بينما يعتقد البعض أنَّ التنويم المغناطيسي مجرد خدعة، يراه آخرون على أنه فعل خارق للطبيعة، ويحوّل الناس إلى أشخاصٍ مسيَّرين بلا عقلٍ وقد يساعدهم أحياناً على العلاج من الإدمان.
لكن أبحاثاً علمية جديدة كشفت أنه أحد جوانب السلوك البشري الطبيعي، وليس خدعة بصرية أو تمثيلية ننبهر بها عندما نشاهدها على برامج التلفزيون.
ونشرت صحيفة The Conversation الأسترالية مؤخراً، تقريراً لمحاضرَين في علم النفس بجامعتي لندن ونيويورك، لإلقاء الضوء على أحدث الدراسات التي تدور في فلك العلاج النفسي الغامض، والذي يتحدى القدرات البشرية لتصديق أو تكذيب ما تراه العينان.
بداية، ما هو التنويم المغناطيسي؟
هو عبارة عن مجموعةٍ من الإجراءات التي تتضمّن تحفيز الشخص عبر التركيز على شيءٍ ما، أو بالاسترخاء، أو بتخيّل موقفٍ ما، يتبَعه إيحاء أو أكثر، مثل: “ستتوقّف كلياً عن الشعور بذراعك اليسرى”.
الهدف من التحفيز هو إثارة حالة ذهنية يُركِّز فيها النائم مغناطيسياً على التعليمات التي يمليها عليه المُعالِج، بحيث لا يكون مشتتاً بهموم الحياة اليومية.
أما اهتمام العلماء بالتنويم المغناطيسي فينبع من أنَّ الخاضعين له غالباً ما يُفيدون بأنَّ استجابتهم تكون آلية، أو خارجة عن تحكمهم.
لِم يستجيب جسمك لتعليمات غيرك؟
من المفاجئ أنّ نجاح التنويم المغناطيسي لا يعتمد على قدرات المُعالج فقط، مع أنَّ تأسيس علاقة بين الطرفين تساعد كثيراً في السياق العلاجي لعملية التنويم. فالمحرّك الأساسي وراء نجاح العملية هو مستوى “القابلية للإيحاء” الخاصة بكلِ شخص، وهو مصطلح يصف مدى تجاوب الشخص تجاه الإيحاء.
ومن المعلوم أن القابلية للإيحاء في أثناء عملية التنويم المغناطيسي لا تتغيّر بمرور الوقت، وهي صفة موروثة، وقد وجد العلماء أنَّ بعض الأشخاص ممّن يحملون جيناتٍ معيّنة يكونون أكثر قابلية للإيحاء من غيرهم.
ويُظهِر معظم الناس تجاوباً معتدلاً مع التنويم المغناطيسي. وهذا يعني أنّهم قد يتعرّضون لتغيُّراتٍ واضحة في سلوكهم. وفي المقابل، هناك نسبة صغيرة (نحو 10-15%) من الناس لا تستجيب للتنويم على الأغلب. لكنَّ معظم الدراسات التي أُجرِيَت على التنويم المغناطيسي تركّز على مجموعةٍ صغيرة أخرى (10-15%) تُظهِر استجابة عالية.
ويمكن استخدام الإيحاء لإيقاف شعور الألم مع من يظهرون استجابة عالية، أو لخلق هلوسات، أو حتى التسبب في فقدان الذاكرة. وتكشف أدلة من صُورٍ لأشعة طبية أُجرِيَت على المُخ أنَّ هؤلاء الأفراد لا يختلقون هذه الاستجابات أو يتخيلونها. وبالفعل، فإن المُخ يتصرّف بطريقةٍ مختلفة عندما يستجيب لإيحاءات التنويم المغناطيسي.
كما أظهرت الدراسات المبدئية أنّ الأشخاص ذوي القابلية المرتفعة لديهم وظائف اتصالية غير اعتيادية في قشرة الجبهية الأمامية للدماغ، التي تلعب دوراً أساسياً في عدد من الوظائف السيكولوجية، مثل مهارات التخطيط ومراقبة تغيّر الحالة النفسية للشخص.
وهناك أيضاً أدلة على أنَّ الأشخاص ذوي القابلية المرتفعة ينفّذون المهام الإدراكية بشكلٍ أسوأ من غيرهم، مثل مهام الذاكرة العاملة. ومع ذلك، يزداد تعقيد نتائج هذه الدراسات بسبب احتمال وجود أنواع مختلفة من الأشخاص ذوي القابلية المرتفعة للإيحاء.
وهذه الاختلافات الإدراكية العصبية قدّ تسلط الضوء على الطريقة التي يستجيب بها هؤلاء الأشخاص للإيحاء: إذ إنَّهم قد يكونون أكثر استجابةً؛ لأنَّهم أقل وعياً بالنوايا.
على سبيل المثال، عندما يُوحَى لهؤلاء الأشخاص بعدم الشعور بالألم، فإنَّهم قد يكبتون شعورهم بالألم دون وعيٍ منهم بالنية لفعل ذلك. وهذا قد يفسّر أيضاً لماذا يفيدون بأنَّ ما اختبروه حدث دون تحكُّمٍ منهم.
ولم تؤكد دراسات التصوير العصبي هذه النظرية بَعد، لكن يبدو أنَّ التنويم المغناطيسي يتضمّن بالفعل حدوث تغيرات في مناطق المخ المسؤولة عن مراقبة الحالة العقلية، والوعي بالذات، والوظائف المرتبطة به.
ومع أنّ آثار التنويم المغناطيسي قد تبدو غير قابلة للتصديق، إلّا أنَّنا أصبحنا نتقبّل فكرة تأثير المعتقدات والتوقّعات على الإدراك البشري. وهو تأثيرٌ مشابه لأثر العلاج الوهمي، أي عندما يُعطي دواءٌ أو علاجٌ غير فعّال نتائج إيجابية فقط لأنَّنا نصدّق أنّه سينجح.
يتطلّب إجراء التنويم المغناطيسي الحصول على موافقة المريض أو الشخص الخاضع للتنويم. فلا يمكن أن يُجرَى تنويمك مغناطيسياً رُغم إرادتك، وبخلاف بعض المعتقدات الخاطئة الشائعة، لا يوجد دليل على إمكانية استخدام التنويم المغناطيسي لإجبارك على ارتكاب أفعال غير أخلاقية رُغم إرادتك.
استخدام التنويم المغناطيسي كعلاجٍ طبي
وفي هذا السياق، أظهرت التحليلات الشاملة، وهي دراسات تعاين معطيات مأخوذة عن عدة دراسات، أنَّ التنويم المغناطيسي ينجح بدرجةٍ كبيرة عندما يتعلق الأمر بعلاج بعض الحالات الطبية.
وتتضمّن الحالات المذكورة متلازمة الأمعاء المُتهيِّجة والآلام المزمنة، لكنَّ الأدلة أقل حسماً، وغالباً ما يرجع هذا لقلة الأبحاث التي يمكن الاعتماد عليها، في حالاتٍ مثل التدخين، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمات.
ومع أنَّ التنويم المغناطيسي قد يكون مفيداً لعلاج بعض الحالات، فإنّه ليس ترياقاً سحرياً. ويجب على من يفكّر في الخضوع للعلاج بالتنويم المغناطيسي أن يفعل ذلك فقط من خلال استشارة مُمارِس محترف.
وللأسف، في بعض الدول، ومن بينها المملكة المتّحدة، يُمكِن لأي شخص أن يقدِّم ذاته قانونياً بصفته مُعالِجاً.
وكلما عرف الباحثون أكثر عن التنويم المغناطيسي، يتّضح أنّ هذه الظاهرة الجذّابة قد تكشف لنا حقائق فريدة عن وظائف العقل البشري، وتأثير معتقداتنا على إدراكنا للعالم، ومدى سيطرتنا على أفعالنا.
علمًا أن هناك عدة أنواع وطرق للتنويم المغناطيسي، ولها علاقة مباشرة مع البرمجة اللغوية العصبية و العقل الباطن حسب تقرير نشر على موقع Neronet وردت فيه تفاصيل كثيرة عن هذه التجربة.