احتفلت روسيا الخميس ببدء الحدث الكروي الذي انتظره العالم طيلة أربعة أعوام، وذلك بعرض افتتاحي لمونديال كرة القدم 2018، النسخة الـ 21 من البطولة التي انطلقت بمباراة حقق فيها البلد المضيف فوزا كبيرا على السعودية بنتيجة 5-صفر.
وعلى ملعب لوجنيكي في العاصمة الروسية، أحيا المغني البريطاني روبي وليامس حفلا مقتضبا لأقل من 30 دقيقة أمام نحو 80 ألف متفرج غصت بهم مدرجات الملعب الذي يعد من الأبرز في روسيا، ومن المقرر ان يستضيف المباراة النهائية أيضا في 15 تموز/يوليو المقبل.
وغضت المدرجات بعشرات الآلاف من المشجعين الروس، وآلاف المشجعين السعوديين الذي تابعوا أغنيات وليامس الذي رافقته السوبرانو الروسية آيدا غاريفولينا. وسبق انطلاق حفل الافتتاح، قيام الحارس الاسباني السابق ايكر كاسياس وعارضة الازياء الروسية ناتاليا فوديانوفا بوضع كأس العالم الذهبية على أطراف العشب الأخضر.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الافتتاح الرسمي للحدث المنتظر الذي يمتد شهرا، قائلا “أهنئكم جميعا على انطلاق أهم بطولة في العالم”، تلاه رئيس الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) السويسري جاني انفانتينو بكلمة مقتضبة حيا فيها المشجعين بأكثر من لغة، منها قوله بالعربية “أحبائي، أهلا وسهلا الى كأس العالم في روسيا”.
وأمام حضور دولي رسمي شمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تلقت السعودية خسارة قاسية في المباراة الأولى أمام منتخب البلد المضيف بنتيجة صفر-5، وذلك في أولى مباريات المجموعة الأولى التي تضم أيضا الأوروغواي ومصر.
وتشكل استضافة كأس العالم فرصة لموسكو للافادة من أبرز البطولات الرياضية لتثبيت مكانتها كقوة عظمى.
وستكون روسيا خلال الأسابيع المقبلة قبلة أنظار عشاق اللعبة الشعبية الأولى عالميا، بعدما كانت محط انتقادات منذ اختيارها في 2010 لاستضافة المونديال للمرة الأولى في تاريخها. وارتفعت الحدة في الأعوام الأخيرة بسبب التجاذب بين موسكو والعواصم الغربية حول ملفات شتى، مثل أوكرانيا الى النزاع في سوريا، وصولا الى القضية الأحدث: تسميم عميل مزدوج سابق في انكلترا.
وغاب التمثيل الرسمي البريطاني عن حفل الافتتاح على خلفية اتهام لندن لموسكو بالمسؤولية عن تسميم العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته بغاز الاعصاب في سالزبري بجنوب غرب انكلترا في 4 اذار/مارس، وهي تهمة نفتها موسكو، الا ان ذلك لم يحل دون فرض المملكة المتحدة عقوبات على روسيا، وتبادل طرد الدبلوماسيين بين البلدين.
وكان بوتين قد أبرز الأربعاء في موسكو خلال الجمعية العمومية للفيفا، “صحة مبدأ الفيفا بابعاد الرياضة خارج السياسة”، مشددا على ان بلاده “لطالما التزمت بهذا المبدأ”.
ووصلت العلاقات بين روسيا والغرب الى مستويات من التوتر أعادت التذكير بعقود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، الا ان بوتين، الحاكم القوي للبلاد منذ العام 2000، يرى بالتأكيد في كأس العالم مصدر فخر لبلاده وامتحانا لاثبات جدارتها.
– 13 مليار دولار –
وأنفقت روسيا ما يزيد على 13 مليار دولار لاستضافة المونديال، وهو مبلغ قياسي في عرف نهائيات كأس العالم، خصص الجزء الأكبر منه لتأهيل المدن الـ 11 المضيفة، وبعضها لم يخضع لعملية تأهيل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
أعيد تأهيل المطارات وأنشئت مناطق مخصصة لإقامة المشجعين الذين سيتابعون كأسا للعالم تقام في بلاد تمتد على مساحة تقارب 17 مليون كلم مربع، وهو أمر قد لا يشهدون مثيلا له لأعوام طويلة.
فنادق فخمة بنيت في مناطق قد لا يفكر السياح في زيارتها ما لم يحل المونديال ضيفا عليها. 12 ملعبا ضخما تحولت الى علامات فارقة في المدن المضيفة، لكن السؤال الأهم هو ما سيكون عليه مصيرها بعد ذلك.
وأكد بوتين ضرورة “استخدام الملاعب الجديدة بذكاء” وعدم تحويلها الى اسواق لبيع السلع بعد انتهاء المونديال، كما حصل في تجارب سابقة في روسيا وغيرها من الدول التي استضافت الأحداث الرياضية الكبرى.
– العنصرية والشغب –
مشاكل روسيا لا تنتهي في عالم الجغرافيا السياسية أو تجديد البنية التحتية. فأعمال الشغب التي تورطت فيها مشجعوها ضد المشجعين الانكليز في كأس أوروبا صيف 2016 في مدينة مرسيليا الفرنسية بين المشجعين، لا تزال عالقة في أذهان المنظمين والمشجعين على السواء.
مثيرو الشغب من النازيين الجدد الذين ينظمون معارك جماعية في الغابات ويهتفون بشعارات عنصرية ضد اللاعبين، عكروا صفو الملاعب الروسية لأعوام. وبحسب منظمة “فير” المناهضة للتمييز، يزيد اتحاد الكرة المحلي الطين بلة بمعاقبة من يتعاملون مع الإساءات “بينما يتجاهل الجناة”.
وكاجراءات احترازية، قامت الأجهزة الأمنية إما بسجن أو التحقق من مئات المشاغبين للتأكد من أنهم لن يؤثروا سلبا على صورة روسيا.
وأجدت تكتيكات التخويف نفعا، إذ كشف بعض أعضاء العصابات الكروية إنهم سيغادرون المدن بمجرد بدء المباريات لتجنب محاصرتهم وتوقيفهم.
ورفضت روسيا اصدار تذاكر لحوالى 500 من مشجعيها للاشتباه بانتمائهم الى فئة المشاغبين، فيما أجبرت إنكلترا أكثر من 1000 من المشاغبين المعروفين على تسليم جوازات سفرهم.
– دراما ما قبل البداية –
وسيكون التركيز في المونديال على منتخبات أساسية تتقدمها البرازيل حاملة الرقم القياسي في عدد الألقاب بعدما رفعت الكأس 5 مرات، لكنها تشعر بمرارة كبيرة نتيجة فشلها في احراز اللقب على أرضها قبل أربعة أعوام حين انتهى مشوارها في نصف النهائي بهزيمة تاريخية 1-7 على يد المانيا التي رفعت رصيدها الى 4 القاب، وتسعى بالتالي في روسيا الى أن تصبح أول منتخب يحتفظ باللقب منذ “سيليساو” بالذات عامي 1958 و1962.
وشاءت الصدف أن يبدأ العملاقان البرازيلي والألماني مشوارهما الروسي في اليوم ذاته، الأحد حين يلتقي الأول مع سويسرا والثاني مع المكسيك.
وتلقت كأس العالم جرعتها الأولى من الدراما قبل انطلاقها عندما قررت اسبانيا، بطلة 2010، التخلي عن مدربها جولن لوبيتيغي قبل يومين من مباراتها المنتظرة مع البرتغال، وتعيين فرناندو هييرو بدلا منه، وذلك على خلفية الاعلان عن انتقاله الى ريال مدريد بعد النهائيات.