العنقاء.. كيف عادت قطر إلى مركز الحدث من بوابة الأزمة

الدوحة – بزنس كلاس:

لا يختلف إثنان على أن الحصار الجائر الذي حاولت بعض دول الخليج ومصر فرضه على دولة كان أمر لا مبرر ولا داعي له بالمقام الأول حتى لو كان للأسباب التي أعلنتها دول الحصار، لأن تلك الأسباب أو كما سموها “المطالب” لم تكن لا منطقية ولا مقبولة من اي دولة ذات سيادة في العالم. وكان ضعف أسباب الحصار وضحالة تفكير وتصرفات من طالب بها أحد أهم الأسباب في فشل الحصار وتحوله إلى لعنة تطارد المحاصرين في كل مكان في العالم، لا بل جعلت الثقة بمصداقية تلك الدول تتراجع إلى الحد الأدنى.

كطائر العنقاء.. قطر تقوم عملاقة من رماد الحصار

لكن ومن جانب آخر، أعادت الأزمة دولة قطر بشكل أو آخر إلى قلب الحدث في منطقة الشرق الأوسط كقوة أساسية في تقرير مصير ملفات إقليمية وحتى دولية بعد أن تمكنت الدوحة بفاعلية شديدة من توسيع وتعميق علاقاتها الخارجية على كافة المستويات والمناحي، مما أفشل مخطط الرباعي في عزل قطر عن محيطها الإقليمي والدولي. كما توسعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية للدوحة واستطاعت خلق شراكات جديدة في جميع أنحاء العالم.

وبينما سعت دول الحصار بكل ما أوتيت لعزل قطر، باتت هي المعزولة والمحاصرة بعد مرور أول عام على فرضهم للحصار الجائر على قطر، فبينما توسعت العلاقات القطرية مع دول العالم شرقا وغربا، تأزمت علاقات الرباعي مع مختلف دول العالم بداية من اليمن وليبيا وتركيا ولبنان وفرنسا ومختلف دول أوروبا وأفريقيا والدول العربية، وباتت دول الحصار هي المحاصرة على الصعيد الدولي.

وفي هذا السياق، أكد مركز تحليلات دول الخليج أن علاقات قطر مع مجموعة من الدول في الشرق الأوسط وخارجها قد مكنتها من تجاوز الحصار دون تقديم تنازلات لدول الرباعي. بدون شك، فإن علاقة قطر مع مجموعة من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإيران وتركيا والجزائر والكويت والمغرب وعمان والسودان وتونس علاوة على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين مكنت الدوحة من تجاوز التأثير السلبي للحصار والخروج منه بشكل مرن.

وقال التقرير إن حلفاء قطر وشركاءها خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعبوا أيضا دوراً محورياً في كيفية تمكين الدوحة من التكيف مع الواقع الجديد في الخليج العربي دون تقديم تنازلات لجيرانها، ومنها العلاقات العميقة بين قطر والدول الأوروبية والآسيوية إلى جانب العلاقات مع واشنطن، وهي العلاقات التي حالت دون عزل قطر إقليميا ودوليا.

وأضاف التقرير أن السياسة القطرية قامت سريعا باستثمارات أكبر في تنويع علاقاتها الاقتصادية والأمنية عقب فرض الحصار في يونيو الماضي، فعمقت علاقاتها من تركيا التي أمدتها سريعا بالمواد الغذائية اللازمة، كما أرسلت جنودها إلى قطر تفعيلا لاتفاق عسكري سابق بتأسيس قاعدة عسكرية تركية. يضاف إلى ذلك قيام صندوق الثروة السيادية في قطر باستثمارات كبيرة في جميع أنحاء العالم، من أمريكا الشمالية وأوروبا إلى روسيا وشرق آسيا، وكل ذلك في إطار جهود الدوحة لتوفير مزيد من العلاقات مع الدول الفاعلة دوليا مع وجود حصص أعلى في قطر تبقيها مستقلة ومحافظة على سيادتها. وهذا التنوع في التحالفات حمى قطر من العزلة.

العلاقات مع أمريكا
وعلى صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة تمكنت الدوحة مع تعميق العلاقات القطرية الأمريكية بشكل أكثر فاعلية، وتطورت العلاقات للدرجة التي عقد فيها الجانبان حوارا استراتيجيا موسعا في أواخر يناير الماضي، وهذا الحوار تمخض عن عقد العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات الأمنية والاقتصادية والعسكرية، والجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف. وأكد مراقبون أن الحوار الاستراتيجي الأول بين قطر والولايات المتحدة الأمريكية يعيد الاستقرار لمنطقة الخليج، وكشف عن زيادة التوافق والتلاقي في الرؤى الإستراتيجية بين البلدين، وأكد مجددا على الحاجة للبقاء كحليفين وصديقين مقربين سواء على صعيد التعاون الثنائي أو متعدد الأطراف. كما هدف الحوار الاستراتيجي إلى تعزيز متانة العلاقات الثنائية بين دولة قطر والولايات المتحدة، وسلط الضوء على الفرص المفيدة المشتركة لشعبي البلدين.

وعزز الحوار الشراكة بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية ويقويها في مواجهة التحديات في مجال الأمن الإقليمي والدفاع ومكافحة الإرهاب والطاقة والتجارة والتعاون الاقتصادي، لا سيما وأنه توج بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم أبرزها الإعلان المشترك لإقامة الحوار الاستراتيجي، والإعلان المشترك للتعاون الأمني، ومذكرة تفاهم لمكافحة الاتجار في البشر. يضاف إلى ذلك العلاقات القوية بين البلدين والزيارات الرسمية بين الدولتين، والتي آخرها زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى إلى الولايات المتحدة في شهر أبريل الماضي، ولقاء الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض الذي أشاد بقطر وبدورها في استقرار المنطقة، كما تم التوقيع على الكثير من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية بما يعمق العلاقات ويخدم المصالح المشتركة بين البلدين.

أوروبا
وبالنسبة للعلاقات مع أوروبا، شهد العام الماضي توسيع العلاقات بين قطر والاتحاد الاوروبي، فالدوحة بعد فرض الحصار عليها رأت أنه من الأهمية زيادة تنويع علاقاتها العميقة مع الدول الأوروبية، فالقادة في القارة الأوروبية كانوا واضحين في معارضتهم لتصرفات تكتل الحصار الذي تقوده السعودية والإمــارات ضد الدوحة. وساعدت تلك المعارضة الأوروبية الدوحة على تجنب العزلة الدولية التي كانت ترغب فيها دول الحصار. وسعت دول أوروبا للعب دور فاعل في الأزمة الخليجية وتعويض غياب الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير مركز تحليلات دول الخليج كان موقف الثلاثة الكبار في أوروبا (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بموقف رافض للحصار ودعم جهود الوساطة لحل الازمة، وبرزت ألمانيا بموقف أكثر وضوحاً في الأزمة الخليجية منذ البداية. وشدد التقرير على أن الثلاثة الكبار في أوروبا أظهروا استعدادهم لمواصلة توسيع علاقاتهم التجارية والاستثمارية مع الدوحة، مؤكدين أنهم لن يتأثروا بالأزمة أو بحصار قطر. وبعد مرور عام من فرض الحصار على قطر، بات الرباعي هو المحاصر في الدول الغربية بعد محاولاتهم الفاشلة للنيل من قطر على كافة المستويات، سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي داخل الدول الأوروبية. وبعد سلسلة فاشلة من المؤتمرات التي سعت للتحريض ضد قطر، بدت دول أوروبا أكثر حدة في رفضها السماح بتنظيم تلك المؤتمرات على أراضيها.

علاقات آسيا
وعلى الصعيد الآسيوي تمكنت الدوحة من تعميق شراكاتها مع الدول الاسيوية البارزة من الصين وروسيا والهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا، وقام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بجولة آسيوية لتفعيل العلاقات مع تلك القارة المهمة على كافة الاصعدة خاصة التجارة والاستثمارات، كما قام سموه بزيارات إلى كل من روسيا وغيرها من الدول في قارة آسيا.

وتولي الدول الآسيوية ذات الاقتصاديات النشطة والسريعة النمو أهمية قصوى للعلاقات مع قطر، باعتبارها من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية التي وضعتها تلك الدول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية في علاقاتها مع الدوحة. وكانت علاقات قطر مع تلك الدول سببا رئيسيا في إفشال محاولات دول الحصار لعزل قطر، فدول الحصار لم تجد أي تعاطف مع حملاتها ضد قطر في بكين وطوكيو وسول وجميع العواصم الآسيوية تقريباً. وترى تلك الدول أن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي تشكل تهديداً لمصالحهم الخاصة، ولأسباب عديدة، ولذلك انضموا إلى المجتمع الدولي في دعم الوساطة الكويتية في تسوية النزاع الخليجي.

وعكست العلاقات القطرية الصينية إلى حد كبير قدرة الدوحة على الحفاظ على وضع قوي في مواجهة دول الحصار، كما ظلت بكين على الحياد خلال أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى عمق العلاقات على كافة المستويات. وحول اليابان أوضحت تقارير صحفية أنها بلد آسيوي مهم من حيث السياسة الخارجية لما بعد الحصار في قطر. وأكدت أن قطر ظلت قادرة على الوفاء بالتزاماتها خلال الحصار من خلال الاستمرار في تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية والأسواق الآسيوية الأخرى، مما أدى إلى إحباط هدف واضح من جانب دول الحصار. كما ساعدت الهند قطر على التغلب على التأثير السلبي للحصار على واردات الأغذية القطرية يتناسب مع سياق العلاقات الهندية القطرية التي كانت مهمة لكلا البلدين.

القارة السمراء
ووسط هذا الزخم لم تنس الدبلوماسية القطرية قارة أفريقيا، حيث قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بجولتين في أفريقيا شملت عدة دول في شرق وغرب القارة السمراء. وفي هذا السياق، أكدت صحيفة ميدل ايست مونيتور، أن جولات صاحب السمو في شرق وغرب أفريقيا كان الغرض منها تنويع الاقتصاد مع الدول المهمة في القارة السمراء، مشيرة إلى أن تلك الدول ناجحة على المستويات التجارية والاقتصادية، ولذلك تم توقيع الكثير من الاتفاقيات بينها وبين الدوحة في إطار التعاون الثنائي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والأمن الغذائي.

السابق
لحماية اسرارك بشكل نهائي.. ميزة “خفية” في “آيفون”
التالي
غضب من قرار التنمية منع القطريين من الوظيفة إلا بعد عام من الاستقالة من الوظيفة السابقة