
في الوقت الذي تتميز فيه مدينة الرياض في السعودية بأرضيها الصحراوية الخالية من العيون والآبار ومجاري الأنهار، يخفى على الكثير بأن هذه الأرض تحوي كهفاً كانت المياه تصب منه طيلة أيام السنة، مرتبطة بأحد عيون مدينة الأحساء، كما تعيش فيه قطعان من القردة، التي لا تتواجد في هذه المنطقة إلا بمواقع في الطائف والباحة وعسير .
ويسمى هذا الكهف “عين هيت” أو دحل هيت، ويقع على بعد حوالى 35 كيلو متراً جنوب العاصمة الرياض على الطريق المتجه للخرج.
ويبعد عن محافظة الخرج قرابة 40 كيلومتراً تقريباً، فيما يعود عمره لآلاف السنين، وهو عبارة عن مضرب نجم في الأرض يصل عمقه إلى 390 متراً داخل التجويف الصخري.
معالم غريبة
إلا أن هذا الكهف بمعالمه الغريبة يختلف عن بقية الكهوف الموجودة في السعودية، والتي تكون عادة ما تتكون نتيجة ذوبان الصخور أو رضمة جيرية من حيث التركيب الصخري، أما “هيت” فهو مكون من صخور الأنهيدريت، نتيجة لإذابة صخور الأنهيدريت بالمياه الجوفية تكون هذا الدحل.
تسمية الكهف
وتمت تسميته في عام 1937 من قبل العالم الجيولوجي الأميركي “Max Steineke” باسم عين هيت حيث يظهر المكتشف الصخري، وبعد ذلك بعام دعا مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز عدداً من الجيولوجيين الأوائل لشركة أرامكو، من أجل دراسة وتوثيق ما يحويه المكان.
عين هيت
“هافينغتون بوست عربي” التقى بعمدة مركز هيت منصور محمد العجمي، والذي أوضح بأن “عين هيت” الموجودة في الكهف، تعتبر من العيون الجارية في نجد في العصور القديمة، حيث كان مستوى المياه يصل إلى الحافة العلوية، إذ كانت القوافل تتزود بالمياه منه، ولكنه الآن انخفض بما يزيد عن أكثر من 100 متر.
ويقول العجمي: “عندما زرنا هذا الدحل (المغارة) قبل أكثر من عشرين عاماً كان مستوى المياه منخفضاً في حدود 20 متراً من مدخل الدحل”.
مياه صافية
وذكر العجمي أن المياه الموجودة في هيت كانت صافية، وموزعة على ثلاث حجرات، وقد قام عدد من الغطاسين في سنوات مختلفة بالغوص داخل الكهف بدأً من حافة العين التي تقع على مسافة 120 متراً تحت السطح وذلك باستخدام أجهزة التنفس، وقاموا باستكشاف الممرات المغمورة بالمياه ورسم خرائط لها.
وبالحديث عن عمر هيت، يقول العجمي: “يعد الموقع قديماً جداً، حياً لم يعرف له تاريخ محدد، لا من الرواة ولا من كتب التاريخ، وهذا يدل على أنه قديم جداً وقد يصل عمره إلى آلاف السنين”.
إثر سقوط نيزك
وتعددت الروايات في كتب التاريخ حول إذا ما كان هيت تشكل إثر سقوط نيزك، وذهب البعض إلى الاعتقاد بأنه مرتبط بأحد عيون الأحساء.
وتعليقاً على ذلك أوضح العجمي، أن النيزك أثره في الأرض يكون نزولاً للعمق وهذا غير وارد في شكل هيت الواضح أنه متنفس ماء، وذلك لكثرة المياه فيه، كما أنه يختلف عن أشكال الكهوف التي في الصمان، وهي هضبة مستطيلة تقع في شرق شبه الجزيرة العربية، “والتي هي فعلاً آثار النيازك كما يرى بعض العلماء المتخصصين”.
وعن ارتباطه بأحد عيون الأحساء، يرى العجمي بأن ذلك قد يكون صحيحاً، مستشهداً بقصة من البادية، حيث كان يقال “إن عدداً من أهل نجد زاروا هيت وسقط لهم في العين إناء معدني وبعد فترة كانوا في (حويره)، وهي عين في الأحساء ووجدوا الإناء هناك”.
ضحايا هيت
وكشف العجمي بأن تشكل هيت وغرابته جعل العديد من السياح والعلماء يتوافدون إلى المنطقة منذ سنوات، حيث كان آخرهم فرنسيين دخلا إلى عمق 2 كلم داخل الكهف، لكنهما غرقا وتوفي أحدهما وخرج الآخر في حالة ذهول من كبر وشكل هيت، وذلك بعد أن قضى الدفاع المدني ساعات لإنقاذهما.
وفي عهد الملك سعود وضعت آلات ضخ كبيرة للاستفادة من المياه، إلا أن الأحجار الكبيرة التي تساقطت عليها من الجبال عطلتها، ولهذا يصعب وضع الغطاسات على هيت، وإذا وضعت فإنها عرضة للعطل في أية لحظة بسبب الصخور أعلى الجبل.
وجود القردة
ومن معالم هذا الكهف هو وجود القردة فيه، والتي كان أول ظهور لها في عام 1979.
ويقول العجمي “رأينا زوجاً من القردة كان الذكر في رقبته قلادة، ولا نعلم من أين أتت، ثم زادت أعدادها حتى أصبحت قرابة العشرين في عام 1987، مما دعانا لإبلاغ الجهات الرسمية التي أتت وقامت بإجراء دراسة لها لمحاولة تقليل أعدادها، ولكن أمر القردة استمر عشرات السنين حتى ازدادت أعدادها وتجاوزت المائة وأكثر من ذلك”.
وأشار إلى أن هذه القردة تعيش على نفايات المركز وعلى ما تحصل عليه من المزارع.
إهمال هيئة السياحة والآثار
وبالرغم من أن كهف هيت يعد من المواقع الأثرية الغريبة في السعودية، إلا أن هيئة السياحة والآثار لم تعط المكان اهتماماً كبيراً.
ويقول العجمي: “عين هيت تشبه إلى حد ما المغارات الواقعة في لبنان مثل جعيتا والزحلان، إلا أنه لم يتم الاستفادة منها، وتوظيفها في السياحة وجذب السياح، رغم أنها تعتبر معلماً سياحياً فيها من التكوين الجغرافي بعض الغرابة، لذلك كان السياح الأجانب يفدون إليها بكثرة، بمعدل كل أسبوعين تأتي مجموعة تقضي بعض الوقت في المنطقة”.
إلا أنه في السنوات الأخيرة وبسبب الإهمال ووعورة الطرق المؤدية إلى عين هيت، خفت أعداد الزائرين، وما زاد الأمر سوءاً حينما أصبح المكان المؤدي مقراً لاحتجاز الشاحنات الكبيرة حتى الساعة العاشرة ليلاً.
ويتمنى العجمي من هيئة الترفيه أن تنظر للمنطقة، حيث أنها قابلة لإقامة الحدائق بمساحات كبيرة وشاسعة فيها، عوضاً عن الجبال الخلابة المحيطة بها.