السياحة القطرية إرث تاريخي مبهر ورصيد مفتوح من التحديثات

حجزت مكانها على الخارطة العربية والعالمية

قطر تشغل محركاتها الاقتصادية النفاثة والسياحة محطة الانطلاق والوصول

45 مليار دولار فاتورة حضور المشهد العالمي والتسديد فوري

الواقع السياحي جاهز لقص شريط الاستثمارات العملاقة

بزنس كلاس  – أحمد سليمان

لم يأت اعتماد قطر في سياحتها على عامل الإبهار “عن عبث”، فدولة تتصدر قائمة البلدان في النهضة العمرانية العملاقة وتمتلك إرثاً تاريخياً وحضاريا متخما، لها الحق أن تستثمر وتستغل ثقافتها وتاريخيها وأرشيفها الديني والبحري وسياحة المغامرات، في زمن تنتشر فيه أبرز المعالم السياحية على امتداد البلاد.

ولأن قطر واحدة من أسرع الدول نموّاً، إلى جانب موقعها الهام والمميز، بات مؤكداً أنها ستبدأ بوضع موطئ قدمٍ لها على خارطة السياحة العربية والعالمية، ومن هنا فإن الاشتغال على ملفات تعديل وتطوير وإعادة هيكلة استراتيجيات السياحة بات خياراً ملحاً فرضه الحصار لصالح دعم القطاع السياحي والذي أصبح من أولوياته اليوم التوجه للسوق المحلي باعتباره السوق الأساسي الذي من شأنه أن ينشط الحركة السياحية ويرفع عائدات السياحة بكل مرافقها.

محرك اقتصادي نفاث

يدرك الجميع أن دولة قطر تطمح إلى جعل السياحة محركاً رئيساً لنموها الاقتصادي، واستقطاب ما يزيد على 7 ملايين زائر سنويا بحلول العام 2030، كجزء من استراتيجيتها للتنويع الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد الكلي على قطاع الطاقة، ولهذا تشمل الأهداف السياحية للعام 2030 نمو إجمالي عائدات إنفاق السياح في قطر ليصل إلى 11 مليار دولار ارتفاعا من 1.3 مليار دولار في عام 2012، وزيادة نسبة السياح القادمين بغرض الترفيه والاستجمام إلى 64 في المائة بعد أن كانت لا تتعدى 27 في المائة في عام 2012.

مرحليا تستهدف قطر الوصول في العام 2018 إلى المركز 35 عالمياً في مؤشر “القدرة التنافسية للسفر والسياحة” لترفع آنذاك مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.1 مليار دولار، وتصل إلى ما مجموعه 2.4 مليون سائح دولي و1.7 مليون سائح محلي، إضافة إلى استقبال مليون سائح قادم بغرض الترفيه بحلول العام نفسه على أن يُجذب نصف هذا الرقم من خلال العروض الثقافية التي تقدمها البلاد.

وتبدو هذه الطموحات مشروعة في ظل عدد من المعطيات المحلية والخارجية، فمن جهة تتزايد وتيرة حضور الدولة في مشهد السياحة العالمية بالنظر إلى التعاون المثمر لدولة قطر مع منظمة السياحة العالمية لتأهيل الثروة البشرية في القطاع السياحي المحلي بما يتماشى معا على المعايير الدولية، وإبرام اتفاقيات التعاون وتطوير السياسات والأنظمة المرتبطة بالقطاع، والمشاركة بفاعلية في العديد من الفعاليات الإقليمية والعالمية ذات الصلة.

عواصم ومنشآت

ويلحق بالجهود في هذا المجال، افتتاح قطر مكاتب تمثيلية في العديد من عواصم العالم من لندن إلى باريس مرورا ببرلين وانتهاء بمدينتي الرياض وجدّة لاستقطاب السياح من دول مجلس التعاون الخليجي، وافتتاح مكتب تمثيلي آخر في سوق جنوب شرق آسيا متسارع النمو بتركيز خاص لسنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ.

وتشير أرقام الهيئة العامة للسياحة إلى ازدياد عدد المسافرين من مختلف دول العالم إلى قطر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فقط، بنسبة 91 في المائة وبمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 13.8 في المائة.

تتحدث الوقائع عن ان استثماراً ضخماً في السياحة من القطاعين الحكومي والخاص يتوقع أن تصل ما بين 40 – 45 مليار دولار بحلول العام 2030، ويتم ذلك بالتوازي مع تنظيم العديد من المهرجانات والمعارض والمؤتمرات والأنشطة سنويا، للتعريف بما تزخر به الدولة من بنية تحتية حديثة ومقومات تجعلها مقصدا سياحيا رائدا في المنطقة.

وفي سياق الحديث عن الاستثمارات المرتبطة مباشرة بالقطاع، تخطط دولة قطر لزيادة عدد الفنادق ومنشآت الشقق الفندقية من حوالي 107 فنادق ومنشأة للشقق الفندقية قائمة حاليا إلى 187،عبر افتتاح أكثر من 80 فندقا ومنشأة للشقق الفندقية خلال السنوات الخمس القادمة، ومن بينها 20 يتوقع افتتاحها بنهاية هذا العام ستضيف ما يقارب 4 آلاف غرفة، لحوالي 16 ألف غرفة موجودة حاليا ما يعني أن القطاع الفندقي بالدولة دخل بالفعل مرحلة غير مسبوقة من توسيع قدراته.

ويتوقع القائمون على قطاع السياحة، أن يلعب الترويج والتخطيط الجيد للسياحة، فضلا عن تنويع اقتصاد البلاد، دورا في توسيع رقعة الاقتصاد، وتعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع المبادرات الخاصة وريادة الأعمال، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد. كما ينظرون إلى السياحة كقطاع أوسع من أن يحصر في الاستجمام والترفيه، وبالتالي شموله قطاع الأعمال والرعاية الصحية والاستجمام، والرياضة، والسياحة البيئية، والسياحة التعليمية، وهي قطاعات تتمتع قطر بمقومات النجاح والتميز فيها، بعد أن أصبحت وجهة للأعمال معترفا بها وحائزة على جوائز متعددة.

ويمكن القول إن التحول الكبير الذي يشهده القطاع يعود بالأساس إلى مرتكزين مهمين الأول هو إطلاق الهيئة العامة للسياحة رسميا عام 2007، بغية تحقيق نمو مستدام للقطاع في الدولة والترويج لقطـر كوجهة سياحية عالمية فريدة للتجارة والأعمال والتعليم والرياضة والترفيه في المنطقة، فضلا عن سن التشريعات وتوفير مجالات للاستثمار السياحي وتشجيع الاستثمار المحلي لإقامة المشروعات السياحية.

أسس الصناعة السياحية

ولنكون أمام صناعة سياحية حقيقية تسعى الهيئة جاهدة إلى تطوير وتعزيز صناعة السياحة القطرية من خلال الخطط والسياسات والنظم الشاملة وآليات التنسيق مع أصحاب العلاقة وتطوير محفظة قطر من الخدمات والمنتجات السياحية مع التركيز على قطاع المؤتمرات والمعارض والأعمال والسياحة الثقافية وسياحة المدن وتسويق وترويج الوجهة السياحية لقطر. وتقوم رؤيتها على قيادة تنمية السياحة في قطر بشكل مستدام لتصبح وجهة سياحية عالمية بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وتلتزم بالتطوير المستدام من خلال الابتكار والسعي المتواصل لتكون في مركز القيادة الرئيسي للقطاع السياحي من خلال اعتمادها أحدث الدراسات والأبحاث، وتقنيات التسويق التكنولوجية. ومع وجود رؤية عميقة لقطاع السياحة، وارتفاع مستوى التوقعات لقدرة الهيئة العامة للسياحة على تحقيق إنجازات تجعل دولة قطر وجهة سياحية رائدة لتسهيلات الأعمال والتجارب الأصيلة والترفيه العائلي، وتنمية الثروة البشرية في القطاع السياحي وتعزيز مهارات العاملين في القطاع ومستوى الخدمات التي يقدمونها، تكون الهيئة حققت تقدما ملحوظا في إنجاز مهمتها، في تطوير قطاع سياحي قادر على استيعاب دور الدولة ومكانتها في استقطاب الزوار، وجعل قطر وجهة رئيسية للعائلة والأعمال بعد إطلاق / الاستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة 2030/، التي تمّت صياغتها لتكون خريطة طريق لتطوير صناعة السياحة في العقود القادمة وإرشاد الهيئة العامة للسياحة في جهودها لجعل قطر “وجهة سياحية عالمية تفتخر بجذورها الثقافية”. وتحدد الاستراتيجية التي تعتبر من التطورات التاريخية في مسيرة القطاع السياحي بالدولة، مجموعة واضحة من الأهداف الواجب تحقيقها بحلول العام 2030 سواء من حيث أعداد السياح الذين يمكن لقطر أن تتوقعهم، وتصنيفاتهم وتوزيعهم وعدد غرف الفنادق التي يجب توفرها، وعدد الوظائف التي سيخلقها القطاع، ومساهمة قطاع السياحة في إجمالي الناتج المحلي للبلاد، أو المشاريع المخطط لإقامتها في مناطق مختلفة من البلاد ومن بينها 25 برنامجاً فاعلاً حددتها الاستراتيجية حتى الآن.

تنافس ومقومات

وتجيب على أكثر من 36 تساؤلا من بينها ما يتصل بطبيعة المنتجات السياحية التي ستركز عليها وكيف تستطيع قطر التنافس مع الدول الأخرى في المنطقة التي استثمرت بشكل كبير في قطاع السياحة، والطريقة التي ستؤثر بها هذه الاستراتيجية على نجاح استضافة قطر لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، فضلا عن الأدوات الضرورية لتنفيذها بنجاح وتمكين تحقيق أهدافها، ولماذا تحتاج قطر من الأساس إلى إستراتيجية لقطاع السياحة. كما تتقصد الاستراتيجية الإجابة على التساؤلات بشأن أسباب ودواعي اختيار القطريين قضاء إجازاتهم في دول أخرى في الوقت الذي نجحت فيه الهيئة في زيادة الاهتمام بالسياحة في قطر، بقولها إن المقومات السياحية لأي بلد لا تشكل سببا يحول دون سفر الناس إلى الخارج واستكشاف دول وثقافات أخرى، خاصة وأن الدول المختلفة لها مقومات سياحية ومميزات مختلفة تنفرد بها عن غيرها.

 

السابق
وليد أحمد المدير الاقليمي لشركة “ريل يورب” : ثقافة السفر رحلة طويلة ومراجعها مخبأة في عربات القطار
التالي
تطبيق يعالج الإدمان على مواقع التواصل