ترمب.. ضد العالم!!

بزنس كلاس:

فرضت الولايات المتحدة خلال اليومين الماضيين جملة من العقوبات الاقتصادية على عدد متزايد من الدول حيث أعادت تطبيق العقوبات الاقتصادية وشددتها على إيران لتصبح تلك العقوبات الأقسى في التاريخ حسب تعبير الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. ثم قامت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا الاتحادية وصفت كذلك بأنها الأقسى وشملت حتى منع أي طيران روسي من التزود بالوقود من الولايات المتحدة بأي مكان، الأمر الذي اعتبرته موسكو بمثابة “إعلان حرب اقتصادية”. وأخيراً قبل يومين انبرى ترمب مثل عادته ليعلن بشكل استعراضي يحمل شيء من الشماتة والتصنع بأنه قد وقع للتو قانوناً يرفع الضراب بنسبة كبيرة على صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة بنسب على بعض المواد وصلت إلى 50%. وقبل كل ذلك كان ترمب قد اندفع أيضاً نحو توجيه أكبر قدر من رفع الرسوم على البضائع القادمة من الصين وإعلان حرب تجارية ضدها بكل المقاييس ليس من باب العقوبات لأنه يوجد يحوزة واشنطن ذريعة ضد بكين كي تطلق ضدها عقوبات.

وطبعاً لم ينسى ترمب الدول الحليفة لبلاده من تذوق بعض من حلاوة التعامل على الطريقة الأمريكية الترمبية. فقد شن منذ وصوله للبيت الأبيض كثير من الهجمات “الاقتصادية” بالغة الضرر على علاقات واشنطن بحلفائها الرئيسيين بدءاً من دول شمال أمريكا وحتى أوروبا الغربية. ويعتقد جزء كبير من المراقبين أن السعودية ما كانت لتتجرأ بالهجوم على كندا بهذا الشكل الفظ لو أنها لم تحصل على موافقة أمريكية وضوء أخضر تحديداً من ترمب الشهير بمواقفه الشخصية المشابهة للموقف الرسمي السعودي من الخلاف مع كندا.

لقد فعلت واشنطن في عصر ترمب ما لم تفعله طوال تاريخها السياسي والاقتصادي. فقد اعتقد ترمب أنه وبعد أن نجح في “ابتزاز” دول الخليج واشترى البعض من دولها “دول الحصار” صداقته بعقود تكلف مئات مليارات من الدولارات، اعتقد ترمب أنه يمكن أن يفعل ذلك  ويرهب بقية دول العالم فيجعلها تنصاع لإملاءات واشنطن الاقتصادية التي يطرح حولها كثير من إشارات الاستفهام. ورغم أنه رجل أعمال بالأصل وهو أول شخص من هذا النوع يصل إلى البيت الأبيض، إلا أن سياسة ترمب الاقتصادية لم تظهر المرونة اللازمة لمواجهة المواقف العصبية الأمر الذي يجيده أي رجل أعمال حتى لو كان مبتدئاً.

جاء ترمب إلى السلطة من خارج النسق السياسي أو الطبقة السياسية الأمريكية التقليدية، لكنه وبعكس سلفه باراك أوباما لم ينجح إلا بأمر واحد حتى الآن وهو تحويل الولايات المتحدة إلى دولة بلا اصدقاء أو حلفاء. فقد حرص ترمب على تدمير علاقات بلاده مع أقرب حلفاء واشنطن تجارياً ابتداء من كندا والمكسيك، مروراً بألمانيا وفرنسا ووصولاً إلى تركيا يوم أمس. لقد جسد ترمب في سياسات واشنطن مؤخراً وبشكل مثير للدهشة موقفه الشخصي من زعماء الدول السبع الكبار في الاجتماع الأخير الذي عقد بينهم. فقد حرص يومها على أن يكون عدو الجميع.. عدو حلفائه الذين لا يمكنه الاستغناء عنهم في سياسته الصدامية التي ستؤدي ببلاده حتماً نحو مواجهة اقتصادية شاملة. لقد نجح ترمب في أمر واحد أكيد.. واشنطن تخسر حلفائها!!

إن ما تقوم به واشنطن تجاه تركيا نتيجة رضوخ دوائرها السياسية لضغوط ترمب الشخصية، حسب مراقبين مطلعين، يجعلها كمن يطلق النار على قدميه فهي تدفع الجميع للايتعاد عنها لكن الأخطر أنه تدفع أصدقائها وحلفائها لينظروا  بالاتجاه الآخر كما أعلن الرئيس التركي في تعليقه على العقوبات الأخيرة، وهذا ما يجب أن يقض مضجع ترمب ومن يبتسم ويصفق لسياسته في واشنطن. لقد بات الأمر الآن بأن ترمب دخل في حرب تجارية وحرب عقوبات مع كل العالم وكما يقول المثل الانجليزي: No man is an island، يا ترى هل قرأ أو سمع ترمب هذا المثل من قبل أم أنه لا يجيد الانجليزية كما هو حاله في السياسة؟!

السابق
صحيفة فرنسية: سياسة الرياض “الخشنة”
التالي
الدوحة.. عدة مطالب حيوية لسكان روضة الحمامة