نشر أخبار عاجلة تحمل مواقف هجومية ضدّ قطر.

كما كتبت قناة “العربيّة” سلسلة مواضيع “تحليليّة” عن التصريحات المفبركة، نشرت فيها تصريحات الأمير تميم المفبركة. وبعد نفي التصريحات، كتبت مقالاً بعنوان “تضارب الأنباء حول سحب قطر سفراءها من 5 دول عربيّة”. وصباح يوم 24، أي بعد حوالي 6 ساعات على إعلان الاختراق، نقلت نفي وزير الخارجيّة القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للخبر المفبرك، دون أن تسحبه عن موقعها.

كما نشرت تقريراً تحريضياً بعنوان “قطر سخرت إمكاناتها لتكون صوتاً للجماعات المتشددة”، وروّجت مجدداً لمقال بعنوان “قطر تكرر تجاربها.. أزمة جديدة مع “التعاون الخليجي”. واكتفت بالإشارة إلى خبر النفي في جملة واحدة من مقالاتها، إلا أنّها استمرّت بحملتها.

من جانبها، شاركت قناة “سكاي نيوز” بفاعليّة في الحملة التحريضيّة تلك. فنشرت أيضاً سلسلة تغريدات عن التصريحات المفبركة، واكتفت بخبر اعتلى الصفحة الأولى لموقعها بعنوان “أمير قطر: ليس من مصلحة أحد التصعيد مع إيران”. إلا أنّ القناة كانت أكثر وقاحة وإمعاناً في الكذب. فقد كتبت في متن الخبر الذي تمّ التعديل عليه صباح يوم 24: “أزالت وكالة الأنباء القطرية التصريحات، إلا أنها موجودة على مواقع وكالات رسميّة أخرى”، من دون أن تُشير إلى خبر القرصنة حتى.

“سكاي نيوز” استمرّت في حملتها الإعلاميّة منذ ذلك الحين، وبشراسة وضمن خطّة مجهزة مسبقاً ومحبوكة للتحريض ضد قطر. فاستضافت طوال ليل 24 ويوم 25 محلّلين عربا لدعم التحريض ونشر الفبركات والأكاذيب.

وفي أوائل يونيو/حزيران نشر موقع قناة “سكاي نيوز عربية” تصريحات لنائبة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، دينا حبيب باول، وتداولتها وسائل إعلام سعوديّة ومصريّة وعربيّة على أنّها حقيقة لمدة يومين، في إطار الحملة نفسها.

وجاء الخبر بعنوان “البيت الأبيض: على قطر الالتزام بمذكرة تفاهم قمة الرياض”، وتداولته وسائل إعلام أخرى على أنّه “تحذير أميركي لقطر، ودعوة للالتزام بقمة الرياض”. ونقلت “سكاي نيوز” عن لسان باول قولها إنّ “على قطر الالتزام بما وقَّعت عليه في مذكرة التفاهم التي تمّ التوصل إليها في قمة الرياض، والمتضمنة إنشاء آلية للرصد والتحقق من عدم تمويل التنظيمات المتطرفة”.

لكنّ التصريحات الحقيقية لباول نقلتها صحف بارزة بينها “واشنطن بوست”، وتحدثت فيها عن “الاتفاق بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بهدف وقف تمويل الإرهاب في الشرق الأوسط”.

واعتمدت “سكاي نيوز” ووسائل الإعلام الأخرى على موقع مجلة “ويكلي ستاندرد” في كلامها. إذ إنّ الموقع كان وسيلة الإعلام الأميركيّة الوحيدة التي كتبت كلاماً ضدّ قطر، في إطار تغطيتها لقمّة الرياض. حتى أنّ “ويكلي ستاندرد”، وهي مجلة معروفة بأنّها معقل “المحافظين الجدد”، وهي بالأساس مجلّة رأي، لم تنسب الكلام لباول بشكلٍ مباشر. بل نقلت كلام باول الذي نشر في صحيفة “واشنطن بوست”، ثم أضافت إليه ​كلاماً هجومياً ضدّ دولة قطر، ونسبته إلى “مساعد في البيت الأبيض”، دون تحديد من هي الجهة التي صرّحت بالكلام.

كما وصل عدد المقالات التحريضيّة والسياسية الترويجية في الإعلام الأميركي، منذ الإعلان عن موعد زيارة ترامب إلى الرياض، إلى 13 مقال رأي في خمسة أسابيع، بحسب أرقام أدلى بها وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، أواخر مايو/أيار الماضي، في سياق تعليقه على الحملة المستجدة ضد بلده والتي انطلقت بزخم غير مسبوق وبأدوات جديدة تمثلت باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا”واختراع خطاب غير موجود لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.​

وجاءت تسريبات البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، لتوضح معالم الحملة الإعلاميّة المجهزة مسبقاً وتؤكّدها، إذ أوضحت مضامين الرسائل تحريضاً مستمراً ضدّ قطر في الإعلام الأميركي وكشفت تعاوناً إماراتياً إسرائيلياً.

السابق
تفاصيل.. الخطوط القطرية تعلق رحلاتها للسعودية
التالي
الدوحة: لا تأثير للأزمة على حياة القطريين أو المقيمين