غالباً ما تقترن صورة عارضي الازياء بعنصري الجمال والشباب الدائم، فضلاً عن ابرازها دوماً حياة الرفاه. هذه الصورة النمطية طبعت عالم الاعلانات الذي يدأب على مخاطبة المتسهلك، عبر اللعب على هذه العناصر النفسية.
لكن إزاء هذه الواقع، بدأت تبرز موجة جديدة ومختلفة، حتى بات بالامكان الحديث عن “موضة” او “تقليعة” جديدة تحكم عالم العارضين أنفسهم. إذ إنه انطلاقاً من السنوات الاخيرة، أخذت الشركات العالمية ودور الازياء المرموقة تنتقل الى نمط مختلف من “الجمال” الكلاسيكي لمخاطبة الرجل. فبرز نجوم في عرض الازياء، منهم ديفيد غاندي: ما من بشرة بيضاء ناصعة وشعر أشقر ذهبي، بل رجل أسمر صاحب عينين زرقاوين مسيّجتين ببعض التجاعيد، فيما يكسو رأسه شعر كثيف وداكن. باختصار، يتمتع هذا العارض الاكثر شهرة حالياً، بنوع مختلف من الجمال، يحاكي بأسلوبه الرجل الشرقي.
في موازاة هذه الصورة، وبحثاً عن عارض أزياء “مختلف”، انطلقت كذلك موجة جديدة، تروّج لمفهوم “الذئاب الفضية” أي عارضي الازياء الذين أتموا الخمسين، أصحاب الشعر الرمادي وكل تلك الملامح التي تنضح بالكثير من الرجولة والجاذبية والعنصر الذكوري. وما جعل هذه الموجة تلقى رواجاً هائلاً، هي وسائل التواصل الاجتماعية التي وفرت ملايين المتتبعين من كل انحاء العالم.
في هذا التقرير، نعرض لكم عدداً من التجارب الناجحة لرجال تمكنوا من كسر المعايير الصارمة لصناعة الموضة وتحقيق شهرة لا مثيل لها، ليثبتوا ان الاناقة وعرض الازياء لا تحدّهما سنوات.
وانغ ديشون: الوقت ليس متأخراً للنجاح
أتتذكرون عارض الازياء الثمانيني الذي اكتسح بجاذبيته المجلات العالمية وتصدر الأخبار خلال أسبوع الموضة في الصين؟ حتى أنه تحوّل هو بنفسه الخبر، بدلاً من الحدث العالمي. لا بل إن هذا الرجل الذي يدعى وانغ ديشون تحوّل مصدر إلهام للملايين. إذ اثبت بمروره على المنصّة ان مهنة عرض الازياء ليست حكراً على العشرينيين او الثلاثينيين، وأن هذه المهنة لا يمكن ان تبقى أسيرة معايير جامدة.
آنذاك، نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية تقريراً عن ديشون الذي خطف الأضواء من العارضين الأصغر سنًا. فقد حمل أعوامه الثمانين الى المنصّة ومشى بخطوات واثقة، والزمن قد جمّل ملامحه ونفخ فيه الكثير من الجمال “الخام”. وقال في إحدى مقابلاته إن جسمه الممشوق وعضلاته المفتولة، لم تكن بارزة منذ البداية، ذلك انه لم يمارس الرياضة، إلا عندما بلغ عامه الخمسين.
كذلك، شارك هذا الجد، الأكثر شهرة حاليا، في كثير من الأفلام المعروفة، مثل «The Forbidden Kingdom» لكنه لم يستقطب الاضواء إلا بعدما سار للمرة الاولى في حياته على أحد ممرات عرض الأزياء. ويؤكد باستمرار ان “اليأس ممنوع حتى عندالتقدم في السن، إذ إنه ما من وقت متأخر لبلوغ النجاح”.
أليساندرو مانفريديني: الذئب الفضي
يلقب هذا الرجل الخمسيني بذئب ايطاليا الفضّي؛ وقد اكتسب شهرة واسعة على شبكات التواصل في فترة وجيزة، حين عمد الى اطلاق لحيته الكثّة والامتناع عن قص شعره الفضي، بسبب حزنه على من فارقوا الحياة خلال الزلزال الذي ضرب منطقة إميليا رومانيا الايطالية حيث يقطن.
هذا المظهر الجديد، أبرز جاذبيته ومنحه ملايين المتابعين عندما عمد الى نشر صوره على فيس بوك وانستاغرام. بين ليلة وضحاها، تحوّل هذا النحات ومصمّم الغرافيك، الى عارض أزياء جذاب وملهم للملايين، بعدما سارعت دور الازياء للاتصال به. فأثبت أنه ما من مهنة ممنوعة على من يتقدمون في السن، متى اجتمعت الموهبة بالشغف.
في الاساس، كان أليساندرو نحاتاً متيّماً بحياة الريف، وهذا ما دفعه لشراء منزل تحيط به مزرعة، لكن المأساة التي وقعت هنا “زلزلت” حياته بالمعنى الايجابي، فهو لم ينجُ من الكارثة الطبيعية فحسب، بل حوّل الكابوس حلماً.
إريك راثرفورد: أهلاً بالتجاعيد والشعر الابيض
يتشبّث إريك راثرفورد بشعره الرمادي، وبالتجاعيد التي تزنّر عينيه. يرى عارض الازياء الخمسيني الجذاب، في هذه العلامات، نمطاً جديداً من الجمال الذي يبرُز مع التقدم في السن. لا يتوانى عن القول بصراحة في إحدى مقابلاته: “قد تبدو صبغات الشعر الرجالية جميلة على الرفوف، لكن هل فكرتم في كيف سيصبح لون الشعر المصبوع حين يَبهُت تحت أشعة الشمس؟ هل فكرتم في المظهر الذي ستحصلون عليه مع شعر خالٍ من الشيب، فيما الملامح بدأت تتجعد؟ لا أحب هذا التناقض. فإما أن نكون متصالحين مع السنوات التي تتقدم بنا، وإما أن نستمرّ في سعينا المتعب للبقاء يافعين، مثل شخصية “بيتر بان” الكرتونية”.
يشكل إريك راثرفورد اثباتاً حياً على ان صناعة الموضة في نيويورك مثلاً، آخذة في التبدل. المعايير التي تحكم عالم الرجال، تتغير. هذا ليس اثباتاً الا لوعي الشركات العالمية لضرورة مخاطبة المستهلك بلغته. ففي نهاية المطاف، من ينفقون الاموال على السلع الفاخرة، لا تقل أعمارهم عن الاربعين او الخمسين. لذلك، ما من عجب في ان يتحول الرمادي مرادفاً للاناقة المطلقة.
مارك راي: عارض الأزياء والمصور المتشرد
عاش متشرداً طوال 6 سنوات، رغم اتمامه دراسته، ونيله اجازة من جامعة تشارلستون وعمله في مجال تصوير اهم المشاهير. تحلّى بموهبة متّقدة، ومع ذلك وجد نفسه بلا مأوى بسبب غلاء المعيشة في نيويورك، إذ إن ما كان يجنيه لم يكن يسمح له باستئجار غرفة.
بعدما طاف أعواماً في اوروبا، يعمل في عرض الازياء، عاد الى نيويورك أواخر التسعينات ليهتم بوالده. شاء القدر ان يرحل الوالد عن هذه الدنيا. أما هو فوجد نفسه بلا مأوى، بعدما تأزمت اوضاعه المادية، خصوصا انه كان يكبر وبات العمل في مجال عرض الازياء صعباً عليه. فقرر التوجه نحو التصوير الفوتوغرافي في مجال الازياء. عوض الادخار لتسديد إيجار شقة، كان مارك يجدد اشتراكه في قاعة للرياضة مقابل 70 دولاراً شهرياً، ليحصل في المقابل على غرفة للاستحمام وغسل ملابسه وكيّها وتجفيفها بمجفف اليدين.
أمضى مارك 6 سنوات على هذه الحال: حالما يستيقظ، يتوجه إلى قاعة الرياضة للاهتمام بهندامه قبل التوجه إلى الشوارع لتصوير أسبوع الموضة وعروض الأزياء. شكله اللائق كان يكسبه احترام العامة والعاملين في هذا المجال ولم يكن أحد يعرف أنه مشرّد. شاء القدر ان تتغير أهواء الموضة، ليصبح الشعر الرمادي مطلوباً في هذا المجال، فيتسنّى له العودة الى الميدان من بابه العريض.
غييرمو زاباتا: شبيه كلوني يكتسح المجلات
اختصر عارض الازياء الارجنيتيني غييرمو زاباتا الطريق على نفسه، بفضل شبهه الكبير بالممثل جورج كلوني. وسامته بالشعر الرمادي اكتسبت رواجاً وشهرة كبيرين عالمياً، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى ان متتبّعيه يقولون على سبيل المزاح انه فائز بجائزة اوسكار.
في كل اطلالة له، ينجح زاباتا في ابراز صورة الرجل الوسيم، الزوج والاب على السواء، كيف لا وهو متزوج وأب لابنتين.
ويل ويليتس: الأوان لا يفت ابداً
لا يؤمن عارض الازياء الخمسيني الوسيم بمقولة “ألا ليت الشباب يعود يوماً”. فهو لم يتردّد في خوض عرض الازياء، عندما راقته الفكرة، وقد أتم اعوامه الخمسين. في فترة وجيزة، تمكن من تحقيق شهرة في عالم الازياء وباتت ترده عروض كثيرة بفضل جاذبيته ونظراته المعبرة.