النفَس الأنثوي يزيدها أناقة واكتمالاً
التقدم العلمي والتكنولوجيا لا يفسدان للتراث قضية
الأيدي الماهرة الناعمة على رأس هرم الإنتاج المحلي التقليدي
80 محلاً لسيدات قطريات يشتغلن يدوياً
الصناعات اليدوية تعيد ربط الماضي بالحاضر
بزنس كلاس – هيا المصري
ليس خفياً على أحد تلك الأهمية الكبيرة التي تنتجها وتعكسها الصناعات اليدوية والتراثية كجزء أصيل من تاريخ وحضارة دولة قطر التي لا تدخر سلطاتها وجهاتها المختصة أي جهد في الدعم المتواصل عن طريق فرش طرقات المشاركة في المعارض سواء داخل قطر أو خارجها، أو تقديم التسهيلات التسويقية والإنتاجية .
وفي مركز سوق واقف للحرفيين تعد المهن التراثية معلماً من معالم التراث القديم، التي تزين جوانب السوق، وتربط الماضي بحداثة الحاضر عبر عدد من الصناعات المنتشرة بشكل أكبر في مختلف مناطق الدولة، رغم المعوقات التي تواجهها في السنوات الأخيرة نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي. إذ ما زال إقبال العديد من الزوار على مدار العام خاصة من قبل الأجانب والإخوة الخليجيين، في ظل زيادة الإقبال من المواطنين والمقيمين، الذين لطالما يؤكدون أن المهن والصناعات الحرفية التراثية أصبحت بالفعل قبلة السياح الذين يرتادون السوق، كذلك عشاق التراث الأصيل الذين يقتنون مختلف الصنوف التقليدية المنتشرة في السوق لغرض تزيين المجالس وشراء الهدايا التذكارية.
حِرَف أنثوية ناعمة
وفي ضوء دخول “الأيدي الماهرة” الناعمة في معظم مجالات هذا الميدان فقد راحت أعداد كبيرة من السيدات القطريات تدعم القطاع الحرفي والصناعات التقليدية اليدوية، بنسبة 60% رغم الصعوبات المالية التي يتعرضن لها بين الحين والآخر، حيث جاءت الأسر المنتجة القطرية والتي تمثل النساء فيها الغالبية العظمى، على رأس هرم الإنتاج المحلي التقليدي مثل خياطة الملابس التراثية والسدو ومنتجات البخور والعطورات ودلال القهوة والفخار. إلى جانب الاهتمام بمجال الحناء وصناعة التحف والحلي والسلع التقليدية، التي تجد اليوم رواجاً كبيراً بين المواطنين والمقيمين والسواح، مع التنويه إلى أن هناك أكثر من 80 محلاً يعمل محليًا لصالح سيدات قطريات يشتغلن بشكل يدوي، تهتم تلك المحلات بالصناعات التراثية والتقليدية التي زاد الإقبال عليها بشكل كبير مع اهتمام الدولة بهذا المجال والتشجيع على إحياء الثقافة القطرية.
دعم واستقطاب
ويؤكد عدد من المستثمرين أن قطر نجحت في دعم مشروعاتها الصغيرة بنسبة تتعدى 67% من نسبة المشروعات، لإيمانها بأهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في دعم الإقتصاد المحلي. مؤكدين أن سوق واقف على سبيل المثال، نجح في دعم واستقطاب رواد الأعمال القطريين من الجنسين، وتشجيعهم على الانخراط في الصناعات اليدوية التقليدية، التي تعكس الثقافة القطرية، وتترجم التطور التاريخي، وهو ما يلقى إقبالاً كبيراً من المواطنين والسواح، مشيرين إلى أن الصناعات الحرفية تمثل ثروة سياحية قائمة بذاتها، ومحفز كبير للاقتصاد المحلي.
سند حكومي فاعل
وتولي وزارة الشؤون الاجتماعية الأسر المنتجة أهمية كبيرة في دعم منتجاتهم والترويج لها محليًا، وهو ما يجد إقبالا كبيرا من قبل السواح على وجه الخصوص، وهذه الخطوة في دعم وتنمية الإنتاج الحرفي المحلي، يعزز من وضع المشاريع الصغيرة لأعمال تستحق الاقتناء لجودتها العالية واحترافي صانعيها، و خلال الفترة المقبلة ستشهد الدولة أسواق شعبية جديدة مع تزايد اهتمام المستثمرات والمستثمرين القطريين في هذا القطاع، إلى جانب اهتمام المؤسسات المالية والاجتماعية والثقافية المحلية بالمشروعات الصغيرة التي من شأنها أن تدعم الإنتاج المحلي اليدوي من مشغولات ومنتجات أخرى، مع إمكانية تصديرها للخارج، وهو المسار الذي تخطو عليه اليوم العديد من دول العالم لدعم اقتصاديتها المحلية. كما اهتمت وزارة الشؤون الاجتماعية بتشجيع الأسرة المنتجة على الإنتاج الحرفي واليدوي، من خلال طرح منح إدارة تنمية الأسر المنتجة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية خدمة الترشح للحصول على جائزة أفضل داعم لأنشطة الأسر المنتجة، وهذه الجائزة من شأنها أن تدعم القطريات الراغبات بخوض هذا المجال والذين لا يمتلكون الداعم المالي لمنتجاتهم، وقد نجحت العديد من هذه الأسر في إبراز منتجاتهم والترويج لها وفق إمكاناتهم البسيطة، حيث تجد اليوم الصناعات اليدوية إقبالا عالميا في الدول التي تهتم بها.
مهارات بلا آلات
ما يميز الصناعات التراثية بأنها لا تعتمد على آلات أو أي من القوى المحركة الأخرى، بل اعتمادها على الخامات المتوفرة محليًا، وعلى المهارة اليدوية المكتسبة، وقد مارسها الإنسان منذ القدم، ولا يزال يمارسها في أجزاء كثيرة من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، ومن هذه الصناعات: صناعة الأواني الفخارية، ودبغ الجلود وحفظ اللحوم بطريقة التجفيف وغيرها، وبعض هذه الصناعات البدائية اليدوية تمارس في الدول التي تقدمت كوسيلة لزيادة دخل الأسرة، مثل صناعة السجاد في تركيا، وإيران، وصناعة التحف المختلفة، والحفر على المعادن في مصر، والجزائر، وصناعة الألعاب في سويسرا، وإيطاليا، واليابان، ومثل هذه الصناعات اليدوية من الحرف القديمة في المملكة العربية السعودية، وما زال بعضها قائم حتى الآن، كصناعة الأحذية الجلدية، والمشالح الصوفية.
صناعات يدوية استراتيجية
يقول الخبير الاقتصادي د. حسني خولي إن قطر أولت المشاريع الصغيرة التي تهتم بالحرف التراثية والصناعات الحرفية التقليدية، اهتماماً كبيرا جدًا، والدليل على ذلك الاهتمام أن نسبة المنشآت الصغيرة إلى إجمالي المنشآت في قطر تقترب من الـ67% وهذا مؤشر جيد بكل المقاييس، وأضاف: أن التجارب الناهضة والناجحة في مجال الصناعات الحرفية مثلًا في ماليزيا والهند والبرازيل وتركيا لوجدنا آلاف الأسباب التي تجعل الدول الخليجية تقف بجوار تلك الصناعات ودعمها نظرًا لكونها تعتبر قاطرة لنمو الناتج القومي وأنها وسيلة لتحقيق العدالة وتقليل الفوارق وتقليل البطالة، ولتأكد للجميع ضرورة وأهمية معالجة أي مشكلات اقتصادية تواجه تلك الصناعات، خاصة أن الاقتصاد الخليجي اقتصاد ريعي يعتمد على بيع النفط والغاز، وتلك العوائد تتذبذب بدرجة خطيرة تبعًا لأسعار برميل النفط الذي تحدده الأسواق العالمية، وبالتالي فإن الدول الخليجية تحتاج لتنويع مصادر الدخل وتلك الصناعات من الممكن أن تسهم بفعالية في زيادة الدخل الوطني خارج عوائد النفط. ولذا يبقى الأمل أن تتضافر الجهود الحكومية مع القطاع الخاص وجهات التمويل في الاهتمام بتلك الصناعات ومتابعة تطورها وإيجاد حلول لمشاكلها، يتفق معظم الاقتصاديين على أهمية الصناعات اليدوية وأثرها الإيجابي على التنمية الاقتصادية، وإيجاد مزيد من فرص العمل، وتقليل الفقر، والمساهمة في العدالة الاجتماعية بين فئات السكان، فالأثر الإيجابي للصناعات الحرفية يتوزع بين البداوة أو الريف والحضر وبين الإناث والذكور، وبين الشباب والكهول، وبين المتعلمين وغير المتعلمين، وبين الفقراء ومتوسطي الدخل.
أخيراً تواجه تلك الصناعات في الوقت الحالي تحديات كثيرة منها التغيرات التكنولوجية التي طرأت على تلك الصناعات وزيادة التقنيات، وعدم وجود مدارس ومعاهد تهتم بتدريب وتطوير أصحاب تلك الحرف بالشكل الذي يلاحق التطورات حتى لا يتم الاستغناء على منتجات تلك الحرف واستبدالها بأخرى مستوردة بأسعار تقل عن المصنوعات اليدوية المحلية.