لندن – وكالات – بزنس كلاس:
دخلت شركات خليجية كثيرة دوامة مخيفة، رغماً عنا في معظم الحالات، لتدفع ثمناً باهضاً للأزمة الخليجية التي اندلعت في الخامس من يونيو الماضي، حسب وصف صحيفة فاينانشيال تايز، التي أفردت تقريراً مطولاً للحديث عن تبعات الأزمة “الكارثية” على عدد لا يستهان به من تلك الشركات.
وقالت الصحيفة بأنه قد تُرك القطاع الخاص في الخليج، بدءاً من شركات البناء ووصولاً إلى شركات الاستشارات المالية، مترنحاً بفعل قرار الدول العربية الأربع، وهي السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، بتخليها عن سبل الدبلوماسية الهادئة من أجل فرض إجراءات قاسية لإجبار الدوحة على الإذعان لمطالبها، وفقاً لما نشرته صحيفة The Financial Times البريطانية.
محمد صالح، الذي يُدير شركةً لتوزيع مواد البناء عبر المنطقة، تسبَّبت الأزمة في احتجاز شاحنة بضائع قطريةٍ هامة له بميناء جبل علي في دبي. واضطر صالح إلى الحصول على قرضٍ لدفع مستحقات الشركة المُورِّدة، مُتحمِّلاً خسائر قدرها 30 ألف جنيه إسترليني (39111 دولاراً) خلال هذه العملية.
وقال صالح للصحيفة البريطانية: “نمارس أنشطةً تجارية مع قطر في لحظةٍ، ثم يُقال لنا في اللحظة التالية، إننا نتعامل مع مُمَوِّلين للإرهاب”.
وتعلّق الصحيفة على هذا الوضع الذي لا يُرى له أية نهاية في الأفق القريب، بأن مكانة الخليج كجنة لاستقرار أنشطة الأعمال وسط منطقة الشرق الأوسط، أصبحت مهددة.
وكان موقع “ميدل إيست آي” البريطاني قد نقل عن منظمة هيومان رايتس ووتش قولها، إن الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر أدى إلى سلسلة من الانتهاكات الحقوقية ضد المهاجرين العاملين في مجال البناء والأعمال الزراعية.
ويقول العاملون في قطاع الأعمال، الذين يعانون أصلاً من التباطؤ الاقتصادي في المنطقة بسبب هبوط أسعار النفط، إن الحصار المفروض يتسبَّب أيضاً في شيوع حالةٍ من الغموض والارتباك، ما يُسهم في ارتفاع تكلفة أعمالهم.
ويقول أحد مقاولي البناء لصحيفة The Financial Times: “لقد اعتادت قطر أن تكون مكاناً مربحاً للشركات، لكنها الآن تُكلِّفنا المزيد. وبينما نستطيع الآن تلقي أموالنا بالريال القطري، فهل سيستمر هذا في المستقبل؟”.
ويقول مسؤولون في قطر -تعد قطر واحدةً من أغنى دول العالم- إنهم سيبذلون قصارى جهدهم لحماية القطريين العاديين من أضرار الأزمة والمحافظة على التدفقات المالية، البالغة 500 مليون دولار أسبوعياً، لمشروعات البنية التحتية بينما تستعد قطر لاستضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم في 2022.
ووفقاً للصحيفة البريطانية، فإن قطر باتت مُجبَرَةً على إنفاق مبالغ مالية طائلة لنقل الخضراوات والفاكهة من إيران ومنتجات الألبان من تركيا عبر وسائل النقل الجوي والبحري.
وقال مسؤولٌ قطري رفيع المستوى عندما سُئِلَ عن الآثار المالية للحصار على المُورِّدين: “لن يُترك أحدٌ دون تمويلٍ”. لكنه رفض التعهُّد بمنح تعويضات للشركات المتضررة من وقف نشاطها بسبب الحصار.
في الوقت ذاته، يشعر العاملون في قطاع الأعمال مثل صالح بوقْع الأزمة؛ إذ تواجه شركة توزيع مواد البناء الصغيرة المملوكة له، التي تنقسم إيراداتها بين قطر ودبي، ارتفاعاً في تكلفة الخدمات اللوجستية والسفر في ظل توقف خطوط النقل الجوي والبحري المباشرة.
وتحوِّل شركات المقاولات سلاسل التوريد من الإمارات إلى عُمان، التي حافظت على حيادها خلال الأزمة. وتمكَّن صالح، على سبيل المثال، من إيصال شحنته إلى قطر، بتحويل خط سيرها عبر ميناء صلالة العُماني، الذي يستغرق 10 أيام إضافية.
البحث عن مصادر بديلة
وتنقل الصحيفة البريطانية عن العاملين في قطاع الأعمال القطري قولهم، إنَّ عليهم البحث عن مصادر بديلةٍ لمواد البناء مثل الزلط -الذي يُستخرَج من جبال الحجر- لنقله من إمارة رأس الخيمة في الإمارات عبر الحدود إلى عُمان.
ولا تزال الشركات قادرةً على نقلِ مواد البناء من الإمارات إلى قطر، لكن مع اتخاذ تدابيرٍ احتياطية إضافية، وفقاً لمحامٍ يعمل في المنطقة، الذي أضاف: “يجب قطع سلسلة التوريد، لا تستطيع الحصول على إذنٍ لإرساء البضائع في الدوحة بعد قدومها من دبي عبر ميناء صلالة بشكلٍ مباشر. لكن يمكنك فعل هذا عبر عقود نقلٍ منفصلة”.
وفي وقت سابق قالت صحيفة التايمز البريطانية، إن دول الخليج تبحث الآن مسألة إجبار حلفائها على الاختيار بين العمل معها أو مع قطر، في حال رفض الأخيرة تنفيذ مطالبها، التي تضمَّنت إيقاف دعمها المزعوم للإرهاب.
هذا الأمر دعا فايننشال تايمز للقول إنه يجب أن تُقرِّر الشركات متعددة الجنسيات، التي تمارس نشاطها من دبي، والتي تعد مركزاً لأنشطة الأعمال الإقليمية، ما إذا كانت أنشطتها القطرية مُربِحةً بدرجةٍ كافية للمخاطرة بإثارة استهجان السعودية، والإمارات، ومصر- أكبر ثلاثة اقتصادات في الشرق الأوسط”.
حلول أخرى
ويقول أحد الدبلوماسيين: “دفعت الأزمة الشركات لدراسة إمكانية إعادة هيكلة إداراتها لفصل أعمالها القطرية عن الإماراتية”.
فيما لجأ آخرون إلى استباق أي مطالب لقطع العلاقات مع قطر، عبر رفض فتح أنشطة تجارية جديدة هناك. بينما يحيل البعض الآخر مسؤولية خدمة عملائهم القطريين من دبي إلى الفروع التابعة لهم في أوروبا.
ولا يعد هذا خياراً متاحاً بالنسبة لصالح، الذي يواصل بحثه عن سبلٍ للالتفاف حول الحصار. فقال: “نستطيع قراءة ما بين السطور. يقول كل شركائنا التجاريين لنا ألا نخبر أحداً فقط بأنهم يمارسون أنشطة تجارية في قطر”.