القطاع المصرفي القطري محور البحث الاقتصادي ونقطة عبور الأفكار الجديدة 

مقاتل شرس على جبهات الاقتصاد الخارجية وحارس أمين في الداخل

وزير المالية يعلن نسب النمو والمؤسسات الدولية تشهد

بنوك قطر الأفضل في الشرق الأوسط خلال خمس سنوات

وعي مستقبلي معمق والبقاء في المراتب الأولى هدف مركزي واستراتيجي

بزنس كلاس – اسلام شاكر

مع توقعات المؤسسات المالية الدولية للاقتصاد القطري أن يحقق أعلى معدل نمو بين جيران الدوحة من دول الخليج الغنية، يبرز القطاع المصرفي في قطر كأحد أبرز الأعمدة التي تحقق لدولة قطر جزءاً مهماً من صيغة تنويع مصادر الاقتصاد خصوصاً لجهة تميز هذا القطاع على مستويات الخليج والعالم العربي والإقليم على حد سواء. وتأتي توقعات المؤسسات المالية الدولية للتوافق مع توقع وزير المالية القطري علي شريف العمادي أن يكون النمو في قطر أفضل منه في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري، وذلك على الرغم مما شهدته أسعار النفط من انخفاض، حيث شدد العمادي في جلسة حوارية أجراها خلال مؤتمر يوروموني قطر 2017، على أن الاقتصاد القطري أبلى بلاء حسنا خلال الأزمة الحالية لاسيما القطاع المصرفي، لكونه مرتبطا بالسعي نحو التنوع وعدم الاعتماد على النفط والغاز مصدراً أساسياً للدخل، كما أنه من المقرر أن يسهم القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي ويعوض الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط.

وكنموذج على علو كعب قطاع المصارف القطرية إقليمياً، فقد حلّ بنك قطر الوطني QNB  في وقت سابق هذا العام في المرتبة الأولى شرق أوسطياً وفق قائمة «جلوبال فاينانس» لأفضل البنوك في الشرق الاوسط للعام 2017 فيما حل البنك الأهلي المتحد بالمرتبة الثانية والبنك التجاري الدولي بالمرتبة الثالثة وبنك بغداد بالمرتبة الرابعة والبنك العربي بالمرتبة الخامسة وبنك الكويت الوطني بالمرتبة السادسة وبنك عودة بالمرتبة السابعة وبنك مسقط بالمرتبة الثامنة وبنك فلسطين بالمرتبة التاسعة ومجموعة سامبا المالية بالمرتبة العاشرة.

QNB ترسيخ وتوسع

واستعرضت مجلة «جلوبال فاينانس» الاقتصادية أداء أفضل بنوك الشرق الاوسط في 2017 قائلة ان بنك قطر الوطني QNB بوصفه الأكبر في منطقة الشرق الأوسط من حيث الأصول والتوسعات في عام 2017 لافته إلى أن بنك قطر الوطني، هو أكبر بنوك المنطقة من حيث الأصول، وقد توسع في أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا (يمتلك 20 % من إيكوبانك، وهو بنك رائد يشمل مختلف دول إفريقيا) وهو الآن يوجه أنظاره نحو جنوب شرق آسيا.

بدوره، قال تقرير صادر عن “The Banker” التابعة لمؤسسة فاينانشيال تايمز البريطانية إن البنوك القطرية هي الأسرع نمواً في الشرق الأوسط بمتوسط نمو بلغ 20.8 %، خلال الفترة من 2013 – 2017، وهي الفترة التي شهدت تراجعاً قياسياً في أسعار النفط بالأسواق العالمية الأمر الذي يعني أن البنوك القطرية هي الأقل تأثراً بتقلبات أسعار النفط على مستوى الشرق الأوسط خصوصاً أن معدلات نمو أرباحها أعلى من المتوسط العام لنمو أرباح بنوك الشرق الأوسط مجتمعة والبالغ 9.8 % وفقا لتقديرات «ذا بانكر».

وأوضح التقرير أن هناك مفاجأة أخرى تمثلت في بنك قطر الوطني QNB وهو أكبر بنوك الشرق الأوسط، والذي ارتفع عدد موظفيه لأكثر من الضعف منذ بداية مسار النفط في الانخفاض في 2014، حيث زاد عدد موظفيه بنسبة 85% في العام الماضي وحده، على الرغم من أن هذا قد يعود جزئيا لاستحواذه على بنك فاينانس بانك التركي التابع لبنك اليونان الوطني الأمر الذي يعكس عدم تأثر القطاع المصرفي القطري بأسعار النفط وتقلباتها في ظل تبنيه استراتيجية لدرء المخاطر والتحوط من الانكشاف عليها وهي الاستراتيجية التي يباشر متابعتها مصرف قطر المركزي.

 

هذا ونجح QNB نجح في رفع تصنيفه في قائمة أكبر بنوك العالم من المركز 89 إلى 83 عالميا. بناءً على الشريحة الأولى من رأس المال كإجراء أساسي لتحديد مستوى قوة المصارف المالية واستطاعة بنوك الشرق الأوسط، وقد زادت الرسملة للبنوك القطرية بواقع 71% متصدرة بنوك المنطقة، تليها البنوك السعودية بواقع 38% وللمرة الأولى في تاريخ التصنيف العالمي، يتصدر بنك قطر الوطني «QNB» الترتيب في منطقة الخليج الشرق الأوسط.

صمود ومرونة

وأظهر النمو القوي الذي حققه بنك قطر الوطني أن البنك هو عملاق حقيقي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في أعقاب سلسلة من عمليات الاستحواذ الطموحة بما في ذلك الأعمال التجارية لـ«سوسيتيه جنرال» المصرية في عام 2013، والحصة في المقرض الإفريقي «إيكوبانك» 2014، والتركي «فينانسبانك» 2016. وقالت ذا بانكر إن إحدى أبرز المفاجآت القوية التي باتت حقيقة دامغة هي مرونة اقتصادات دول الشرق الأوسط، لاسيما دولة قطر أمام انهيار أسعار النفط، التي بدأت مسار الانخفاض في 2014، حيث أن انخفاض أسعار النفط لم يكن له تلك الآثار الكارثية التي سبق توقعها، فإجمالي أرباح البنوك في المنطقة انخفض بنسبة 4.4% في عام 2016 مقارنة مع عام 2015، لكنها لا تزال أعلى مقارنة بعامي 2014 و2013، وعندما دار سعر النفط حول 100 دولار للبرميل. وبلغ العائد على حقوق المساهمين 12.23% (أكثر من ضعف مثيله في أوروبا العربية)، وبكل المعايير تقريبا، كان الشرق الأوسط هو الأكثر ربحية في 2016، مقارنة بالسنوات الأربع السابقة.

ولم تظهر علامات أخرى على أن قطاع البنوك في الشرق الأوسط يمر بمحنة، كما لم يحدث خلال الفترة الماضية سوى اندماج واحد فقط، بين بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول – ثاني وثالث أكبر المقرضين في الإمارات– ليتمخض ذلك عن ظهور بنك أبوظبي الأول، وكان الدافع لهذه الصفقة هو تكامل قواهما في الخدمات المصرفية للأفراد والاستثمارات، وليس لتعزيز ملاءة مالية متعثرة.

وعن إجمالي الشريحة الأولى من رأس المال فهو مستقر في 2016 غير أن الودائع تقلصت في الشرق الأوسط بنسبة 9% في 2016، وارتفعت نسبة القروض إلى الودائع إلى 7%، لكن هذا بعيد كل البعد عن أزمة السيولة التي كان يخشاها الكثيرون، لكن هذا الأمر يشير إلى أن البنوك تتولى الريادة في كسر اعتماد دول الخليج على النفط.

واستطاعت بنوك الشرق الأوسط رغم انخفاض أسعار النفط، تحقيق أداء جيد إذ ارتفعت الأرباح في كل من قطر والمملكة العربية السعودية بمقدار مليار دولار في حين ارتفع رأس المال بنسبة 71% في قطر، و38% في المملكة العربية السعودية. كما ارتفعت الأرباح في الإمارات العربية المتحدة بمقدار 2 مليار دولار حيث بلغت نسبة زيادة رأس المال 40% تقريبا.

فترة حرجة

وتأتي هذه الأخبار الجيدة لبنوك قطر في فترة حرجة بالنسبة للدوحة بسبب تكلفة فاتورة الحصار الاقتصادية التي تدفعها. كما أنها تذهب في نفس الاتجاه الإيجابي بالنسبة لتحسن صورة القطاع المالي في قطر بشكل عام، حيث رصد البنك المركزي القطري تراجعا في سحب الأموال من المصارف العاملة في قطر خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما اعتبره مراقبون ثقة في القطاع المصرفي القطري، وفي الخطوات التي تقوم بها السلطة النقدية لتوفير النقد الأجنبي للأفراد والشركات وحماية العملة المحلية.

وأظهرت بيانات من مصرف قطر المركزي مؤخراً أن تباطؤ سحب الودائع الأجنبية من البنوك القطرية سمح للحكومة بوقف ضخ أموال في البنوك الشهر الماضي، لحمايتها من تداعيات الحصار الذي فرضته 4 دول عربية منذ 5 يونيو/حزيران الماضي.

وبدأت بنوك ومستثمرون من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سحب ودائع وأموال أخرى من البنوك القطرية في يونيو/ حزيران الماضي، حين قامت دول الحصار بقطع العلاقات الدبلوماسية وروابط التجارة مع الدوحة.

في البداية فرض نزوح الودائع ضغوطا على ميزانيات بعض البنوك القطرية، وردت الحكومة بأن ضخت مليارات الدولارات من أموالها في حسابات بالبنوك، وجاء معظم المال من جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي للبلاد، لكن التدفقات الخارجة تتباطأ في الوقت الحالي، في الوقت الذي تنفد فيه الأموال المتبقية التي يمكن أن تسحبها الدول الأربع. ويقلل ذلك من الحاجة إلى دعم الحكومة للبنوك.

وأظهرت البيانات الصادرة عن بنك قطر المركزي أن ودائع العملاء الأجانب في بنوك قطر، والغالبية العظمى منها في صورة ودائع بالعملة الأجنبية، انخفضت في أكتوبر/ تشرين الأول بمقدار 5.1 مليارات ريال (1.4 مليار دولار) فقط، مقارنة مع الشهر السابق، حيث بلغ الانخفاض في سبتمبر/ أيلول 6.2 مليارات ريال و8.2 مليارات ريال في أغسطس/ آب و13.4 مليار ريال في يوليو/ تموز و14 مليارا في يونيو/ حزيران.

في الوقت ذاته انخفضت ودائع القطاع العام القطري لدى البنوك المحلية قليلا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أن ارتفعت خلال الأشهر الأولى من العقوبات بما يشير إلى أن الحكومة لم تعد تضخ أموالا جديدة في النظام ككل.

ودائع ومشاريع

ووصل إجمالي الودائع الحكومية في أكتوبر /تشرين الأول إلى 298.4 مليار ريال مقابل 302.6 مليار ريال في سبتمبر/أيلول بانخفاض 4.2 مليارات ريال، في إشارة إلى ضخ الحكومة سيولة مالية أكبر في المشاريع بصورة طبيعية دون الحاجة إلى توجيهها إلى المصارف لدعم السيولة مثلما حدث في الأشهر الأولى من الحصار.

وكان محافظ مصرف قطر المركزي، الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، قد قال الشهر الماضي إن الحكومة والبنك المركزي لديهما موارد مالية أكثر مما يكفي لحماية النظام المصرفي من التدفقات الخارجة. وتستحوذ قطر على أموال بالنقد الأجنبي مودعة في الخارج، تبلغ نحو 340 مليار دولار ما بين احتياطي نقد أجنبي وأصول مملوكة لصندوق قطر السيادي.

وبعد فرض الحصار، تراجع أيضا اقتراض البنوك القطرية من البنوك الأجنبية بشدة، إذ أوقفت مؤسسات من الدول العربية الأربع المذكورة تقديم القروض، لكن بيانات أكتوبر/ تشرين الأول تشير إلى أن البنوك القطرية بدأت تحقق نجاحا في سد هذه الفجوة عبر زيادة اقتراضها من آسيا وأوروبا.

وبلغت الديون المستحقة على البنوك القطرية لبنوك خارج البلاد 171.7 مليار ريال في أكتوبر /تشرين الأول ما يعادل 47.1 مليار دولار ارتفاعا من 169.5 مليار ريال في سبتمبر/ أيلول، وهي أول زيادة منذ فرض الحصار الاقتصادي. وبلغ الرقم في مايو/ أيار قبل فرض العقوبات 234.5 مليار ريال. وتشير بيانات أكتوبر/ تشرين الأول أيضا إلى أن البنك المركزي في قطر يواصل زيادة إقراضه للبنوك المحلية عبر اتفاقات إعادة شراء أوراق مالية.

وبلغت الديون المستحقة على البنوك للمصرف المركزي 37.5 مليار ريال الشهر الماضي، ارتفاعا من 35.6 مليار ريال في سبتمبر/ أيلول و3.4 مليارات ريال فقط قبل العقوبات.

 

السابق
“الحصار” هدية غير مقصودة للاقتصاد القطري وحصان طروادة معكوس النتائج
التالي
الريال القطري فرس تجتاز خندق الحصار وتحفر قبر المحاصرين