أبو زيد الحصار غزا نفسه وتقاسم الخسائر مع شركائه
خسائر بالجملة للسعودية وتابعيها وحصاد مرّ للزراعة العشوائية
قطر تفتح مسارات اقتصادية جديدة والمصادر تزداد باضطراد
بزنس كلاس – ميادة أبو خالد
بدون شك تتمتع كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة وبشكل جزئي البحرين باقتصاديات قوية مدعومة في الأولى بحقيقة أنها أكبر منتج للنفط الخام بالعالم بطاقة تصديرية يومية تزيد عن 10 مليون برميل. كما أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين تملكان رصيداً قوياً من إنتاج حوامل الطاقة إضافة للعب دور تجاري بارز في المنطقة لاسيما إمارة دبي الإماراتية. لكن هذا كله لم يكفل لتلك الدول أن تنجح في شن حرب اقتصادية وحصار خانق على دولة قطر، بل أنها وبدل أن تجعل الدوحة تعاني، أخذت هي نفسها تجر أذيال الخيبة والخسائر على أكثر من مستوى من الاقتصادي إلى الأخلاقي، الأمر الذي أفقدها الكثير من الفرص الاقتصادية وسحب البساط من تحت اسمها اللامع كمصدر اقتصادي موثوق. كل ذلك جاء نتيجة لجوء تلك الدول إضافة لدولة مصر في محاولة مستميتة من أجل لي ذراع قطر وجعلها توقع ورقة استسلامها على بياض في تخلي تام للدوحة عن سيادتها وهذا ما لم يحدث.
السعودية والإمارات والبحرين لم تأخذ بالحسبان، حين أعلنت قطع العلاقات مع قطر وفرض الحصار عليها، أن الخاسر الأكبر ستكون شركاتها وقطاعات مختلفة لديها، مثل النقل والموانئ، فبعد خسارة السوق القطري، فقدت هذه القطاعات والشركات مصدر دخل كبير وثابت.
أسواق وبدائل
ومع قطع العلاقات والحصار، فتحت قطر أسواقًا جديدة لتمدها بالمواد الغذائية والسلع الأخرى التي كانت تستوردها أو تنقلها عبر الدول التي أعلنت المقاطعة، وبالتالي وفرت احتياجاتها وفتحت أسواقًا جديدة من دول عربية وعالمية. وكانت قطر تستورد 80% من احتياجاتها الغذائية عبر جيرانها الخليجيين، ما كان يشكل مصدر إيرادات مهما للشركات في الدول المقاطعة، وكذلك آلية لتسويق الإنتاج الغذائي والزراعي.
إلا أن قطر توجهت نحو أسواق بديلة، وبدأت الشركات العمانية تصدر المنتجات نحو الدوحة، مع افتتاح خطين ملاحيين تجاريين، في حين قال مسؤولون إيرانيون إن طهران أرسلت أربع طائرات شحن محملة بالأغذية إلى قطر وتابعت تزويد الدوحة بمائة طن من الفواكه والخضر يوميًا منذ بدء الحصار في 5 يونيو حزيران 2017. إضافة إلى ذلك، تدفقت المنتجات من تركيا والكويت وغيرها من الدول العربية، واليونان وأذربيجان والهند وغيرها إلى السوق القطرية، مع تأمين مخزونات تفيض عن حاجة السوق القطرية للسلع والبضائع.
وفي حين حررت قطر نفسها من الخناق الخليجي، دخلت الشركات الخليجية في الحصار بأزمة ستتصاعد حدتها كلما مر يوم جديد في تاريخ علاقة “الحصار” التي أعلنها “اشقاء” الدوحة ضدها.
آثار معكوسة
وأشار تقرير وكالة “بلومبيرغ” في توضيح حول توقعات أبرز الخاسرين والرابحين من هذا الحصار، إلى أنه ومنذ إسراع قطر لفتح جسور جوية فورية مع إيران وتركيا لتأمين دفعات إسعافية من المواد الغذائية، بدأ مسلسل خسائر كبيرة للشركات السعودية والإماراتية لم يتوقف حتى يومنا. ولفت التقرير إلى أن شركة الخليج للسكر، أكبر مصفاة للسكر في العالم، الموجودة في الإمارات، هي من أبرز الخاسرين من جراء الحصار، وشرح أن المملكة العربية السعودية والإمارات توقفتا عن تصدير السكر الأبيض إلى قطر. وقال الرئيس التنفيذي لشركة السكر العربية في البحرين، إيف المالات، إن الهند والدول الأوروبية كانت سريعة بملئ الشاغر وتلبية احتياجات قطر من السكر.
كذلك، تعتمد شركة المراعي للألبان في الرياض على دول الخليج بأكثر من ربع إيراداتها، على الرغم من أن حصة قطر غير معروفة، لكن خسارتها للسوق القطرية أدت سريعاً لانخفاض أسهمها إلى أدنى مستوى لها في نحو عام منذ اندلاع الأزمة في 5 حزيران/ يونيو عندما بدأت الازمة.
لوائح الخاسرين المعتمدة
ولفت تقرير “بلومبيرغ” إلى أن لائحة الخاسرين المحتملين من الحصار تضم شركة دريك آند سكل العالمية، التي تتخذ من دبي مقرًا لها، والتي فقدت أكثر من 10% من قيمتها السوقية في عام 2017، حيث أن لديها استثمارات بنحو 500 مليون درهم (136 مليون دولار) في عدد من المشاريع في دولة قطر. كما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن الشركة لديها عقد بقيمة 343 مليون درهم لبناء المرحلة الأولى من مترو الدوحة المقرر أن يكتمل بحلول عام 2020.
وكذلك الأمر بالنسبة لشركة أرابتك القابضة (ش.م.ع) التابعة للإمارات والتي تمتلك مشروعين مشتركين في قطر، ستنتظر طويلا للوصول إلى قرار قضائي بشأن القضايا القانونية والمستحقات. ويشبه حال ارابتك كثيراً وضع شركة داماك العقارية التابعة لإمارة دبي، حيث بدأت هذه الأخيرة قبل شهر واحد من اندلاع الأزمة بتنفيذ عقد بناء برج سكني فاخر مكون من 31 طابقًا في الدوحة إضافة إلى تطوير بنائين آخرين لا يقلان أهمية وقيمة مادية عن الأول وفي الدوحة أيضاً. كل هذا توقف حتى إشعار آخر وربما ستخرج هذه المشاريع نهائياً من مجال داماك لتوقع عليها خسائر مادية قد لا تتحمل تكلفتها العالية في ظل وضعها الاقتصادي الصعب أصلاً في السوق الإماراتية نفسها.
وقدر خبراء خسائر الإمارات العربية المتحدة جراء مشاركتها في حصار قطر بنحو 1.950 مليار ريال نتيجة توقف تصدير منتجاتها إلى قطر والمكونة أساسا من المنتجات الغذائية وقطاع النسيج وغيرها من المواد الاستهلاكية، مشيرين إلى أن الإمارات ستخسر ما يناهز 11 مليار ريال في إذا ما استمرت الأزمة، حيث يبلغ معدل صادرات الإمارات إلى قطر نحو 900 مليون ريال شهريا وفق الإحصاءات الصادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في قطر.
وتقدر التجارة الثنائية بين الإمارات وقطر بنحو 9 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن سوق العقارات في دبي، الذي شهد قفزة كبيرة في الاستثمارات لتصل إلى 2 مليار درهم في عام 2016، من المرجح أن يتأثر بشكل عميق جراء استمرار الأزمة.
مستثمرون واستثمارات
وارتفع عدد المستثمرين القطريين الذين دخلوا سوق العقارات في دبي في عام 2016 ليصل إلى1600 في حين يقدر عدد الزوار القطريين الذين يصلون إلى الإمارات العربية المتحدة سنويا بـ231 ألف زائر من أجل الأعمال والعطلات، ويبلغ عدد الزوار الإماراتيين إلى قطر أكثر من 117 ألف زائر.
ويبلغ حجم الاستثمارات المشتركة بين قطر والإمارات 16 مليار درهم إماراتي، بإجمالي نحو 1080 شركة إماراتية تعمل في قطر، في حين تبلغ عدد الشركات القطرية العاملة في الإمارات نحو 4200 شركة.
وأظهرت بيانات التقرير الشهري الصادر عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية، يونيو 2017، التأثير الواضح للأزمة على الصادرات الإماراتية إلى قطر. فقد شهدت تلك الصادرات سقوطا حرا فمن من معدل 900 مليون ريال شهريا نزلت إلى 492 مليون ريال في يونيو 2017، لتحتل بذلك الإمارات المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين من حيث حجم الواردات إلى السوق القطري.
وتمثل المواد المصنعة الموجهة للاستهلاك النهائي من أهم واردات قطر من الإمارات العربية خاصة تلك المتعلقة بالملابس، ومستحضرات التجميل ومواد أخرى، يليها الأغذية والحيوانات الحية، وفي ظل الأزمة الحالية تحت هذا البند تخسر الإمارات في كل يوم حصار لدولة قطر ما يقرب من 30 مليون ريال.
دبي كبش فداء
تعتبر دبي أكبر الخاسرين على الإطلاق من حصار قطر وهي بذلك تدفع ضريبة بقائها تابعة لقرارات أبوظبي غير المدروسة بشن حروب اقتصادية لا تقوم هي نفسها بدفع تكلفة خسائرها بل تجعل دبي كبش الفداء لمحرقتها.
فقد حذر الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد بيل وينترز في أغسطس / آب 2017 من أن الحصار والقيود غير المنطقية التي تفرضها دول عربية على قطر تهدد بتقويض وضع دبي باعتبارها مركزا ماليا، ما قد يزيد من صعوبة عمل دبي كمركز إقليمي شامل لعمليات الشركات الدولية في الخليج.
وأضاف وينترز، رئيس بنك ستاندرد تشارترد الذي يعتبر لسان حال شريحة واسعة من البنوك الدولية بأن كانت هناك فوائد كثيرة لبنوك العالم من خلال وجود مركز كدبي والخدمات المالية التي يقدمها، إلا أن الحصار أرخى بظلاله الكثيفة على شفافية عمل المركز وبات خطر ابتعاد البنوك العالمية عن دبي خطراً يلوح في الأفق ويتأكد يوماً بعد يوم مع امتداد إجراءات الحصار المالية ضد الدوحة.
ويضم مركز دبي المالي ما يربو على 400 شركة للخدمات المصرفية بينها 17 من أكبر البنوك العالمية، مع حوافز تتضمن إعفاءات من الضرائب لمدة 50 عاما على دخل وأرباح الشركات. لكن الأزمة الدبلوماسية مع قطر قد تجعل الأمر أكثر صعوبة على البنوك العالمية لاتخاذ دبي قاعدة لتغطية الغالبية العظمى من أنشطتها في منطقة الخليج.
صمت مريب
منذ بدء الحصار ضد قطر، لم يدل المسؤولون في دبي بأي تعليقات تلمح إلى أن الأزمة لها تأثير سلبي على أنشطة الأعمال في الإمارة. لكن الشركات التي تتعامل مع قطر واجهت اضطرابات مثل عقبات أوقات السفر واضطرارها للبحث عن موردين جدد. وقال وينترز إن ستاندرد تشارترد -وهو أحد أكبر البنوك العاملة في منطقة الشرق الأوسط- ليست لديه خطط لتغيير عملياته في الخليج، لكنه يراقب الموقف عن كثب.
يشار إلى أن ستاندرد تشارترد لديه نحو 128 موظفا في قطر حيث يقدم خدمات مصرفية للأفراد والشركات. وعين البنك البحريني عبد الله بوخوة ليرأس عملياته في قطر في مارس/آذار الماضي. ولكنه غادر حينما بدأت التوترات.
بنوك وإجراءات
من جانب آخر، دفعت الأزمة بعض البنوك من السعودية والإمارات والبحرين إلى تقليص انكشافها على قطر بسبل مختلفة من بينها تأجيل خطابات ائتمان وصفقات استثمارية. ووجه المصرف المركزي الإماراتي البنوك المحلية بوقف تعاملاتها مع عدد من الأفراد والكيانات تردد أنهم على صلة بقطر وتجميد أصولهم، إضافة إلى تطبيق إجراءات العناية الواجبة المعززة بشأن المعاملات مع ستة بنوك قطرية.
لكن هذه القرارات لم تعد بالضرر على قطر وحدها فكما أوضح وزير المالية القطري في وقت سابق من 2017 بأن الأزمة الخليجية ستولد فقط خسائر على كلا الجانبين من الدول المحاصرة وقطر وهي أشبه ما تكون بلعبة عض أصابع يبدو أن دول الحصار هي من ستصرخ أولاً فيها من الألم.
فسرعان ما بدأ بنك “فيرست أبوظبي” وبنك الإمارات دبي الوطني، بمواجهة مزيد من التباطؤ في مشاريع الأعمال القادمة من قطر. وأدى هذا الأمر إلى نتائج سلبية أضرت بالودائع والقروض، ذلك أن العملاء القطريين أو المقيمين في قطر بدأوا يسحبون الودائع من هذين المصرفين، نتيجة عدم اليقين حول القرارات الحكومية بشأن تجميد الحسابات وما إلى ذلك.
وتشمل لائحة الخاسرين أيضًا شركة دكسب إنترتينمنت التي تتخذ من دبي مقرا لها، نظرًا لكون هيئة الاستثمار القطرية ثاني أكبر مساهم فيها، حيث قالت الشركة إنها قد تواجه مزيدًا من الضغوط اذا تحركت الأمور بشكل أكبر في الاتجاه السلبي. وقد تواجه خطط التوسع في الشركة، بما في ذلك خططها في قطر، تحديات في ظل تزايد عدم الاستقرار.
كهرباء الإمارات
وضعت الإمارات بموقفها العدائي من قطر شركة دولفين للطاقة في أبوظبي تحت رحمة انقطاع الغاز القطري،وهي الشركة التي تزود الإمارات وعُمان بحوالي ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي القطري يوميا عبر خط أنابيب تحت سطح البحر يبلغ طوله 364 كيلومترا. لكن قطر ولأسباب أخلاقية بحتة لم تقم بوقف إمدادات الغاز لشركة دولفين وهي كمية الغاز التي تؤمن نحو 20% من الطاقة الكهربائية لكامل الإمارات العربية المتحدة حيث من شأن أي إغلاق محتمل لخط الأنابيب أن يتسبب فى “مشكلة شديدة” في الإمارات ، وفقا لروبين ميلز، رئيس شركة قمر للطاقة ومقرها دبي.
تقول القاعدة التاريخية بأن معظم من بدأ الحروب على كافة أنواعها تكون له اليد العليا في بدايتها حسب تقديراته التي من ضمنها الفترة الزمنية لتلك الحرب، لكن غالباً ما تكون نهاية تلك الحروب خارج سيطرة المعتدي وبعد فترة طويلة من تكبده لأشكال كثيرة من الخسائر على رأسها الهزيمة في الحرب ذاتها. وهذا بالضبط ما حدث مع دول الحصار في حربها الاقتصادية على قطر، فقد تسلقت تلك الدول شجرة الغرور لنقطة عالية يصعب معها النزول دون مساعدة الآخرين الذين على ما يبدو لن يتحرك أي منهم في وقت قريب لإنزال الرياض وأبوظبي عن تلك الشجرة، فيما تحررت الدوحة مرة واحدة وللأبد من قيود مصالح “الأشقاء” على حساب مواطنيها وبدأت تشق طريقها الاقتصادي المستقل بثقة نحو مستقبل أفضل يتيح لها فرصة ممتازة لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 بشكل واقعي.