الزراعة في قطر تعيد تقليب التربة وتجدد حفر الينابيع

من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير والبذرة الأولى تحدد سير المواسم

التجارب التسويقية تحدد ملامح المنتج القطري وترفعه إلى مرتبة العلامة المسجلة

القطاع الخاص شريك أساسي وعصب حساس في التنمية الزراعية

بزنس كلاس – ميادة أبو خالد

شهد القطاع الزراعي ثورة في دولة قطر في العام المنصرم 2017 أطلقت شرارتها حالة الحصار التي حاولت بعض الدول الخليجية خنق قطر غذائياً عبرها. ورغم أن الإنتاج الزراعي القطري حقق قفزة كبيرة تستحق لقب “ثورة” إلا أنه أتى في إطار منظم باتساق مع استراتيجية رؤية قطر الوطنية 2030 والتي تهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي لنسبة 100% بمجال الأمن الغذائي لاسيما الشق الزراعي منه بحلول 2030.

وتوقعت مصادر في وزارة البلدية والبيئة أن ترتفع أعداد الوحدات الزراعية القطرية المنتجة من 280 مزرعة في الموسم المنتهي إلى 600 مزرعة في الموسم الحالي من أصل 1307 مزارع يفترض أن تكون وحدات منتجة، بارتفاع وصل إلى 100% خلال الموسم الجاري، مقارنة بـ 20% الموسم الماضي، وذلك إلى جانب 16 تجمعاً إنتاجيا زراعيا تمتلكها الدولة في استراليا وباكستان وسلطنة عمان والسودان والأخير دخل طور الإنتاج منذ أيام.

معلومات وأرقام

معلومات وزارة البلدية والبيئة تؤكد هذا النمو الكبير على صعيد التطور الزراعي في قطر، حيث أن الوزارة تعمل حاليا على زيادة مشاركة القطاع الخاص في مشروعات التنمية الزراعية مع بدء العمل في الشهور الماضية على 12 مشروعا من مشروعات الإنتاج الزراعي باستثمارات ضخمة ستبدأ إنتاجها قريبا. ويعد القطاع الزراعي في قطر بين القطاعات الأكثر نمواً في المنطقة في الفترة الأخيرة حيث ارتفع عدد المزارع في قطر بنسبة 15% تقريبا في السنوات الثلاث الماضية فيما يشهد الإنتاج نموا لا يقل عن 12% سنوياً.

كما توضح أرقام وزارة البلدية والبيئة بأن الاستثمار الزراعي يحقق هامش ربح عال مقارنة بقطاعات أخرى حيث تستفيد الدولة من الإيرادات العالية في تطوير القطاع واعتماد التقنيات والمعدات الحديثة التي تساعد على تقليل وقت حصاد المحصول الزراعي والتي تراوح بين شهر و3 أشهر لكل مزرعة تقريباً في ظل نشاط زراعي كثيف لـ 1307 مزرعة، 70% منها نشطة، كما أن المنتجات الزراعية المحلية توفر نحو 30% من الاكتفاء الذاتي، وتبلغ المبيعات السنوية للقطاع الزراعي 500مليون ريال، حيث يسهم القطاع الزراعي بـ 4% من الناتج المحلي السنوي في الدولة.

من الإنتاج إلى التسويق

ولا يقتصر الاهتمام الحكومي في دولة قطر على تطوير المنشآت الزراعية ودعم المشاريع الخاصة بل تذهب الدوحة في هذا الأمر خطوة إضافية من خلال الإسهام بفعالية في مساعدة المزارعين بتسويق منتجاتهم داخل البلاد بشكل جيد فيما يتطلع المنتجون إلى دور أكبر للمؤسسات الحكومية المعنية وغرفة قطر بتركيز مزيداً من الجهود على تسويق المنتج الزراعي القطري في الخارج كما يفعلون في السوق المحلية.

تبنت وزارة البلدية والبيئة خلال السنوات الماضية عددا من التجارب التسويقية التي أثبتت نجاحها في التعريف بالمنتج القطري وساهمت في خلق نوافذ تسويقية لأصحاب المزارع. وتعتبر تجربة ساحات بيع المنتج الزراعي المحلي في كل من ساحات المزروعة والخور والزخيرة والوكرة دليل على التدخل الإيجابي لمؤسسات الدولة في تسويق المنتج المحلي بعد أن أثبتت نجاحها بشكل كبير منذ انطلاقها عام 2012 حيث شهدت الساحات إقبالا كبيرا من قبل المواطنين والمقيمين على شراء كافة مستلزماتهم من المنتجات الزراعية والحيوانية المحلية نتيجة جودة المنتجات المعروضة بالساحات بأسعار تنافسية مما جعلها تحقق نسب مبيعات قياسية بالإضافة إلى ما حققته التجربة على مستوى دعم المزارع والمربي القطري بتوفير كافة مستلزمات الإنتاج من الأعلاف وتسويق منتجاتهم وهو ما تصبو إليه وزارة البلدية والبيئة من وراء هذه التجربة.

وحققت ساحات بيع المنتج الزراعي المحلي الموسم الماضي مبيعات غير مسبوقة للخضراوات بلغت نحو 5386 طنا من الخضراوات كما تم تسويق كمية من الفاكهة الطازجة المستوردة تبلغ 968 طنا وتسويق كمية من الأسماك تبلغ 152 طنا بالإضافة إلى تسويق عدد 9838 رأسا من الأغنام والماعز وذبح عدد 11603 رؤوس من الأغنام كما تم تسويق كميات قياسية من الدواجن بلغت نحو 32 ألف طائر داجن وتسويق كمية غير مسبوقة من عسل النحل القطري تبلغ حوالي 2.9 طن مقابل 1.3 طن في العام السابق إلى جانب تسويق 15.1 ألف كرتون بيض بلدي قطري ما يناهز نصف مليون بيضة خلال هذا الموسم وتسويق كمية من الألبان ومنتجاتها تجاوزت 8.9 طن خلال هذا الموسم الذي شهد بداية بيع منتجات الألبان في الساحات للمرة الأولى.

بالهكتار المستقيم

الجدير بالذكر أن إجمالي المساحة القابلة للزراعة في قطر يبلغ نحو 65 ألف هكتار تنتج نحو 567981.3 طن من المنتجات الزراعية حيث يبلغ إجمالي المساحات المكشوفة 10777.7 هكتار فيما تبلغ مساحة البيوت المحمية 244 هكتارا. و تبلغ المساحة المزروعة بالخضراوات 2140.5 هكتار تنتج 53598.9 طن من الخضراوات سنويا كما تبلغ المساحة المزروعة بالحبوب 293.5 هكتار تنتج 1377.2 طن من الحبوب وتبلغ المساحة المزروعة بالفواكه نحو 26521.1 هكتار تنتج 29794.7 طن وتبلغ المساحة المزروعة بالأعلاف الخضراء 5935 هكتارا تنتج 483210.5 طن من الأعلاف الخضراء. ويوجد في قطر 1307 مزرعة مسجلة في إدارة الشؤون الزراعية بينها 902 مزرعة نشطة ومن ضمن هذه الأخيرة 364 مزرعة منتجة تقوم بتسويق إنتاجها في السوق المحلي ويبلغ عدد المزارع المهملة 395 مزرعة بنسبة 30%.

وتوفر المنتجات الزراعية المحلية نحو 30% من الاكتفاء الذاتي حيث تصل المبيعات السنوية للقطاع الزراعي تصل إلى 500 مليون ريال تقريبا تساهم بنحو 4% من الناتج المحلي السنوي في الدولة.

نحو استراتيجية أشمل

إن الإنتاجية العالية للمساحة الصغيرة نسبياً للأراضي الزراعية تحتم على الدولة اعتماد استراتيجية أكثر فعالية في استصلاح مزيد من الأراضي الزراعية لتحقيق مزيد من التطور ورفع سقوف الإنتاج لمختلف الأصناف الزراعية وعدم الاعتماد بشكل كلي على المزارع التي تمتلكها قطر عبر “حصاد” في مناطق مختلفة من العالم.

الجدير بالذكر أن قطر تسير بخطى واسعة نحو زيادة الاستثمار في القطاع الزراعي لتلبية حاجة السوق المحلي والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية. ورغم أن الحصار لعب دور الحجر الذي رمي في بركة ساكنة، إلا أنه لم يكن وحده هو الدافع نحو التوجه للاستثمار في القطاع الزراعي – وإن كان سببا في تسريع وتيرة الخطط العاملة في هذا الشأن.

وتمتلك قطر رؤية منذ سنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية بشكل عام ومن المنتجات الزراعية بصفة خاصة من خلال برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي والخطة الشاملة للأمن الغذائي للفترة بين 2014 و2024 والذي يهدف إلى تخفيف اعتماد الدولة على الواردات الغذائية عبر تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي وذلك من خلال تطوير سياسة شاملة للأمن الغذائي ترمي إلى زيادة الإنتاج الزراعي الوطني كما يهدف البرنامج إلى تحسين مستوى الاكتفاء الذاتي للإنتاج الزراعي في قطر بكل أنواعه وتنمية مصادر الاستيراد وذلك من خلال الاستثمار في جميع المجالات ليس في الإنتاج الزراعي فحسب وإنما في النقل والتكنولوجيا الزراعية والغذائية وذلك للتخفيف من مخاطر الاستيراد.

من الاكتفاء إلى التصدير

تبدو قطر اليوم على أعتاب نهضة زراعية شاملة تقوم على عدد من الخطط الفاعلة التي يتم العمل عليها بهدوء وتركيز وفي إطار استراتيجية شاملة ستؤدي فعلياً وليس نظرياً إلى قيام قطاع زراعي حيوي قادر على تأمين الاكتفاء الذاتي لحاجة سكان البلاد المتزايدة إلى الغذاء وصولاً إلى تنفيذ كامل لرؤية قطر الوطنية 2030 والانتقال من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى تصدير المواد الزراعية والأغذية لمناطق أخرى من العالم. النقطة الأهم في هذا المجال أن تطوير القطاع الزراعي في قطر ليس مجرد خطة لحل أزمة أو مشكلة آنية نتجت عن حصار جائر، بل هي أداة ليس فقط لتأمين قطر وشعبها غذائياً على المدى البعيد، بل أيضاً هي الرافعة التي سيبنى عليها ضلع مهم بالاقتصاد القطري في المستقبل وأمانة يجب أن نبني أسسها من أجل الأجيال القادمة لنمنحهم عنصر قوة يعتمدون عليه في بناء دولة يحتاجها العالم أكثر مما تحتاجه، كما هو الحال اليوم مع سلعة الغاز المسال.

 

السابق
إدارة المرور تحل المعادلات الصعبة واجتهادات الحكومة حافز نوعي
التالي
اقتصاد الظل آفة العصر الحديث وقطر ليست في منأى