عواصم – وكالات – بزنس كلاس:
في إطار التغيير العميق الذي تحدثه الأزمة الخليجية المفتعلة من قبل دول الحصار، بدأت خريطة جيوسياسية جديدة تتشكل بالمنطقة، حيث سلّط الكاتب الأميركي جيروجيو كافيرو الضوءَ على العلاقة المتينة التي تجمع سلطنة عُمان بدولة قطر، وقال إن السلطنة لعبت دوراً محورياً في تمكين قطر من مواصلة تجارتها مع العالم الخارجي رغم حصار السعودية والإمارات.
وأضاف كافيرو، في تحليله على موقع لوبلوج الأميركي، أن عُمان وقفت إلى جانب قطر في أزمتها خلال الشهور الماضية؛ لأن لديها مخاوف من أن دول الحصار يمكن أن تستهدفها هي أيضاً؛ إذ تسعى عُمان للترويج لمجلس تعاون خليجي يمكن فيه لجميع الأعضاء ممارسة حقوقهم السيادية بحُرّية من حيث السياسات المحلية والداخلية.
وأوضح الكاتب أن الإمارات والسعودية سبق لهما أن ضغطا على مسقط لقطع علاقاتها مع إيران؛ فعلى سبيل المثال، قام الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة كل دول الخليج لكنه استثنى عُمان من هذه الزيارة، مشيراً إلى أن القيادة في مسقط تخشى أن السياسية الخارجية التي تنتهجها الرياض والقائمة على مبدأ «معنا أو ضدنا» يمكن أن تعقّد الاستقرار الإقليمي، خاصة مع توقعات بأن يصير الأمير محمد بن سلمان ملكاً قادماً للسعودية.
ويشرح الكاتب مدى أهمية مجلس التعاون الخليجي لسلطان عُمان، فهو الحاكم الوحيد من بين حكام الخليج الحاليين الذي كان حاضراً إبان تأسيس المجلس عام 1981 في أبوظبي.
وبصفتها عضواً مؤسِّساً في الاتحاد، تُراقب عُمان تطوّر الأزمة الخليجية بالقرب من أراضيها، بشكل يمكن أن يهدّد للأبد الهوية الخليجية والنسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي قضى زعماء الاتحاد الـ 36 عاماً الماضية في تعزيز تلك المبادئ، ومن ثم تريد عُمان حلاً دبلوماسياً للأزمة قبل أن تُدمَّر الهوية الخليجية.
ويقول الكاتب: «إن السعودية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت هي العضو المهيمن على دول مجلس التعاون، لكن هذا الأمر تحول مع التغيرات السياسية والجيوسياسة، خاصة مع انتهاج دول مثل قطر سياسة خارجية مستقلة بعيدة عن النفوذ السعودي في كثير من القضايا الإقليمية».
وتابع: «إن السؤال المحوري في أزمة الخليج الآن يتعلق بقدرة مجلس التعاون الخليجي أن يكون منصة لدول مختلفة ذات سياسات خارجية متباينة، بما في ذلك السياسات التي تخالف وجهة نظر السعودية».
ولفت الكاتب إلى أن عُمان وقطر يشاركان وجهة نظر واحدة، وهي أن مجلس التعاون يجب أن يكون له الحق في التعاطي باستقلال مع قضاياها ومصالحها.
كذلك فإن وضع عُمان الخاص في الخليج ومقاومة السلطنة للضغوط السعودية الإماراتية لاتباع نهجهما في ما يتعلق بسياسات المنطقة، سيجعل من التعاون العُماني – القطري أمراً مستمراً.
يقول الكاتب: «هذه السياسة العُمانية ستجعل الولايات المتحدة وباقي دول الخليج تدرك أن نهج عُمان المتوازن هو السبيل الوحيد المتبقي لإيجاد تسوية للقضية الخليجية».
وأضاف الكاتب أن الأزمة الخليجية أطرافها الرئيسية الإمارات والسعودية والبحرين، لكن عُمان ظلت دولة محايدة في الأزمة، ودعت الأطراف إلى التفاوض لإيجاد حل، وفي الوقت ذاته فإنها دعمت جهود الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت.
وتابع الكاتب أن سلطنة عُمان ظلت لعقود دولة محايدة خلال الأزمات الإقليمية ورفضت الوقوف إلى جانب أي طرف في صراعات حدثت، فمنذ الحرب العراقية الإيرانية، انتهجت مسقط سياسة خارجية جعلت منها جسراً دبلوماسياً بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلفائهم الغربيين.
ويشير الكاتب إلى أن الجمود الحالي في الأزمة الخليجية بين دول الحصار وقطر يمثل معضلة جيوسياسية لعُمان التي سيتعيّن عليها إيجاد حل للتعامل مع مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي، الذي لمسقط مصلحة كبير في إبقائه موحداً. فبالنسبة لعُمان، يُعدّ الحفاظ على التحالفات القائمة مع باقي دول الخليج أمراً محورياً؛ لذلك حرصت السلطنة على أن لا يُنظر إليها باعتبارها تُحابي طرفاً على آخر.
لكن ذلك لا ينكر الدور المحوري الذي لعبته المؤانئ العُمانية في ربط الاقتصاد القطري ببقية اقتصادات العالم خلال الحصار؛ إذ اضطرت الدوحة إلى إعادة هيكلة طرق صادراتها ووارداتها لتجنّب المرور في موانئ دول الحصار، وهو ما أفاد الموانئ العُمانية.
وشدّد الكاتب في تحليله على هذه النقطة، فقال إنه بعد ستة أيام فقط من الحصار السعودي الإماراتي، فتحت عُمان وقطر خطي شحن جديدين يربطان بين ميناء حمد وميناءي صلالة وصُحار، ما أبطل فعلياً عمل الحصار البحري وأعطى متنفساً لقطر.
وكانت الواردات القطرية تمر بميناء جبل علي في دبي، لكن ومنذ الحصار زادت أحجام الشحن بين عُمان وقطر بنسبة 30 %.
ويختم الكاتب: «إن عُمان لم تفكر يوماً بالانضمام لدول الحصار، فرغم وجود بعض اختلافات في وجهات النظر بين الدوحة ومسقط، إلا أن سلطنة عُمان ترفض الإجراءات التي اتخذتها دول الحصار ضد الدوحة؛ لأن أعمدة السياسية الخارجية القطرية ترتكز على الحوار والتسامح، وليس عن طريق القسر».