لم يكن شكل نوافذ الطائرات الدائري أو البيضاوي الذي نألفه دائماً كذلك، وربما يجهل كثيرون أن وراء تغيير شكل النوافذ من المربع الذي ظل هكذا حتى أواخر الخمسينات إلى ما نعرفه الآن حوادث كارثية.
في عام 1949؛ الذي شهد انطلاقة في اعتماد البشر للطائرات كوسيلة شائعة للتنقل؛ كانت هناك طائرة تصنعها شركة طيران تحمل اسم De Havilland Comet، وهي أول طائرة ركاب تجارية في العالم مجهزة بنوافذ مربعة، وكانت الأكثر عصرية بمقصورتها المضغوطة، وقدرتها على التحليق أعلى من الطائرات الأخرى، وسرعتها المتفوقة كذلك.
في بادئ الأمر، فاقت الطائرة المصنعة في مدينة هارتفورد شاير في بريطانيا كل التوقعات، إذ حملت على متنها 30000 راكب خلال السنة الأولى من تشغيلها، بما في ذلك الملكة إليزابيث، والملكة الأم والأميرة مارجريت، وضيوف رحلة خاصة عام 1953 في ضيافة السير جيوفري والليدي دي هافيلاند.
وقد أتاح محرك الطائرة كوميت التحليق على ارتفاع أعلى من منافسيها، بما يزيد عن 30000 قدم، وزيادة سرعتها بما يزيد عن 50% بنفس كفاءة تفاديها للطقس السيئ.
وبحلول صيف عام 1953، كانت تغادر لندن ثماني طائرات كوميت كل أسبوع، متجهة إلى جوهانسبرغ، وطوكيو، وسنغافورة، وكولومبو.
وكانت شركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار “BOAC” العميل الرئيسي، في حين كانت شركات طيران مثل الخطوط الجوية الهندية، وشركة بانام للطيران، والخطوط الجوية اليابانية من عملائها الدائمين.
حتى جاء عام 1954 الذي وقعت فيه حادثتان مميتتان على متن الطائرة المذكورة، أولاهما رحلة رقم 781 التي أقلعت من روما، والرحلة رقم 201 المتجهة إلى جوهانسبرغ-تسببا في مقتل 56 شخصاً، وكانت تلك الحوادث نتيجة لنقاط ضعف هيكلية في جسم الطائرة، نتجت عن ضغوط خطيرة على زوايا النوافذ المربعة.
أي أنه قد تعرَّضت الزوايا الحادة المحيطة بالمعدن إلى مقدار من الضغط أكبر بمرتين إلى ثلاث مرات من أي مكان آخر في مقصورة الطائرة.
سلط حجم التساؤلات حول تلك الحوادث الضوءَ على عدم صمود المعدن كسبب رئيسي في تحطم جسم الطائرة، ما دفع دي هافيلاند لتعديل تصميم طائراتها الأحدث، وذلك من خلال تضمين النوافذ البيضاوية مخففة الضغط التي نراها حالياً. بالإضافة إلى زيادة الشركة من سماكة جدران جسم الطائرة كوميت.
الجدير بالذكر أن طائرة كوميت لم تسترد شعبيتها مطلقاً، ما أدى إلى سحب الطائرة من الخدمة لعدة سنوات، فضلاً عن إلغاء العديد من طلبات الشراء.
وفي غضون ذلك، استوعب الصناع المنافسين تلك الدروس، و”سرقوا” ما أحرزته شركة De Havilland من تقدم، حسب تقرير عن الطائرة نشره موقع صحيفة The Telegraph البريطانية.
ويقول توني فاير براوزر، مهندس الرحلة الجوية الأولى: “لا أظن أنني أبالغ عندما أقول إن العالم قد تغيَّر منذ اللحظة الأولى لإقلاع طائرة كوميت”.
ولا تزال طائرة كوميت تُعد واحدة من أكثر الطائرات المغامرة في تاريخ الطيران، وهي التي مهدت الطريق لـ”بوينغ”.
ولا بد من ذكر أن عام 1997 شهد قيام آخر رحلة جوية من طراز الطائرات هذه، وذلك بعد إجراء تغييرات على النموذج الأصلي، بينما تعرض طائرة كوميت 1 الوحيدة المتبقية في متحف كوسفورد لسلاح الجو الملكي RAF، كما توقفت شركة هافيلاند عن إنتاج الطائرات تماماً عام 1964.