تحصينات حكومية مشددة وإحكام تام لخطوط الدفاع
العمالة السائبة تفتح الأقبية السوداء والإجراءات العاجلة باتت في حكم الضرورة
تنظيم دخول العمالة وفق القانون الجديد ضمانة فاعلة
نمو اقتصاد الظل يستنزف الموارد المالية
بزنس كلاس – باسل لحام
هنالك أشكال كثيرة للاقتصاد واختصاصات مختلفة، لكن في الدول النامية ودول العالم الثالث يلعب اقتصاد الظل دوراً بارزاً يجعل تجاهله أمراً يحمل كثيرا من المخاطرة بالمستقبل لا سيما على الصعيد الوطني لدولة قطر وبعد أن كثر الكلام والاتهامات حول العمالة السائبة في البلاد والإشارات من منظمات دولية لمسألة التعامل مع العمال الأجانب قانونياً لاسيما أولئك الذين يعملون في منشآت مونديال قطر 2022.
فهل يوجد في دولة قطر اقتصاد موازٍ أو ما يعرف باقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي؟ لقد أصبحت الأعمال غير الشرعية وممارسات الاحتيال المتعلقة بالأمان الاجتماعي والجريمة الاقتصادية وغيرها من أنشطة اقتصاد الظل أو ما يطلق عليه في بعض الأحيان «الاقتصاد غير الرسمي» مشكلة عالمية.
ويشكل الاقتصاد غير الرسمي في الوطن العربي، سواء في غرب آسيا أم في شمال إفريقيا، حوالى 65% من الاقتصاد الكلي، بموجب تقديرات الباحثين الأجانب عام 2014. وتظهر هذه الدراسات أن معظم هذا الاقتصاد يتركز في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فما حجم هذا الاقتصاد في السوق القطرية وما آثاره السلبية الآنية والبعيدة المدى المحتملة على مستقبل البلاد اقتصادياً واجتماعياً؟
تعطيل حركة النمو
يلعب اقتصاد الظل في دولة قطر كما في أي دولة أخرى دوراً سلبياً بارزاً في تقويض النمو الاقتصادي الحقيقي ويدخل البلاد في حالة استنزاف مستمرة وخطيرة لمواردها لا سيما المالية منها إضافة لأبعاده الاجتماعية التي لا تقل خطورتها عن البعد الاقتصادي. فاقتصاد الظل يؤدي لانتعاش التهريب وغياب الرقابة، لا سيما الحكومية، عن المنتجات كما يؤدي إلى خروج كميات ضخمة من رأس المال الموجود في السوق إلى الخارج عبر التحويلات المالية التي يقوم بها العمال غير الشرعيين وأصحاب الأعمال أو المشاريع البعيدة عن الترخيص الرسمي فلا تدخل هذه المنتجات المالية جميعاً ضمن السجلات والإحصاءات الرسمية فيما تذهب الأموال التي نتجت عنها خارج عملية التدوير الاقتصادي الناجح وبالتالي تكون نقطة استنزاف دائم للاقتصاد.
عوامل ومسببات
عادة ما يزدهر هكذا نوع من الاقتصاد في المناطق أو البلدان التي تشهد اضطرابات رئيسية كالحروب والحصار والكوارث الوطنية وفي البلدان الفقيرة حيث لا تتناسب قيمة الأجور والدخل مع الأسعار الحقيقية للمواد فتحدث فجوة اقتصادية تكون الأرض الخصبة التي ينمو فيها اقتصاد الظل. أو يمكن لهذا النوع من الاقتصاد أن يحدث في دولة غنية كما هي حال دولة قطر، حيث يندفع للعمل فيها عدد كبير جداً من العمال فتدب الفوضى في هذا المجال إذا لم يتم ضبط الأمر من الألف إلى الياء فيصبح العامل الذي دخل البلاد إما بصورة شرعية أو بعقد عمل وهمي عبئا على الاقتصاد بشكل عام، لأنه سوف يسعى للحصول على وظيفة أو عمل هو من حق العمال المسجلين والنظاميين ما يؤدي لارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من جهة، ونيل العامل غير النظامي هذا العمل لن يكون بنفس الأجر للعامل الرسمي وبالتالي لن يكون أداءه في العمل على مستوى الكفاءة المطلوبة ما يؤدي لإغراق السوق بمنتجات رديئة لا يمكن تصريفها ما يلحق ضرراً بالغاً بالإنتاج الوطني ويحرمه فرصة منافسة البضائع المستوردة أو المهربة إلى السوق المحلي وبالتالي تراجع الصناعة المحلية وما لهذه الأمر من تداعيات كارثية على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
نظام الكفالة
لعب نظام الكفالة دوراً كبيراً في قطر بخلق أجواء مناسبة لقيام نظام اقتصاد الظل ولو بشكل ليس واضحا أو كبيرا نتيجة الوضع الاقتصادي المريح في البلاد لكنه كان الباب الذي استغله عدد من سماسرة تأشيرة الدخول بكفالة إلى قطر ليغرقوا سوق العمل بعدد لا يستهان به من العمالة التي لا تتمتع بالكفاءة. ومقابل حصولهم على مبالغ مالية كبيرة نظير إدخال هذه الأعداد إلى سوق العمل بطريقة فوضوية، ساهموا بشكل غير مباشر في إلحاق الأذى بالاقتصاد القطري ولو بشكل غير واضح. فرغم توقف نشاط لجنة تنظیم مكاتب الاستقدام قبل صدور قانون إلغاء الكفالة الذي دخل حيز التنفيذ في 13 ديسمبر 2016 في قطر، فإن المراقب لاستقدام العمالة من خارج قطر سیكتشف بسھولة أن الفوضى التي كانت تسود سوق العمل حيث ترى العمال يفترشون بعض الساحات العامة في بعض مناطق الدوحة وهم بانتظار من يقدم لهم فرصة للعمل اليومي. هؤلاء مثلاً لا يدخلون نهائياً في حسابات سوق العمل ويسرقون الوظائف من أشخاص مؤهلين من المواطنين الذين يجدون أنفسهم بلا عمل.
إجراءات مشددة
وقد تصدت الحكومة والدولة القطرية لهذه الظاهرة بشكل جاد فيما يخص موضوع دخول العمالة غير الشرعية ونشاطها في السوق القطرية من خلال سماسرة ومكاتب الاستقدام وقد حرصت قطر في قانون العمل واستقدام العمال الجديد وفي المادة 4 منه تحديداً على وضع إطار واضح لتنظيم دخول العمالة إلى البلاد، حيث تنص المادة الرابعة من القانون الجديد على عدم جواز دخول العامل الجديد إلى قطر دون إبرام عقد مع الجهة المستقدمة. وهذا سوق يسهم بقطع الطريق على جانب أساسي في سوق العمل الموازي “السوق السوداء” كما في تقليل العمالة السائبة، حيث تستقدم بعض الشركات أكثر من حاجتها تحسبا لعدم كفاءة عامل لديها، ومن ثم يهرب بعض العمال خوفا من ترحيلهم، ما زاد من العمالة السائبة في البلاد. ويشدد القانون الجديد بنفس الوقت على أهمية الرقابة على مكاتب الاستقدام سواء داخل قطر أو خارجها ما يسهم في استقدام الكفاءات للمشاركة في مشروعات الدولة.
الفقر واقتصاد الظل
أظهرت نتائج المسح الإحصائي الذي أجري عامي 1988 و2000 بأن لاقتصاد الظل حصة الأسد في اقتصاديات الدول النامية تحديداً، حين تراوحت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط ما بين 35 إلى 44% لتبلغ هذه النسبة نحو 65% في الدول العربية ما بين عامي 2010 و 2016، وفي دول شرق آسيا يتراوح ما بين 21 إلى 30%، وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتراوح ما بين 14 إلى 16%.
ولقد أظهرت نتائج الدراسات التي تمت في الفترة 1998 إلى 2000 على دول متنوعة من العالم أن حجم الاقتصاد الخفي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي كان مرتفعاً في بعض الدول مثل نيجيريا، وتايلاند وبوليفيا، وروسيا، ويوغوسلافيا واليونان وإيطاليا والدول الاسكندنافية وشيلي. وكان منخفضاً في دول أخرى مثل سويسرا وأوزبكستان النمسا والولايات المتحدة الأميركية، وسلوفاكيا، وجنوب أفريقيا، وهونج كونج وسنغافورة. وهذا يظهر بوضوح أنه كلما كان الاقتصاد ضعيفاً وفيه قليل من الانضباط في الأطر والقوانين المناسبة، كلما كانت حصة سوق الظل أو اقتصاد الظل أكبر. أي أن اقتصاد الظل يزدهر كلما ارتفعت نسبة الفقر في بلد ما وما ينتج عن الفقر من فساد إداري وفوضى في السوق المعنية.
اقتصاد الظل ومعدلات النمو
وقد أثبتت الدراسات أن معدلات نمو اقتصاد الظل تكون أعلى في الدول النامية عنها في الدول المتقدمة، وذلك نتيجة أسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
النظام السياسي حالة الاستقرار السياسية في بلد ما. فعندما يكون في بلد ما نظام سياسي غير عادل، فهو بالضرورة سوف ينتج نظاماً اقتصادياً غير عادل ومليء بالثغرات التي تقونن عملية الفساد وتفسح المجال لوجود اقتصاد الظل نتيجة الحالة الاقتصادية “الخاصة” التي تفرضها على الناس.
يؤسس عادة النظام السياسي غير العادل في أي بلد لحالة من الفساد المالي والإداري وهو بدون شك يؤدي إلى ازدياد وتفاقم مشكلات الاقتصاد بكافة أشكاله وبالتالي استبداله باقتصاد ظل جديد.
البطالة المقنعة: يؤدي وجود البطالة المقنعة كذلك إلى ظهور مثل هذا النوع من الاقتصاد، حيث إن وجود البطالة المقنعة يخلق لدى العاملين شعوراً بضعف طاقاتهم وإنتاجيتهم فيدفعهم ذلك إلى البحث عن فرص أخرى.
ارتفاع نسبة مساهمة الأفراد في الضمان والتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد قد يدفع معظمهم إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية.
النظام الضريبي: تدفع الأنظمة الضريبية غير العادلة الأفراد والمنشآت إلى البحث عن الحيل والطرق التي تمكنهم من التهرب من الضرائب وتزوير الحسابات، أي أنها تقودهم إلى الاقتصاد الخفي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حيث إن النظام الضريبي يجب أن يتسم بمبادئ العدالة والشمول والمساواة والتوازن، وأن فقدان أي من هذه المبادئ قد يقود بالفعل إلى ظهور مثل هذا النوع من الاقتصاد.
لقد حاربت قطر على أكثر من جبهة في ظل وضع اقتصادي حرج نتيجة الحصار الذي حاولت بعض الدول العربية والخليجية فرضه عليها منذ الخامس من يونيو / حزيران 2017، لكن أهم ما عملت عليه في مجال تحصين وضعها الاقتصادي الصحي الداخلي كان بجملة القوانين والتشريعات التي أسست لنظام اقتصادي شفاف لا يوجد فيه عيوب كبيرة يمكن أن تؤدي إلى قيام اقتصاد ظل في قطر باعتبار هذا النوع من الاقتصاد يأتي كانعكاس لتخلف المجتمع الذي يزدهر فيه لما فيه من إهدار للموارد المادية والبشرية وسوء استغلالها، ما يؤدي إلى تفاقم معدلات البطالة ولجوء الأفراد إلى ممارسة أنشطة اقتصادية خفية غير سوية، بسبب غياب الأنظمة الاقتصادية العادلة والسليمة التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة واحتياجات المجتمع الأساسية، لا المصالح الخاصة والربح السريع الناتج عن عمليات تجارية واقتصادية غير مشروعة ولا تتناسب مع احتياجات الأفراد والدول والمؤسسات.