الدوحة وإفريقيا.. “قصة بصدد الإنشاء”

تطورت في العقد الأخير العلاقات والروابط بين دولة قطر والدول الإفريقية، لما تتمتع به القارة السماء من إمكانيات هائلة وفضاءات استثمارية ضخمة في القارة التي لا تزال حتى يومنا هذا “بكراً” رغم كل أنواع الاضطهاد والاستعباد والاستغلال التي مورست بحقها على مدار عشرات بل مئات السنوات الماضية. ويتبنى المحللون بشأن العلاقات القطرية الإفريقية العديد من النظريات من أجل فهم طبيعة هذه العلاقات واستنطاق مدى عمقها وتطوّرها.

إفريقيا التي شكلت ولا تزال تشكل مخزنا من الثروات الهائلة وفضاء لإستثمارات كبيرة للعديد من الدول الأوروبية، تبدو من هذا المنظور فضاء لا يزال ملتبساً، وان كان هناك مؤخرا نمو ملحوظ وواعد بالنسبة للنفوذ الدبلوماسي والمالي القطريين.

في هذا الصدد صدرت مؤخراً دراسة ثاقبة بعنوان “العلاقات الدبلوماسية بين قطر وإفريقيا: قصة بصدد الإنشاء” للباحث الفرنسي بنجامين اوجي، سلّط فيها الضوء على عشر سنوات من الدبلوماسية القطرية في القارة الافريقية، وجاء فيها بملاحظات وخلاصات جديرة بالاهتمام.

“الشرق” تعود على أهم هذه النقاط من خلال الدراسة المذكورة وحوارات للباحث مع وسائل إعلام اوروبية.

بنجامين اوجي دكتور في المعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية وأستاذ في كلية الحرب الفرنسية ومعهد العلوم السياسية في باريس وفي المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة. وهو أيضا أستاذ ماجستير الطاقة والموارد الطبيعية في جامعة حمد في قطر، ورئيس تحرير مجلة النشرة الإخبارية للطاقة.

ومن خلال حوارات وتبادل آراء مع اداريين قطريين ومستثمرين في القطاعين العام والخاص، وكذلك مع شخصيات من السلك الدبلوماسي القطري والافريقي اجراها في الدوحة، سمحت للباحث برفع الستار عن واقع هذه العلاقات ذات الانطلاقة الواعدة، خصوصا منذ تأسيس المجموعة الإفريقية بالدوحة في شهر اكتوبر المنصرم. وفي الدراسة تفرقة منهجية مقصودة بين دول شمال إفريقيا وباقي الدول الافريقية، اذ تركز الدراسة على دول افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

يلاحظ الباحث أنه سابقا كان فقط لموريتانيا والسودان وإريتريا ممثلون دبلوماسيون في قطر من بين دول افريقيا. ولكن تم ترسيخ اكبر للحضور الافريقي في الدوحة خلال السنوات الأخيرة: جنوب أفريقيا (2003)، كينيا (2010) ونيجيريا (2013)، وكذلك ليبيريا وبنين وسوازيلاند والسنغال. وبعد افتتاح سفارة للنيجر في أغسطس 2015، ومالي في أكتوبر من نفس السنة، أصبح حاليا هناك 24 بعثة دبلوماسية افريقية في قطر.

أما من الجانب القطري فتقول الدراسة انه “عادة، قطر تستضيف سفارة افريقية معينة على أرضها قبل ان تبادر بفتح سفارة لها في نفس البلد، كان هذا هو الحال بالنسبة للصومال الممثلة في قطر منذ سنوات عديدة، ولكن انتظرت قطر حتى أغسطس 2014 لتكوين بعثة دبلوماسية هناك وذلك بالأساس بسبب تحديات أمنية، والعكس ممكن أيضا، فمنذ عام 2012، قطر لديها سفارة في دار السلام بتنزانيا دون أن تكون هذه الاخيرة ممثلة بعد في الدوحة، فإلى جانب الأهمية بالنسبة لقطر بأن يكون لها تمثيل في بلد اسلامية قديمة جدا، خاصة في زنجبار، حيث هناك الكثير من القطريين السياح الذين يتوجهون الى تنزانيا لزيارة زنجبار وكليمنجارو، من خلال رحلة مباشرة من الدوحة مع الخطوط الجوية القطرية. ولكن من الجانب التنزاني هناك مسؤولون من وزارة الشؤون الخارجية يبررون غيابهم عن الدوحة لأسباب مادية”.

ويلاحظ الباحث من جهة اخرى أنه ليس لبعض الدول الافريقية بالضرورة نفس الأهداف ونفس الاستراتيجيات لتحقيق تطور في التبادل والتقارب، ان كان ذلك على المستوى السياسي او الثقافي أو الاقتصادي، وان كانت في اغلبيتها تبدي اقبالا متزايدا ورغبة في دعم العلاقات مع قطر.

وفي هذا الشأن يقول بنجامين أوجي “لماذا هذا الإقبال الإفريقي المتزايد على الدوحة؟ اغلبية الدول، مثل ليبيريا كان فتح بعثة دبلوماسية لها في قطر وسيلة لجذب التمويل والاستثمار الى البلاد، ففي مونروفيا، كان قرار فتح سفارة لها في قطر في عام 2010 يتفق مع فكرة أن قطر هي “الأرض الموعودة” لتحقيق تقارب اقتصادي كبير”.

ولكن العلاقات القطرية مع افريقيا لا تقتصر على الجانب الإقتصادي، حسب الباحث الذي يشير الى أنه “فيما يتعلق بالحضور الدبلوماسي لجنوب أفريقيا ونيجيريا مثلا وعلاقاتهما مع قطر، هدف توطيد العلاقات لا يقتصر على زيادة التبادل الاقتصادي، فالجانب السياسي مركزي في جهودها لترسيخ مكانتها في قطر، بسبب مشاركة قطر في العديد من جهود الوساطة، خاصة بين جيبوتي وإريتريا على قضايا الحدود أو حول الأزمة في إقليم دارفور في السودان، اذ لم يعد من المعقول أن لا تتواجد هاتان الدولتان ذواتا الثقل الاستراتيجي الكبير في قطر”.

ومن الناحية القطرية، أشار الباحث الى أن “عدد من صانعي القرار في قطر ينظرون الى افريقيا كأرض قادرة على استقبال جانب من إستثمارات الإكتفاء الذاتي الغذائي لقطر، اذ أنجزت شركة حصاد الغذائية، التي تأسست في عام 2008 ضمن جهاز قطر للاستثمار، عددا من المشاريع في هذا المجال (في أستراليا وعمان وباكستان)، وهي حاليا مهتمة جدا بالاستثمار في أفريقيا التي ترى فيها قارة استراتيجية وتنافسية”.

اما في مجال الطاقة فان “قطر فعّلت منذ مدة استثمارين رئيسيين: قطر للبترول استحوذت على 15 ٪ من توتال في جمهورية الكونغو، واستثمار آخر مرتقب في مجال الكهرباء بين مجموعة كونسورتيوم نبراس وكهرماء وقطر للبترول وقطر القابضة”. أما “الخطوط الجوية القطرية فهي في وضع جيد في شرق أفريقيا من خلال ربط معظم البلدان (السودان وأوغندا وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وموزمبيق)، وكذلك في البلدان الرئيسية في غرب أفريقيا مثل نيجيريا وجنوب افريقيا”.

من جهة اخرى حسب الباحث دائما اذا كانت هناك نظرة نمطية من الجانب الإفريقي متمثلة في تصوّر أنه سيكون من السهل جذب الاستثمارات القطرية نظرا لرخاء قطر الهائل، فإنه لا تزال هناك، من الجانب القطري، أيضا تصورات ضبابية وأحيانا خاطئة عن افريقيا..

حيث لا تزال افريقيا تشكل أرضا مجهولة بالنسبة للعديد من المسؤولين القطريين، والمخاوف لا تزال قوية عندما تحاول السفارات الافريقية جذب الاستثمارات الى القارة مثلا: هناك مخاوف تتعلق بالجانب الأمني وسلامة الاستثمارات، كما أن الدول الإفريقية ما زالت قائمة في أذهان بعض المسؤولين القطريين على أنها قارة متكونة من دول متشابهة، حيث لا فوارق تذكر بين بلدانها”.

ويضيف المحلل قائلا “عند مقارنة ضخامة الاستثمارات القطرية في أوروبا (تقدر بـ 65 مليار $ حتى عام 2013)، وأمريكا الشمالية، يبرز حجم الاستثمارات في افريقيا بصفته محدودا للغاية (ربما أقل من مليار دولار)، لذلك يمكننا أن نقول ان جهود التقارب والتعارف والتفاهم ما زالت مطلوبة”.

وبالرغم من ان “هدف الدبلوماسية في قطر لا يحيد عن رغبة في الانفتاح ومواصلة الاستثمار في العالم وأفريقيا، الا أن القارة لا تزال “غامضة” بالنسبة للقطريين، وعلاوة على ذلك، فإن عدد المسؤولين القطريين في الشؤون الخارجية الإفريقية مازال قليلا مقارنة بالنمو الكبير للعلاقات في السنوات الاخيرة”.

وهذا النمو في العلاقات جعل الفاعلين الدبلوماسيين الافريقيين في الدوحة من جانبهم يتفقون على خلق فضاء مشترك للتواصل والتعاون عن طريق تأسيس المجموعة الافريقية في الدوحة لدعم العلاقات بين دولة قطر ودول القارة، والعمل على إبراز إمكانات إفريقيا على كافة الأصعدة.

ولقد جاء تشكيل المجموعة في 20 اكتوبر من هذه السنة والتي يترأسها في دورتها الاولى السفير الجزائري بالدوحة السيد عبد العزيز سبع، استجابة لإعلان الاتحاد الإفريقي، وتعبيرا عن الحاجة إلى تضافر جهود السفراء الأفارقة بالدوحة (24 دولة) وتنسيقهم لدعم العمل الجماعي القطري — الإفريقي، والخليجي — الإفريقي عامة، وذلك في إطار مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا (نيباد).

والملاحظ أن الاتحاد الإفريقي الذي اعتمد خطة تطوير البرامج الاجتماعية 2063 وهو ما يتطلب تعزيز التعاون والشراكة بين إفريقيا ودول العالم، قد وعى بأهمية الدور الذي قد تلعبه قطر في الاسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في افريقيا.

وأكدت المجموعة مؤخرا أنها ستباشر خلال 2017 اجندة عمل ثرية من اجل إظهار الوجود الإفريقي بالدوحة وأنها ستظهر أكثر في الساحة الثقافية والرياضية بالتعاون مع المسؤولين القطريين سواء على مستوى الوزارات أو المؤسسات الثقافية والرياضية.

السابق
بالصور.. شركات ووكالات السفر القطرية تتأهب لإبرام عقود مع مصحات علاجية في تركيا
التالي
“داعش” في بروكسل.. تفاصيل خفايا تشكيل التنظيم على “الجزيرة”