هل تراجع تفاؤل المستثمرين بسياسات ورؤى الأمير محمد بن سلمان بعد توليه ولاية عهد المملكة العربية السعودية مقارنة بما كان عليه الأمر عندما كان ولياً لولي العهد .
يبدو أن المستثمرين يشيحون بوجوههم عن السعودية، التي تراجعت مرتبتها في قائمة الاستثمار الدولي.
فالتراجع عن السياسات التقشفية، مثلما فعلت السعودية، مع تولي بن سلمان ولاية العهد والاضطرابات والتورط في الحروب والمواجهات من قِبل دول الخليج، مع انخفاض أسعار النفط- تجعل المنطقة برمتها، وليس دول الخليج فقط، أقل جذباً للاستثمار.
ومع انخفاض أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل الواحد، يعتبر إيجاد نموذج اقتصادي جديد يعوض خسائر منظمة البلدان المصدرة للنفط أمراً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ومع ذلك فإن العديد من الصراعات في الشرق الأوسط تجعل إيجاد نموذج اقتصادي جديد صعب التحقيق، حسب تقرير لوكالة بلومبرغ .
وتقول بلومبرغ إنه من الواضح أن النفط والغاز والتكرير والبتروكيماويات وحدها لا يمكنها توفير الوظائف والتنويع الذي يحتاجه الشرق الأوسط.
تضيف بلومبرغ: “ببساطة، فإن التدفق المستمر للأخبار السيئة والاضطرابات المهددة للأعمال التجارية يخيفان المستثمرين الجدد، ولا سيما أولئك الذين لا يعلمون كيف يشقون طريقهم خلال التعقيدات المحلية. إن حجم التحدي صارخ، حتى بالنسبة للمملكة العربية السعودية”.
إن الفرصة ليست متاحة سوى لدبي -مركز الخدمات اللوجيستية والمالية والسياحية- في الخليج. وحتى لو كانت السعودية ستخلق لنفسها “دبي” جديدة، فإنها لن تمثل سوى 15% من الناتج المحلي الإجمالي. أما بالنسبة لقطر، فيمكنها أن تعتمد بكل اطمئنان على صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، ولكن إذا طال أمد حصارها، فإن طموحاتها في مجال الطيران والسياحة وكأس العالم 2022 ستكون في حالة مزرية.
مصير الدول الأخرى
في البلدان الأكثر استقراراً بالمنطقة، والتي تتميز بانخفاض تكاليف الإنتاج، لا تزال استثمارات الطاقة جذابة، على الرغم من الشروط المالية الصعبة.
أما بالنسبة للدول الأكثر اضطراباً، فإن الاستثمار الدولي واسع النطاق يعتبر نادراً خارج الجيوب الآمنة. على الأقل، الحفاظ على تشغيلها أمر ضروري للحفاظ على الدولة من الانهيار، والتي يمكنها أن تعيد إحكام السيطرة تدريجياً. ويتعين على الحكومات والجهات الفاعلة الأجنبية أن تدرك أن الأمن وملاءمة المكان للاستثمار ليسا بديلين؛ بل هما عاملان متلازمان، حسب بلومبرغ.
في 4 بلدان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يهدد النزاع العنيف نمو؛ بل وحتى بقاء صناعة الطاقة. وفي سوريا واليمن، جفّ إنتاج النفط والغاز تقريباً، وليس هناك نهاية في الأفق للحروب الأهلية متعددة الجوانب.
وقد انتعش النفط الليبي في الأشهر الأخيرة مع سلسلة من الصفقات السياسية لإعادة فتح المحطات، حيث وصل الإنتاج إلى 900 ألف برميل يومياً، وهو أعلى مستوى له منذ يوليو/تموز 2013. وسيكون من الصعب الحفاظ على هذا الوضع؛ نظراً للانقسام المتواصل بين الحكومات المتنافسة الضعيفة بغرب البلاد وشرقها، والأزمة المالية التي تلوح في الأفق.
في العراق، مع استعادة الموصل تقريباً من تنظيم داعش، وعودة الاستثمار مرة أخرى في حقول البلاد الجنوبية، هناك آفاق لتحقيق مكاسب قوية في الإنتاج هذا العام، ربما يصل لأكثر من 5 ملايين برميل يومياً من المعدل الحالي البالغ 4.4 مليون. ولكن الوضع المتزايد التعقيد على طول الحدود السورية، مع تصادم المصالح الأميركية والكردية والتركية والروسية والإيرانية- يعتبر أحد المخاوف؛ واستفتاء إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017 بشأن الانفصال مخافة أخرى.
ورطة دول الخليج
وأشارت بلومبرغ إلى أن الدول الست الغنية بمجلس التعاون الخليجي تشارك في صراعات المنطقة بشكل متزايد، بدعمها مختلف الأطراف في الحروب الأهلية السورية والليبية.
وقد تسارعت وتيرة الخلافات مع إيران منذ الزيارة الأخيرة للرئيس دونالد ترامب إلى السعودية، والتي تزعم أن الإيرانيين قاموا بغزو حقل نفط مرجان البحري.
وكانت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قد بدأتا تدخلهما المكلف باليمن في مارس/آذار 2015، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، قامت الدولتان، بالاشتراك مع مصر وحلفاء آخرين، بحصار جارتهم قطر.
ولي العهد السعودي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، ليس معروفاً بالتردد. فهو يتعامل مع ترامب بشأن السياسة الإقليمية وفلاديمير بوتين الروسي بشأن “الأوبك”، ويتابع من كثب الحملة على اليمن والحصار المفروض على قطر، متجاوزاً سلفه الاكثر حذراً، الأمير محمد بن نايف. مع تراجع الأسعار إلى حيث كانت، فإن اتفاق منظمة أوبك بشأن خفض الإنتاج يبدو الآن هشاً.
دور رائد لبن سلمان ولكن
تقول بلومبرغ: “إن الأمير محمد بن سلمان يقوم بدور رائد في تحويل الاقتصاد السعودي: الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية، وخصخصة الشركات الأخرى، والاستثمارات الطموحة الموجهة نحو المستقبل في أوبر، والصندوق المشترك بقيمة 93 مليار دولار مع شركة سوفت بانك اليابانية، ومشروع للتجارة الإلكترونية مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار. كما يجري الآن تقليص الدعم المكلف للطاقة، وتحقق المملكة تقدماً في مجال استغلال مواردها الغنية من الطاقة المتجددة”.
إن الطموحات الاقتصادية السعودية الناشئة ترجع إلى حذوها حذو الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي ودبي، ولكن مع مزيد من التأكيد على الصناعة، وضمن ذلك التعدين.
ويعتبِر تقرير بلومبرغ أن ذلك أمر منطقي؛ نظراً لتوافر الثروة المعدنية في البلاد والقاعدة الصناعية القائمة، ولا سيما شركة سابك للبتروكيماويات العملاقة. ومع ذلك، فإن التوسع في الأعمال كثيفة استهلاك الطاقة مع رفع أسعار الطاقة والضرائب، توازن صعب. يحتل النفط نسبة 85% من الصادرات السعودية، والمواد الكيميائية 12%. تحتاج السعودية إلى استثمارات كبيرة في مجالات جديدة.
ما الذي تغير في السعودية؟
ومع وصول الأمير محمد لولاية العهد، تلفت بلومبرغ إلى أن الحكومة السعودية أعادت الرواتب والمكافآت التي كانت قد خفضتها في السابق لمواجهة عجز الميزانية.
وتعلق قائلةً: “هذا النقص في الانضباط المالي هو مصدر قلق، ويقلل من جاذبية القطاع الخاص الذي يشغله 30% فقط من السعوديين، وهو عدد يستهدف الارتفاع إلى 50% في عام 2020. وبجميع أنحاء المنطقة، فإن تخفيضات الدعم والتقشف والبطالة هي تذكير بالمظالم التي أشعلت ثورات 2011.
وانخفضت الاحتياطات السعودية بنهاية شهر أبريل/نيسان 2017 بقيمة 302 مليار ريال، وبنسبة 14% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2016 ، حسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.
وبلغت قيمة الاحتياطات السعودية بنهاية أبريل/نيسان 2017، 1.875 تريليون ريال، متراجعةً من 2.177 تريليون ريال، كما انخفضت الاحتياطات مقارنة بشهر مارس/آذار 2017، بقيمة 32 مليار ريال، وبنسبة 1.65%.
كما تراجعت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر، المتدفق إلى السعودية خلال العام الماضي 2016 (العام الذي طُرحت فيه رؤية 2030 )، إلى 7.453 مليار دولار، مقارنة بـ8.141 مليار دولار في 2015.
جاء ذلك في التقرير السنوي التفصيلي لمنظمة الأونكتاد الخاص بالاستثمار العالمي 2017: “الاستثمار والاقتصاد الرقمي”، الذي يُظهر البيانات النهائية للاستثمار الأجنبي للدول.
وتهدف السعودية في برنامج الإصلاح الاقتصادي (التحول الوطني)، المعلَن عنه العام الماضي، إلى رفع الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق للبلاد إلى 70 مليار ريال (18.7 مليار دولار) بحلول عام 2020، من 30 مليار ريال عام 2015.
ورغم هذه الطموحات، فقد أشار تقرير لصحيفة “الحياة” السعودية إلى استغراب أعضاء مجلس الشورى السعودي مِن تراجع مرتبة البلاد في مجال الاستثمار الأجنبي وقالوا إنه رغم اعتماد رؤية 2030 على جذب الاستثمار وتعزيز البيئة النفسية فإن الهيئة العامة للاستثمار صدمت مجلس الشورى بنشر ترتيب المملكة في تنافسية الاستثمارات، حيث كانت في المركز الثامن عشر عام 2013 من بين 44 دولة، ثم تراجعت إلى المركز العشرين عام 2014، وفي عام 2015 تراجعت مجدداً إلى المرتبة الرابعة والعشرين، وفي عام 2016 فقدت مركزاً جديداً، بهبوطها للمركز الخامس والعشرين؛ أي في نفس عام طرح رؤية 2030 التي قدمها الأمير محمد بن سلمان، وفي عام 2017 واصلت تراجعها بمعدل أكبر لتحتل المركز التاسع والعشرين.
كما استغرب الأعضاء، خلال مناقشة المجلس تقرير لجنة الاقتصاد والطاقة بشأن التقرير السنوي لهيئة الاستثمار؛ لأن تبرير الهيئة لهذا التراجع هُو أنها ليس لديها استراتيجية، متسائلين عمن ينتظر من الجهات أن تقوم بإعداد الاستراتيجية لها، وهذا من صميم عمل الهيئة.
الإنفاق العسكري
ولفتت بلومبرغ إلى أنه ووفقاً للبنك الدولي، بلغ إنفاق السعودية في عام 2015 على الدفاع 13.5% من ناتجها المحلي الإجمالي (87 مليار دولار)، حيث كانت الثانية في العالم من حيث النسبة بعد عُمان المجاورة، وهي دولة مسالمة، ولكن أكثر ضعفاً من الناحية المالية، والتي أنفقت 14.2%. وشكلت تكاليف الدفاع أغلب عجز الموازنة بالمملكة في ذلك العام. وبلغت نفقات الدفاع لمنافستها الأكبر، إيران، 3% فقط.
وحتى في الأجزاء التي لا تعاني حروباً بالمنطقة، فإن هذه الصراعات تعوق المستثمرين، وتشتت انتباه صانعي السياسات عن المهمة الملحة والوجودية المتمثلة في بناء اقتصادات القرن الحادي والعشرين، وفقاً لبلومبرغ.
أما بالنسبة للدول التي مزقتها الحرب، فترى بلومبرغ أن مجرد الحفاظ على الاقتصادات على نمط السبعينات من القرن الماضي- تعتبر مهمة شبه مستحيلة. فانخفاض أسعار النفط يحرم البلدان من الأموال اللازمة للتحول أو إعادة الإعمار، ولكن ينبغي لهم التركيز على ضرورة الإصلاح.