ما لاحظناه في عرض شانيل يستحق من الجميع كل الاهتمام.
كما في كل عروض الدار الفرنسية العريقة، يحرص كارل لاغرفيلد دائماً على مزاوجة الأناقة مع فن التصميم والموسيقى. ولأن عرضه هذا العام أراده بمثابة تحية تقدير وإجلال لباريس، مدينة الأنوار وعاصمة الموضة العالمية، قرر أن يغيّر ديكورGrand Palais من جديد، ويمنحه تصميماً مستوحى من شوارع باريس، من ضفاف نهر السين الذي يشكّل معلماً أيقونياً فيها، من الأكشاك التي تتوزع في الطرقات وتضفي عليها المزيد من الحياة والشعور بالمودة. من يعرف كارل لاغرفيلد يدرك أنه متعدد المواهب و أنه يصمّم عادةً هذه الديكورات بنفسه! إنه شغوف بالفن بكل تجلياته، عاشق للجمال بكل أشكاله، ولهذا رأيناه يختتم عرض شانيل للهوت كوتور هذه المرة، مع عارضة سمراء البشرة، ما كان لظهورها على خشبة العرض بفستان الزفاف الفستقي أن يمرّ مرور الكرام.
لقد حملت هذه الخطوة الجريئة من كارل لاغرفيلد الكثير من المعاني و الدلالات.
هل تعاني صناعة الهوت كوتور من أزمة هوية؟تصاميم الهوت كوتور تنطوي على مفهوم واضح وصريح. إنها تصاميم حصرية، قلة قليلة فقط من سيدات المجتمع المخملي تستطيع الحصول عليها، فضلاً عن عدد من أهم نجوم السينما والغناء.
تعتمد الدور على معايير عالية لاختيار النجمات اللواتي يمكنهن التألق بتصاميمها من الهوت كوتور، فكل ممثلة أو مغنية يجب أن تستحق هذا الشرف. والأمر في الواقع مبرر. كل فستان كوتور هو بمثابة تصميم فريد من نوعه، لا يمكن تكراره ولا تقليده. كل فستان يُصمّم بحسب مقاس السيدة ويمكن تعديله بحسب طلبها أيضاً. وفوق ذلك، فساتين الهوت كوتور تُنفّذ باليد والعمل عليها يتطلّب ساعات طويلة من الجهد المتواصل، لا سيما إذا تضمّن التصميم الكثير من الشك والطريز. لذا، تكون أسعار هذه الفساتين باهظة وأحياناً “خيالية”! لكن، في المقابل، يتفق الجميع اليوم على أن صناعة الموضة تواجه أزمة حقيقية، تكمن في العثور على متسوّقين جدد وأسواق جديدة، لذا نرى أبرز هذه الدور، مثل شانيل و ديور و لويس فويتون وغيرها، تسعى إلى عرض تشكيلاتها في الأسواق الناشئة، لا فقط في بلد المصدر. لقد أصبحت هذه الدور تذهب إلى المتسوقين بدل من أن تنتظرهم ليأتوا إليها.
ومع انتشار وسائل السوشيال ميديا، فتحت دور الأزياء أبوابها المغلقة وكواليسها أمام العالم، فأصبحنا نشاهد الأفلام التي تنقل لنا وقائع حقيقية مما يجري في كواليس عروض الأزياء، بما فيها عروض الكوتور..
كل ذلك يلغي في الحقيقة مبدأ “الحصرية” و يجعل الموضة أكثر “ديمقراطية”، بمعنى أنها أصبحت في متناول الجميع في كل مكان وزمان.
العالم ما زال يعاني من العنصرية!
على الرغم من انتشار حركة الدفاع عن المرأة وبروز الكثير من الأصوات المنادية بإلغاء كل أشكال التمييز، سواء على أساس الجنس أم العمر أم اللون، ما زالت صناعة الموضة تعاني من العنصرية! والدليل على ذلك، أن 72% من عارضات الأزياء اللواتي نراهن مراراً وتكراراً في عروض الموضة، من صاحبات البشرة الفاتحة والشعر الأشقر أو البني، بينما النسبة الباقية تتوزع بين العارضات الأسيويات “صاحبات البشرة الصفراء”، والعارضات ذوات الأصول الأفريقية، وقلة نادرة من المحجّبات.
رغم مضي عشرات العقود على إلغاء العبودية، ما زال عالمنا يعاني من العنصرية!
كارل لاغرفيلد الذي يُعد رمزاً ربما لن يتكرر أبداً في صناعة الأناقة، أراد تسليط الضوء على هذه الحقيقة، فسار عكس التيار. لقد استعان بالعارضة السمراء Alek Wek لكي تختتم مجموعة شانيل للهوت كوتور في خطوة حملت رسالة واضحة إلى الجميع. وفحوى هذه الرسالة أن الوقت قد حان لقبول الآخر واحترامه والاعتراف به كإنسان كامل الحقوق، بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه ومكانته الاجتماعية.
يتردد في الآونة الأخيرة أن هذا العرض ربما يكون الأخير لكارل لاغرفيلد قبل التقاعد. قد تصحّ هذه التوقعات وقد تكون خاطئة، ما يهمنا هو أن هذا المصمم أنجز ما لم يفعله الكثيرون. لقد وضع النقاط على الحروف وجعل أنظار العالم كلها تتجه إلى عارضته السمراء ذات الفستان الفستقي. قبل عامين تقريباً، أحدثت ماريا غراتسيا كيوري ضجة كبيرة عندما أرسلت عارضاتها إلى خشبة العرض مع شعار Feminism الذي تحوّل اليوم إلى حركة ثقافية تجتاح العالم كله. واليوم، نتوقع لخطوة كارل لاغرفيلد هذه أن تجلب معها التأثير نفسه، فنرى المزيد من العارضات السمراوات، كعارضات رئيسات خلال أسابيع الموضة الجاهزة في سبتمبر المقبل!