أنقرة – عواصم – وكالات:
مع مرور الذكرى السنوية للانقلاب الفاشل في تركيا، كشف الصحافي التركي محمد أجيت في مقال نشره استند فيه إلى تصريحات رسمية وغير رسمية لمسؤولين أتراك أن هناك دولة عربية مولت محاولة الانقلاب في تركيا العام الماضي.
وقال أجيد إنه اعتمد في ما نشره على تصريحات لمصادر استخبارتية تركية عن أن الإمارات هي من مولت محاولة الانقلاب، لافتا إلى أن محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي اتصل بالرئيس التركي أردوغان، بعد أحداث “غيزي” خلال زيارة خارجية مؤكدًا له أن الإمارات يمكنها استضافته إذا أراد الخروج من تركيا.
تحول العلاقات التركية مع الخارج البعيد والقريب كان ضخماً. لكن التحوّل الأبرز هو ذلك الذي طرأ على العلاقات التركية العربية، خصوصاً بعدما تأكد وجود أصابع عربية في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. وبينما يبدو دور الغرب و”حلف شمال الأطلسي” اعتيادياً في تاريخ الانقلابات التركية، كان دعم المحور الإماراتي-المصري، بالتعاون مع بعض الأجنحة في السعودية، هو الأبرز، وبالذات تدخل دولة بحجم الإمارات في شؤون دولة كبيرة مثل تركيا وعضو في “الحلف الأطلسي”. وعلى الرغم من ذلك، استمرت أنقرة بسياسة عدم التصعيد.
وسارعت قطر لدعم الحكومة التركية بكل السبل المتاحة لها، وذلك بينما كانت الإمارات وبعض الأجنحة السعودية منْ أهم الداعمين للانقلابيين على مختلف المستويات. وهذا الدعم كان ربما بمثابة الحلقة قبل الأخيرة في المخطط الإماراتي لضرب ثورات الربيع العربي التي بدأت مع دعم الانقلاب المصري عام 2013.
وتبيّن الدور الإماراتي لاحقاً، وبشكل أوضح بعد أزمة حصار قطر، من خلال التسريبات عن البريد الإلكتروني، للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، والتي أظهرت علاقات أبوظبي الواسعة باللوبيات الصهيونية ومراكز الأبحاث التابعة للمحافظين الجدد، مثل “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” التي يمولها رجل الأعمال، شيلدون أدلسون، أحد حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وبحسب التسريبات، فإن العتيبة راسل كبير المستشارين في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، جون هانا، وأحد مستشاري نائب الرئيس الأميركي الأسبق، ديك تشيني، ليؤكد على الدور الذي لعبته أبوظبي و”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في المحاولة الانقلابية في تركيا. وبينما أكد العتيبة لهانا مدى فخره لأن تلك المؤسسة شريك للإمارات، كان هانا قد نشر مقالاً، قبيل شهر من المحاولة الانقلابية، في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، بعنوان “كيف تحل المشاكل على طريقة أردوغان”، مقترحاً ضرورة القيام بانقلاب عسكري في تركيا من أجل “حمايتها”، وفق تعبيره.
أما عن حجم الأموال التي دفعتها أبوظبي لدعم الانقلاب، فقد أكد الصحافي التركي، مدير مكتب “قناة 7” الموالية للحكومة التركية، محمد أجت، في عموده في جريدة “يني شفق” التركية، منتصف الشهر الماضي، أن الإمارات دفعت 3 مليارات دولار لحركة “الخدمة” لدعم المحاولة الانقلابية، عبر مستشار ولي العهد الإماراتي، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وهو ما لم تنفه حكومة أبو ظبي. ونسب الصحافي التركي أرقامه إلى تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قبل ستة أشهر، خلال جلسة حوارية في مدينة إسطنبول، قائلاً: “نحن نعلم بأنه يوجد دولة قدمت 3 مليارات دولار لدعم المحاولة الانقلابية ضد الحكومة التركية بشكل غير شرعي، وهذه الدولة هي دولة إسلامية”. ثم أصبح الأمر علنياً اليوم، تحديداً منذ بدء حصار قطر، حين قال أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلدريم، مراراً، إن تركيا “لم تنسَ” من دعم شعبها وحكومتها ومن دعم الانقلابيين من دول وحكومات عربية.
عدم ثقة بواشنطن والغرب عموماً
كان للموقف الأميركي المبهم في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والموقف الأوروبي الغامض من المحاولة الانقلابية أثرٌ كبيرٌ في الشكوك التي انتابت الحكومة التركية إزاء الدور الذي أدّته الدوائر الغربية في محاولة الانقلاب، انطلاقاً من قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا. وقد تجنبت واشنطن إبداء أي إدانة للمحاولة الانقلابية إلى أنْ تبيّن فشلها، لتليها المواقف التي ركزت على حماية المشاركين في تنفيذ الانقلاب لاعتبارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أكثر من تقديم الدعم للحكومة الشرعية أو إدانة الانقلابيين.
وتجلى الدعم الغربي للانقلاب في الأشهر اللاحقة، بمماطلة ورفض واشنطن تسليم زعيم حركة “الخدمة”، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا بأميركا منذ عام 1999، وكذلك في الامتناع عن تسليم أي من الضباط أو أنصار حركة “الخدمة” من الذين وجدوا طريقهم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وصولاً لضغط كبير من برلين على أثينا لمنعها من تسليم ثمانية عسكريين شاركوا بشكل مباشر في المحاولة الانقلابية وفروا إلى الاراضي اليونانية باستخدام حوامة تابعة للجيش التركي.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، مدح، خلال زيارته الأسبوع الماضي، إلى أنقرة، شجاعة الشعب التركي في حماية الديمقراطية في وجه المحاولة الانقلابية، إلا أنه لم يتردد في الإشارة إلى عمل الجانبين لتجاوز حالة انعدام الثقة بين الحليفين، بالقول “أعتقد أننا نبدأ بإعادة بناء بعض الثقة التي فقدها كل من الجانبين ببعضهما، لقد خسروا ثقتنا إلى حد ما، وخسرنا ثقتهم”، وفق تعبيره.