جاء إعلان السعودية يوم الجمعة الماضي عن تسديدها لأكبر مبلغ للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في سوريا (100 مليون دولار)، كأول فاتورة طلبتها الإدارة الأمريكية مقابل بقاء قواتها في سوريا؛ بمثابة صفعة قاسية من الداخل السعودي لوزير خارجية المملكة عادل الجبير الذي سعى بجهالة غير مسبوقة وأحقاد مكشوفة وسوء الفهم والتأويل للزج باسم قطر، تعليقاً على طلب الإدارة الأمريكية التي أعلنت في أبريل الماضي أنها أنفقت 7 ترليونات دولار في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، ولم تجن سوى الموت والدمار. وإن بقاء القوات الأمريكية في سوريا “مكلف ويخدم مصالح دول أخرى في المنطقة وعليها أن تدفع تكاليف ذلك”.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الجبير وقتها: بناء على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإنه يجب على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سوريا.
وتناسى الجبير -عن عمد وسوء قصد – أن قطر لم تطلب يوماً بقاء القوات الأمريكية في سوريا؛ وأن الشرط الأمريكي لبقاء قواتها إنما كان رداً على طلب رسمي سعودي بذلك..!
الجبير الذي لا يتقن منذ المجيء به إلى الخارجية السعودية سوى ترويج سياسات التضليل والوقيعة واجتزاء الحقائق، يتناسى أو يغيب عن ذهنه أنه غرق في فشل دبلوماسي بلا حدود، وأغرق معه المملكة في كثير من الأزمات السياسية الإقليمية والدولية؛ مدفوعاً للأسف بغرور القوة والجغرافيا ومعها سياسات مرتجلة من النظام جرت على المملكة انتقادات المجتمع الدولي‘ وفي مقدمته حلفاء السعودية الذين انتقدوا تصرفات المملكة التي اتسمت بالمغامرات منها إلى السياسات‘ وعلى رأسها الحرب العبثية على اليمن الذي تجاهد المملكة للخروج من مستنقعه‘ ثم مؤامرة حصار قطر التي زلزلت أركان البيت الخليجي وكشفت المستور داخل أسرة مجلس التعاون‘ ولاحقاً فضيحة احتجاز سعد الحريري رئيس وزراء لبنان في المملكة وإجباره على الاستقالة ‘في سابقة دبلوماسية خطيرة لم ينقذه منها سوى تدخل غربي قادته فرنسا؛ وما نجم عن تلك المغامرة الغامضة من تداعيات أخرى وصلت إلى أزمات دبلوماسية مع ألمانيا والسويد‘ ثم الأزمة المتفاعلة والمتصاعدة اليوم مع كندا لمجرد انتصارها لحقوق الإنسان ودعوتها للرياض لإطلاق سراح المعتقلين لديها بلا محاكمات وفي مقدمتهم الناشطات الحقوقيات!
ووسط كل ذلك وبينما تتفاعل أزمة كندا وتأكيداً على إصرار الدبلوماسية السعودية على المضي في سياسات الارتجال وعدم التعلم من سقطاتها وأخطائها‘ فوجئ المراقبون بدعوة سفير المملكة في روسيا لإقامة دولة كردية ليشرع الأبواب لجبهة خلاف جديدة مع بعض الأطراف الإقليمية!!.
* قطر لم تطلب بقاء أمريكا في سوريا
نعم تناسى “جبير المملكة” ما قالته قطر في حينها بأن الأزمة السورية مسؤولية جماعية للمجتمع الدولي، وأن سوريا باتت تشكل “الكارثة الإنسانية الأسوأ” في العالم.
بعد إعلان المملكة عن دفع أول فواتير بقاء القوات الأمريكية في سوريا؛ يصبح من حقنا أن نسأل الوزير الجبير الذي يسيء للمملكة بسياساته وسوء تقديره: ألا تردعك مبادرة بلادك بشراء بقاء القوات الأمريكية في سوريا وإظهار سوء رؤياك وتأويلك، لتكف عن أحاديث “الإفك والزيف” وترويج الضلال ضد قطر والقطريين الذين تمارسون معهم على سبيل المثال واحداً من أقسى أنواع التمييز، وأنتم تحرمونهم من أداء مناسك الحج للعام الثاني على التوالي ضمن إستراتيجية جاهلية مرفوضة لتسييس الحج؛ وكان الأجدى بك وبفريقك الدبلوماسي أن تنشغل برأب صدع البيت الخليجي الذي يتداعى بفعل الرعونات والحماقات السياسية وسوء القصد والنوايا.
* نمر من ورق
يا “جُبير المملكة”.. إن قراءة جيدة وأمينة لردة فعل المجتمع الدولي المتحفظة على سياساتكم إلى حد النقد، وخاصة بعد تورطكم في حرب اليمن ومشاركتكم في مؤامرة حصار قطر تفرض عليكم من منطلق أخلاقي والتزام وطني أن تدفع باتجاه تصويب وترشيد سياساتكم؛ وإغلاق جبهات معارككم العسكرية والدبلوماسية المفتوحة في أكثر من إتجاه؛ مما يستنزف ثروات المملكة ويبدد مواردها ويحولها إلى نمر من ورق..!..فهكذا حثكم أقرب حلفائكم أمريكا بلسان وزير خارجيتها السابق ريكس تيلرسون يوم 8 ديسمبر الماضي على تبني نهج مدروس وإمعان النظر في سياستها إزاء المسائل الإقليمية، مع تنامي القلق حيال انخراط السعودية في اليمن وسياستها إزاء لبنان وقطر.
وقال تيلرسون “في ما يخص التعاطي السعودي مع قطر، وكيفية إدارتهم حرب اليمن، والوضع في لبنان، أعتقد أن علينا تشجيعهم على أن يتخذوا قراراتهم بصورة مدروسة أكبر، وعلى أن يمعنوا النظر أكثر في هذه الإجراءات، وأن يأخذوا في الاعتبار كل العواقب”. وترافق ذلك مع غضب أمريكي ظهر للعلن، مع طلبها من السعودية إيقاف حصارها فوراً على شحنات المساعدات الواردة لليمن.
* فشل التأثير على قطر
وللإعلام الغربي دوره في انتقاد سياسات المملكة حيث نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية تقريراً لمراسلتها بيثان ماكرنان، تقول فيه إن النظام السعودي يواجه تحدياً كبيراً لتحقيق طموحات ما وعد به رعاياه. ويحذر التقرير من إمكانية تحول تجربة النظام في الإصلاح المحلي إلى مغامرة فاشلة، مثل مغامراته الخارجية. وينوه التقرير إلى أن الجيل الشاب متعطش للتغيير، حيث سمحت لهم شبكة الإنترنت والهواتف الذكية بالتعرف على حياة الآخرين في أماكن أخرى من العالم.
وتبين الصحيفة أن الإصلاح لا يشمل معالجة حرية التعبير، مشيرة إلى توسع النظام في الاعتقالات مما يسيء إلى تجربة الإصلاح التي يروجونها، وتنوه إلى أن محاولات التأثير على لبنان وقطر ارتدت سلباً عليه، أما الحرب في اليمن فتعاني من ركود، لدرجة أنه أصبح يشار إليها بـ”فيتنام السعودية”.
كما حذرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية من السياسة السعودية المرتجلة.. وتساءلت هل أصبحت السياسة السعودية مبنية على “الارتجال”؟ وهل دفعت الحرب الباردة بين المملكة وإيران النظام السعودي إلى اتخاذ خطوات متهورة سيكون لها ما بعدها؟.
وعددت الصحيفة أهم مغامرات النظام الجديد؛ وركزت في هذا السياق على مغامرته في اليمن التي “لم تنجح إلا في خلق أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل”، كما أقدم على مغامرة خارجية أخرى عديمة الفائدة عندما فرضت حصاراً على دولة قطر مما كانت له نتائج عكسية، إذ دمر مجلس التعاون الخليجي دون أن ينجح في إخضاع قطر.
* بعض التهور السعودي
ومن جانبها اعتبرت صحيفة “لوباريزيان” إرغام رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة يظهر محدودية تفكير الرياض الإستراتيجي.. ويتفق المدير المساعد للمعهد الفرنسي للعلاقات الخارجية والإستراتيجية ديديي بيليون مع هذا الطرح إذ يقول في مقابلة له مع الصحيفة إن قضية اعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أظهرت مدى “تهور النظام السعودي”، مشيراً إلى أن إرغام رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة يظهر محدودية التفكير الاستراتيجي للنظام.