استثمارات الدوحة في القارة البيضاء.. مقارعة الكبار بلغة الكبار

الأجيال القادمة في صدارة أولويات الدولة والحاضر لا يفسد للمستقبل قضية

جملة مشاريع عملاقة في أوروبا والولايات المتحدة تجعل من قطر لاعباً بلا بديل 

جهاز قطر للاستثمارات ذراع اقتصادية قوية تمسك بالفرص النادرة

بزنس كلاس – ميادة أبو خالد

في مسار دولة قطر على مدار الأعوام العشرين الماضية، حرصت الدوحة على توظيف الأرباح الضخمة التي حصلت عليها من بيع الغاز المسال وحوامل الطاقة إلى مختلف دول العالم، في استثمارات استراتيجية تحافظ على ثروة البلاد من خلال تشغيلها وتنميتها من أجل الأجيال القادمة. ونجحت الدوحة إلى حد بعيد بجعل رؤوس الأموال تلك ذخيرة حية ونبع أرباح دائم من خلال توظيفها في استثمارات وفعاليات اقتصادية ناجحة في مختلف مناطق العالم وبنفس الوقت في مجالات اقتصادية متنوعة بما يخدم الهدف الاستراتيجي لرؤية قطر الوطنية 2030 والقائمة بشكل أساسي على تنويع مصادر الدخل والتحول نحو اقتصاد لا يعتمد نهائياً على استخراج الغاز والنفط الأحفوري وبيعه.

وفي هذا السياق، عملت قطر بجد، وما زالت، من خلال ذراعها الاستثماري الأهم “جهاز قطر للاستثمار” على البحث عن الفرص الاستثمارية الأفضل والتي تحقق ربحية قوية على المدى الطويل في مختلف الاقتصاديات المتصدرة للمشهد الاقتصادي العالمي. لذلك كان من المنطقي أن يتوجه جزء معتبر من رأس المال القطري الجاهز للاستثمار إلى أوروبا الغربية وكبرى دولها التي تتصدر المشهد الاقتصادي العالمي مع واشنطن وبكين ومن بين تلك الدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا إضافة لألمانيا صاحب أقوى اقتصاد أوروبي وثالث أكبر اقتصاد في العالم.

وإضافة إلى ألمانيا التي تبلغ استثمارات قطر فيها نحو25 مليار دولار، تستثمر الدوحة بمشاريع عملاقة في فرنسا بنحو 30 مليار دولار وفي المملكة المتحدة بنحو 44 مليار دولار، كما تستثمر قطر في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 35 مليار دولار على أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير خلال الفترة المقبلة حتى 2022. ويؤكد الخبراء على أهمية الاستثمارات القطرية المتواجدة في كبريات الاقتصادات العالمية على غرار الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، حيث تؤكد لغة الأرقام بلوغ الاستثمارات القطرية في هذه الدول نحو 135 مليار دولار أي ما يمثل نحو 42% من استثمارات جهاز قطر للاستثمار في العالم والمقدرة بنحو 320 مليار دولار.

فرص عمل بالجملة

تشير أحدث التقديرات الى بلوغ الاستثمارات القطرية في فرنسا نحو 30 مليار دولار، حيث تُعد دولة قطر المستثمر الأول من منطقة الشرق الأوسط  في فرنسا. وتسهم الدوحة في بعض أهم الشركات الفرنسية العاملة في دولة قطر فعلى سبيل المثال لا الحصر تستحوذ قطر على نسبة 100 % من نادي باريس سان جرمان، و 100 % من عمارة الإليزيه، 85.7 % من ورويال مونسو، وتوتال 2 %، وفيوليا 5 %، ولاغاردير 16.75 % وفينشي 5.5 %.

وفي شهر يناير الماضي، قال السيد خاطر محمد الخاطر، السكرتير الأول لسفارة قطر في باريس، في حديث نقله موقع ” دي آن أي ” ، إن الاستثمارات القطرية في فرنسا تساعد على توفير نحو 60 ألف فرصة عمل ، مضيفاً بأن قطر تسعى لتنويع اقتصادها القائم على الغاز والنفط، حيث تبلغ الاستثمارات القطرية  في فرنسا وحدها لأكثر من 25 مليار يورو. ووصف الخاطر حينها استثمارات قطر في فرنسا بأنها تقوم على قاعدة الربح على الاتجاهين للفريقين معاً وبأن الاستثمارات القطرية في فرنسا ليست نوعاً من المضاربات كما يحدث في أسواق المال، بل هي عمل وشراكة حقيقية تصب في صالح الطرفين.

ولفت الخاطر إلى وجود ما يتراوح بين 15 ألفا و 20 ألف فرنسي يعملون في قطر في جميع المجالات موضحاً بأن قطر ومن خلال الخطوط الجوية  القطرية، قد  تقدمت بعدة طلبات لشراء طائرات من صنف إيرباص، ما يؤمن آلاف فرص العمل للفرنسيين من خلال استثمار كميات ضخمة من المال القطري ثمناً لتلك الطائرات والتي بدأت الدوحة باستلامها الواحدة تلو الأخرى.  كما ان شركة الستوم الفرنسية تقوم بتصنيع قطارات لفائدة شركة السكك الحديد القطرية ” الريل “، إضافة لتسجيل الدوحة على طلبية للحصل على طائرات رافال المقاتلة وهذا كله يؤدي لضخ كميات كبيرة من المال في الاقتصاد الفرنسي ما يولد مزيد من فرص العمل ونمو اقتصادي أكيد في علاقة تقوم على قاعدة رابح – رابح .

ورغم تراجع أسعار النفط والغاز، شهدت الاستثمارات القطرية في فرنسا نمواً متواصلاً، وشملت العديد من القطاعات مثل الطاقة والعقارات والفنادق والخدمات المالية والاتصالات والرياضة… فعلى سبيل المثال أدت هذه الاستثمارات، في قطاع الفنادق وحده، إلى خلق 1500 فرصة عمل مباشرة في فرنسا وآلاف فرص العمل غير المباشرة. وان استثمارات جهاز قطر للاستثمار تصل إلى 25 مليار يورو (30 مليار دولار) اي ما يوازي 11% من قيمة استثمارات الجهاز، بالإضافة إلى الاستثمارات الخاصة التي تصل إلى 10 مليارات دولار”.

 

المملكة المتحدة وجهة مفضلة

على صعيد آخر بلغت الاستثمارات القطرية في المملكة المتحدة ما يناهز 44 مليار دولار، شملت قطاعات متنوعة، حيث بلغت نسبة تملك قطر لبرج شارد 100 % وهارودز 100 % والقرية الأولمبية 100 % وبورصة لندن 20% وباركليز 7 % وسانسبيري 26 %.. وتعتبر قطر من كبار المستثمرين العقاريين في لندن من بين المشترين من الشرق الأوسط، كما تعتزم استثمار 5 مليارات جنيه إسترليني (6.29 مليار دولار) خلال السنوات الخمس القادمة في بريطانيا في عديد المجالات خاصة تلك المتعلقة بالبنية التحتية، ويقدر عددها بأكثر من 600 شركة بريطانية تعمل في قطر.

يذكر أنه في أعقاب انتهاء منتدى قطر المملكة المتحدة للأعمال والاستثمار الذي انعقد في لندن وبرمنجهام في مارس / آذار 2017، ظهرت أولى بوادر الشراكة القطرية البريطانية الجديدة في الاستثمار في البنية التحتية، حيث أعلن مطار “هيثرو” الدولي البريطاني عن ضخ استثمارات إضافية تقدر بـ 650 مليون استرليني، أي ما يقارب “804” مليون دولار، قدمتها كل من “قطر للاستثمار” وباقي حاملي أسهم المطار البريطاني الدولي، وذلك لإنشاء أول نفق يخترق جنوب لندن متجهة إلى صالات مطار “هيثرو الدولي”، إلى جانب توسيع صالة الركاب الثانية؛ كي تستوعب عددا أكبر من الطائرات والمسافرين.

وسيتم إتمام هذه الإنشاءات حتى عام 2019، مع إتمام الخروج النهائي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتعتمد الخطط الأولية للاستثمار الجديد في مطار هيثرو الدولي، على توسيع صالة الركاب الثانية، والتي حازت جائزة أفضل إدارة وإتمام الأعمال داخل المطار بشكل سلس، أما الخطوة التي تليها فهي حفر نفق يأتي من جنوب نهر التايمز وجنوب لندن مخترقا وسط لندن، إلى أن يصل إلى المحطة المركزية للمطار ، وسيكون النفق أول نفق يربط بين جنوب العاصمة البريطانية وبين مطار هيثرو مرورا بوسط لندن.

كما تعمل عدد من الشركات البريطانية في قطر ضمن الخطط الاستثمارية التي برمجتها الحكومة استعدادا للفعاليات الرياضية الكبرى التي ستحتضنها الدولة في الفترة القادمة. كما تعتبر قطر من كبار المستثمرين العقاريين في لندن، وتمثل مشترياتها نسبة 8.3% من إجمالي مشتريات العقارات الجديدة في لندن.

 

شراكة الأقوياء

بدورها تعتبر ألمانيا شريكاً مهماً بالنسبة لدولة قطر، حيث تقدر جملة الاستثمارات في هذه الدولة تقريبا بنحو 25 مليار دولار في ألمانيا ويعد الاقتصاد الألماني الأقوى على مستوى القارة الأوروبية لذلك تسعى الاستثمارات القطرية إلى تنويع محفظتها الاستثمارية في هذا الاقتصاد الذي يعد ثالث اقتصاد في العالم فعلى سبيل المثال تستثمر قطر ما نسبته 17 % في عملاق السيارات الألمانية شركة فولكس- فاجن ونحو 10 % في شركة السيارات الرياضية الفاخرة بورش.

وتشمل الاستثمارات القطرية في ألمانيا مشروعات حيوية بقطاع السيارات وتكنولوجيا المعلومات والبنوك، وأن هنالك رغبة مشتركة لتعزيز وتنمية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

ورغم الصعوبات الكبيرة التي واجهت الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، من أزمات مالية واقتصادية وتراجع لأسعار النفط، إلا أن الاستثمارات الخارجية القطرية، كانت ولا تزال علامة مضيئة تحقق نجاحاً تلو الآخر، من خلال الصفقات المدروسة التي تبرمها، والأسواق الحيوية التي تتوجه إليها، فقد باتت الاستثمارات القطرية هي الأبرز على الساحة الدولية في مختلف الأسواق، سواء في قطاعات البتروكيماويات أو العقارات والمصارف والضيافة والسياحة، أو حتى البنية التحتية.

ويؤكد الخبراء أن نجاح هذه الاستثمارات لم يأت بالصدفة، وإنما جاء من خلال دراسات مستفيضة بدءا من اختيار المكان والوقت المناسبين للقيام بالاستثمار، ومرورا بدراسة جدوى المشروعات المستهدفة، وانتهاء بالاحترافية في إدارة هذه الاستثمارات لتحقيق العوائد المطلوبة، لافتين إلى أنه وفقا لهذه المعادلة تمكنت الاستثمارات القطرية من اكتساح أبرز أسواق العالم في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي سياق متصل، تعتزم قطر التمسك بشكل دائم بمشاركاتها الاستثمارية في ألمانيا وتخطط للمزيد منها حيث قال السيد علي شريف العمادي وزير المالية في تصريح لصحيفة «هاندلز بلات» الألمانية  بأن الدوحة سوف تستثمر أكثر في ألمانيا، واصفاً الأمر بأن بلاده في حالة بحث دائمة عن فرص جديدة، لأن ألمانيا سوق جذابة بالنسبة للدوحة، على حد تعبيره. ووصف وزير المالية القطري البنوك الألمانية بأنها مؤسسات محورية، ليس فقط لأوروبا ولكن بالنسبة لدول العالم والشرق الأوسط  تحديداً.  كما أعلن العمادي عزم قطر اتخاذ خطوات قانونية ضد دول الحصار لمحاولتها التلاعب في أسواق العملة والأوراق المالية لدولة قطر وقال إن لدى الدوحة معلومات خاصة بذلك. و تعد قطر من كبار المساهمين في شركة فولكس- فاجن العملاقة للسيارات وفي شركة هاباج لويد للنقل والخدمات اللوجستية وفي دويتشه بنك، أكبر المصارف الألمانية.

 

السابق
القطاع المصرفي القطري عنوان ثابت لقوة الاقتصاد
التالي
الشيخة هنادي بنت ناصر آل ثاني تحصل على جائزة القادة المؤثرين في العالم