انطلقت أمس أعمال الاجتماعات الوزارية للدورة 29 للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”، تحت عنوان “تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في الدول العربية”، برئاسة دولة قطر.
وأكد سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية في كلمة له في افتتاح الاجتماعات، أن دولة قطر، تؤمن إيماناً راسخاً بأن الحق في التنمية هو من الحقوق الأساسية للإنسان غير القابلة للتصرف، مشيرا سعادته إلى أن دستور دولة قطر راعى تكافؤ الفرص في التنمية كإحدى دعامات الحكم الرشيد، وهو السبيل الأمثل لبناء المجتمعات المسالمة والمتكاملة، حيث إن حقوق الإنسان والأمن والتنمية هي عوامل متكاملة وتؤثر في بعضها بعضاً، من أجل تحقيق الازدهار لكافة البشر.
وأوضح سعادته أن دولة قطر تولي اهتماماً كبيراً بتنمية المجتمع والأفراد، حيث أولى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى اهتماماً خاصاً بتحقيق مرتكزات رؤية قطر الوطنية 2030، من التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، والتنمية البيئية، والتي تتماشى مع الأهداف الإنمائية العالمية المتفق عليها.
وقال “يتجلى ذلك واضحاً في تحويل دولة قطر في وقت قياسي لدولة مؤسسات من القطاعين العام والخاص ومن منظمات المجتمع المدني والوكالات المتخصصة”.
وبين سعادته أنه وبالإضافة لجهود دولة قطر في أجندة حفظ السلم والأمن الدوليين من خلال نشاطها المتصاعد في منظومة الأمم المتحدة، فإننا نساهم إلى حد كبير في التنمية الدولية وفي التخفيف من وطأة الحروب والنزاعات على المدنيين، وذلك عبر المساعدات الإنسانية، والمشاريع الإنمائية في كثير من مناطق النزاعات والاحتلال، حيث ناهزت أنشطتنا الإنمائية والإغاثية 15 مليار ريال في أكثر من مائة دولة خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وأكد سعادة وزير الدولة التزام دولة قطر بمواصلة نهجها في تطوير طرائق شاملة ومتكاملة ومتوازنة لتعزيز ثقافة الشراكة والابتكار، واتخاذ المزيد من المبادرات التي تقوم على قيم التعاون والتضامن، وصيانة الحقوق الأساسية التي تضع الإنسان في صلب أولوياتها.
وأوضح سعادته أن المنطقة العربية، أمام تحديات جسيمة، وقضايا بالغة التعقيد، من حروب واحتلال ونزاعات وهجرات قسرية ولجوء بأعداد كبيرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المنطقة، مبيناً أن عدد المهجرين قسرياً من ديارهم بلغ 65 مليون شخص، وأضاف “للمرة الأولى في التاريخ يعكف المجتمع الدولي حالياً على صياغة صكين عالميين حول الهجرة واللجوء بانتظار اعتمادهما عام 2018”.
وقال سعادته “إن ذلك يأتي وسط تقلبات اقتصادية وسياسية كبرى، وغيرها من مهددات الأمن والسلم الدوليين، مما يلقي بتأثيرات سلبية على الجهود الإقليمية والعالمية لتنفيذ الأهداف العالمية الموضوعة للتنمية المستدامة2030، والتي هي محور الاجتماعات اليوم وغداً”.
وأشار سعادته إلى أنه “بقدر جسامة هذه القضايا والتحديات يكون عِظَم المسؤولية الملقاة على عواتقنا جميعاً لمواجهتها والتغلب عليها وتجاوزها”. وهو ما يضاعف من أهمية دور لجنة الأمم المتحدة – الإسكوا لأداء الولاية المناطة بها على أكمل وجه.
وأضاف: “إن من الدروس المستفادة من تجربة الأهداف الإنمائية للألفية، أن تلبية متطلبات تنفيذ خطة التنمية المستدامة للعام 2030، لن تتم على أكمل وجه دون الارتكاز على شراكة عالمية لخلق البيئة الدولية والإقليمية المواتية للتنمية، مع مراعاة اختلاف قدرات البلدان ومستويات التنمية فيها، واحترام السياسات والأولويات والملكيات الوطنية”.
وأوضح سعادة وزير الدولة أن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة، يتطلب حشد الوسائل اللازمة، فالهدف الإنمائي السابع عشر شدد على أهمية تعزيز تعاون دولي فعال لخلق شراكات حقيقية، تستند إلى روح التضامن العالمي والإقليمي، وإلى إشراك الحكومات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني وأفراد المجتمع، مع ضرورة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.
كما يتطلب تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، تشجيع الابتكار وتبادل أفضل الممارسات والحلول الإنمائية الناجحة، واستحداث الآليات المناسبة للرصد والمتابعة والتقييم أثناء التنفيذ، بما يقلل التكاليف ويضمن الوصول إلى النتائج المرجوة.
وفي ختام كلمته دعا سعادته الحضور لدعم “إعلان الدوحة لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030” والذي يجسد تحويل أقوالنا لأفعال تتوج تطلعات كل من ينظر لاجتماعنا هذا.
من جانبه أكد الدكتور عبدالله أحمد آل خليفة وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية رئيس وفد مملكة البحرين، التي ترأست الدورة السابقة، أهمية ومكانة دور اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا وما تقوم به من جهود من أجل تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان المنطقة، وتعزيز التعاون فيما بينها في سبيل الوصول إلى تبادل المعلومات والخبرات بأفضل الوسائل والممارسات لتحقيق التنمية الشاملة.
وأشار الدكتور عبدالله آل خليفة إلى أن اختيار الدورة الوزارية التاسعة والعشرين لعنوان “تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في الدول العربية” كموضوع رئيسي في أعمالها، لما يحمله هذا الموضوع من أهمية كبيرة لدولنا جميعا، وهو في الوقت نفسه اختيار ناجح للأمانة التنفيذية وكافة العاملين وإدراكهم لأهمية تنفيذ خطة التنمية المستدامة في سبيل الوصول إلى ما يصبو إليه الإنسان العربي لتحقيق طموحاته وأمانيه، منوهاً بأن مملكة البحرين بصدد إنشاء جائزة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مجال دعم الشباب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة والمزمع تدشينها خلال منتدى الشباب الذي سينظم في يناير المقبل في الأمم المتحدة بنيويورك.
من جهته قال السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إن جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة هو خطة جماعية لكافة الشعوب من أجل تحقيق الرخاء والسلام، وذلك من خلال الشراكات، مؤكداً أن الجميع يعمل على تحقيق هذه الرؤية المتمثلة في توفير الحياة الكريمة للجميع، وذلك بأن يولي الجميع اهتماما خاصا لمن هم أكثر عرضة للخطر.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة في كلمة ألقاها نيابة عنه الدكتور عبدالله الدردري، نائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (اسكوا)، أن اللاجئين والنازحين بسبب النزاعات في المناطق العربية سواء في العراق أو في سوريا أو اليمن أو أي مكان آخر، من بين الأشخاص الأكثر عرضة للخطر.. مؤكداً أن الحال كذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال العسكري ويواصل السعي إلى تحقيق حقوقه الفردية والجماعية.
وقال “تتفهم الدول العربية التي تعاني من تحديات تتمثل في النزاعات وانعدام المياه والأمن الغذائي وانتهاك حقوق المرأة وتزايد عدم المساواة والفقر أكثر من غيرها، أهمية الترابط بين الاقتصاد والبيئة والسلام، كما أن المنطقة في وضع فريد يجعلها قادرة على إرسال رسالة إلى العالم مفادها أنه لا يمكن تحقيق الازدهار من دون العدالة والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والسلام”.. مؤكداً أن لدى الدول العربية إمكانية إقامة مجتمعات أكثر استقرارا من خلال التعاون والاندماج، مؤكداً ضرورة التسامح والقبول المتبادل لبناء مستقبل مشترك.
بدورها قالت الدكتورة ريما خلف وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا، إن تحقيق التنمية المستدامة في دول العالم يتطلب تطويراً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية..موضحة أن تحقيقها في منطقتنا العربية يتطلب تغييراً شاملاً في النهج التنموي، وفي الخيارات والسياسات.
وأكدت الدكتورة ريما خلف أن نقطة البداية لتحقيق ذلك تكون في إجراء تحليل شامل ومتزن لمسيرة المنطقة، وذلك بتحديد الانجازات ودراسة السياسات التي أدت إليها، للبناء عليها، وتقصي مواطن الفشل وأسبابه لتفادي الوقوع فيه، لافتة إلى أن الحل لن يكون في سياسات ربما أثبتت جدواها في تحقيق النمو الاقتصادي، ولكنها أخفقت في أن تجعله مستداماً وشاملاً للجميع.
وأشارت الدكتورة ريما خلف إلى أنه في المنطقة العربية لا يمكن الفصل بين التنموي والسياسي. وقالت ” إن إنهاء النزاعات والحروب الأهلية يجب أن يكون الأولوية القصوى حتى يكون ثمّة معنى لأي كلام عن التنمية وأي أمل فيها. والحروب لا تنتهي بوقف إطلاق النار، بل ببناء الشرعية والمقبولية لدى الناس. إن قبول المحكوم بالنظام السياسي في بلده، وإزالة أسباب الإحساس بالغبن والمظلومية التي أدت إلى اندلاع النزاعات أصلاً، شرطان لا غنى عنهما للبدء في أي برنامج تنموي”.
وأضافت “أما لشعبنا الفلسطيني الصامد لأكثر من نصف قرن تحت الاحتلال الإسرائيلي، فلا أمل في تحقيق أهداف خطة التنمية ما بقي الاحتلال قائماً. فالتنمية تعريفاً هي الحرية، والاحتلال حكماً هو نقيضها. وإذا كان هذا الحال مع أي احتلال، فهو أصعب مع احتلال لا تختلف ممارساته كثيراً عن نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا”.
وأكدت أن الاحتلال الإسرائيلي لا يهدد الشعب الفلسطيني وحده، بل سيظل خطراً عاماً على جميع البلدان العربية. واصفة هذا الخطر بأنه لا يقتصر على الحكومات أو النخب فحسب، بل يتعداها لوجود الدول ذاتها ككيانات سياسية ودول لجميع مواطنيها.
وتناقش الاجتماعات تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في الدول العربية وتحديات تنفيذها على المستوى الوطني، وتأثير النزاعات والاحتلال على تنفيذ الخطة، بالإضافة لاقتراح وسائل وأدوات لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.